أعلن ذ.محمد سعد العلمي في أربعينية الفقيد محمد الوفا عن شروعه في كتابة مذكراته، وغير خفي أن الرجل بما عرف عنه من حذق وأناقة في المظهر والسلوك قد تدرج بذكاء وهدوء ولكن بكل جدارة واستحقاق في التنظيمات الاستقلالية والمهام التمثيلية والرسمية، وإن كان قد تأخر نسيا تقلده الوزارة والسفارة مقارنة مع آخرين دونه رصيدا وكفاءة. ولعل أهم المسؤوليات التي باشرها سليل دوحة العلميين الشرفاء كانت تلك التي تولاها بفضل ثقة سكان شفشاون، الذين قلدوه رئاسة بلديتهم لثلاث ولايات ورئاسة المجلس الإقليمي ثم مجلس الجهة ونائبا ومستشارا برلمانيا لمدة ناهزت ثلاثة عقود، حيث ترأس لجنة الشؤون الاجتماعية قبل انتخابه نائبا لرئيس مجلس النواب ما بين 1992و1997 ثم بعد ذلك عضوا بمجلس المستشارين. حزبيا تولى سعد العلمي مهاما من درجة الصفوف الأمامية فقد اكتسب عضوية اللجنة التنفيذية مبكرا وصار قريبا من دائرة اتخاذ القرار في الحزب، بعد أن جاءها مسندا برصيد زاخر صقلته تجربة ميدانية طويلة في المجالات الشبابية والطلابية والحقوقية وجمعية المستشارين الجماعيين، مع خبرة صحافية متميزة وقدرة فائقة في التحرير والصياغة والتحليل بوأته في وقت سابق وهو بعد في مقتبل الشباب حظوة الثقة والقرب من الزعيم علال الفاسي. قاد العلمي سفينة شؤون التنظيم في ظروف صعبة وفي أوج الأعاصير التي عاشها الحزب حيث واجه كربان حاذق أمواج الخلافات العاتية خلال التحضير لغير واحد من المؤتمرات العامة التي كانت تراهن أطراف الخلاف فيها على تطويع قوانين الحزب لطموحات تراوحت في مداها بين مجرد تطلعات أنانية شخصية أحيانا وواجب الموالاة التي لا تنازل عنها لهذا الجانب أو ذاك، وقد استطاع الربان في أكثر من رحلة الوصول إلى موانئ الأمان بسلام. شارك من كل المواقع في صياغة عدة فصول متقلبة (المعارضة -المشاركة – المعارضة / المشاركة – المعارضة) من المشهد السياسي وتجاذبات الأحزاب الوطنية مع النظام، في سبيل إرساء أسس البناء الديموقراطي إلى أن بزغت شمس التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، ولكنه لم يحظ بالوزارة كما كان يستحق شأنه في ذلك شأن كثير من رفاقه ومنهم الفقيد محمد الوفا. فكان عليه كمناضل لا يتوقف مساره السياسي على تقلد منصب زائل أن ينتظر قدوم حكومة ادريس جطو بعد انتخابات 2002، ليتولى مقاليد وزارة العلاقات مع البرلمان ليسير دفتها بذات التجربة الميدانية الطويلة المكتسبة على مدار سنين ويحافظ على منصبه في حكومة عباس الفاسي بعد انتخابات 2007، ثم وزيرا مكلفا بتحديث القطاعات العامة ما بين 2010 و2012 فسفيرا بجمهورية مصر العربية في مارس 2013. ستكون مذكرات ذ. محمد سعد العلمي قيمة مضافة في تقديم فترة متميزة من تاريخنا السياسي الحديث عاشها عن قرب ومن داخل الأحداث، وستقدم دون شك صورة نتطلع لقراءة ما وراء ملامحها بما نعرفه عن صاحبها من دقة وموضوعية وما راكمه من خبرة في الصياغة وحنكة في التحليل.