بتقديمه "مشروع استقالة" من الحكومة، حطم المصطفى الرميد، القيادي في حزب العدالة والتنمية، الرقم القياسي العالمي في لعبة "التهديد بالاستقالة" بالمقارنة مع أي رجل سياسة في العالم، غير أنه إذا كانت الاستقالات السابقة مرتبطة بالحزب، فإن الاستقالة التي تم تسريبها مساء يوم الجمعة الماضي تعد تطاولا سافرا على الأعراف العريقة في المغرب، وتحمل في طياتها بغض النظر عن الحالة الصحية للوزير المعني، مزايدة غير مقبولة.. وإذا كانت الظروف الصحية لوزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان لا تسعفه على مواصلة مهامه، فقد كان الأجدر به أن يخبر رئيسه في الحكومة بهذا الأمر دون تسريب هذه الاستقالة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، ويبقى للملك وحده الحق في تقدير الحالة، والبت في هذا الملتمس، الذي من شأن تسريبه أن يتسبب في تداعيات خطيرة على السير العادي لأشغال الحكومة في ظرفية حساسة، كهاته، حيث يواصل المغرب معركته ضد كوفيد 19، وحيث يجب تأجيل كافة المزايدات إلى إشعار آخر.. وقد كان بالإمكان إيجاد عدة أعذار للوزير مصطفى الرميد في تقديم استقالته، التي تراجع عنها، لولا أن تفسيرها حملته الاستقالة الموازية التي وقعها إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، المحسوب على الأمين العام السابق؛ إذ لا يمكن تصور أي وجود للأزمي لولا استحضار الدور الذي لعبه عبد الإله بنكيران في مسار عمدة فاس، خاصة أن هذا الأخير احتل مكان القرب الذي كان يحتله صديق بنكيران السابق الراحل عبد الله باها. يقول الأزمي، في مزايدة على أهل المزايدة، والمغاربة يقولون إن الزيادة من رأس الأحمق: "هل مازلنا نحن فعلا....؟ لا بد في مثل هذه المواقف على صعوبتها أن يستجمع الحزب نفسه، ويستعيد المبادرة ويجدد مقاربته ويسائل القيادة نفسها قبل فوات الأوان، لا أن يحضر نفسه للاستحقاقات المقبلة لينجح انتخابيا، أو يحصل على المرتبة الأولى، أو يرأس الحكومة، أو حتى لا يشارك فيها أصلا، فليس ولا ينبغي أن يكون أبدا هذا هو المراد والغاية". الآن بعد فوات الأوان تذكر الأزمي أن دور الحزب لا يقتصر على المشاركة في الانتخابات، والوصول إلى رئاسة الحكومة، ورغم خطورة صدور هذا الكلام عن "ممثل انتخابي" للمواطنين في غرفة البرلمان، فإن توقيت صدور الاستقالة، في الوقت بدل الضائع، يجعل لها تفسيرين لا ثالث لهما، إما أن الحزب مقبل على انهيار وشيك، أو أن الخلاف داخله رغم "التقية الحكومية" وصل إلى درجة غير مسبوقة؛ وربما تكون الاستقالات مقدمة لانفجار كبير، خاصة مع استحضاره مصطلحات من قبيل "العدة والعدد" و"الدكان الانتخابي" بالإضافة إلى عبارات لها أكثر من معنى، إذ قال إنه يقدم استقالته "لأنه لم يعد يتحمل ولا يستوعب ولا يستطيع أن يفسر أو يستسيغ ما يجري داخل الحزب ولا يقدر أن يغيره، وعليه لا يمكنه أن يسايره من هذا الموقع أو يكون شاهدا عليه". في الوقت بدل الضائع، وبعد نهاية الولاية الثانية لحزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة، يقول الأزمي إنه لم يعد يفهم ما يجري، وهو مبرر أكثر وضوحا من مبرر زميله الذي قال إن صحته لم تعد تسعفه على الاستمرار في الحكومة؛ ليطرح السؤال، ألم يشارك الأزمي في التصويت بطريقة غير مباشرة لصالح إبعاد بنكيران عن الحكومة والحزب؟ ألم يقف الرميد مساندا للعثماني ضد تيار بنكيران، الذي كان مستعدا للخروج من الحكومة؟ ألم يقف الأزمي ضد تيار الداعين إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب؟ كيف يمكن فهم هذه الاستقالات دون ربطها بالمخاض الانتخابي، في هذه السنة الانتخابية؟. على العموم فإن استقالة الرميد والأزمي لا أثر لهما على أرض الواقع، باستثناء المزايدات، فالرميد تراجع عن استقالته، وقيادة العدالة والتنمية ترفض استقالة إدريس الأزمي الإدريسي، ما يعني أن الأمر لا يتعدى في آخر المطاف كونه ضجة "فيسبوكية"؛ وربما هي رقصة الديك المذبوح قبل السقوط الكبير لحزب آخر تناول كعكة السلطة دون الانتباه إلى شروط الاستخدام.