دق مختصون في التغذية والصحة العامة "جرس إنذار" بخصوص محاذير ومخاطر انتشار "داء السمنة" بشكل واضح بين المغاربة البالغين، داعينَ إلى "وعي جماعي بوصفها مشكلة صحية عامة" يُترجم إلى "خطة وطنية لمواجهتها". ونقَلَ تصنيف إحدى المنصات الإفريقية (أفريكان إكسبوننت) أن معدل السمنة بين صفوف المغاربة البالغين وصل إلى 13.79 في المائة خلال العام 2025، مع تسجيل مدن مثل الدارالبيضاء والرباط ومراكش "أعلى الزيادات"، بسبب "تغيير الأنظمة الغذائية وزيادة الوظائف المكتبية وانتشار الأطعمة السريعة والمصنعة"؛ ما أكده أيضا خبراء تحدثت إليهم هسبريس، معتبرين أن الوتيرة في تنام "مقلق"، "نتيجة نمط المعاش اليومي للمغاربة، حيث زيادة حالات السمنة لدى الأطفال والبالغين بكل ما تحمله من التأثيرات السلبية على الصحة، ولاسيما الإصابة بأمراض مزمنة". ونبه المصدر ذاته إلى أن "ارتفاع معدلات السمنة في المغرب ساهم في زيادة حالات الإصابة بالسكري وضغط الدم، مع تأثير أكبر على النساء اللواتي تصل معدلات السمنة لديهن إلى ضِعف معدل الرجال، نتيجة الصور الثقافية حول صورة الجسم، وقلة الوصول إلى الأماكن والمساحات المخصصة للنشاط البدني". "خطة وطنية مطلوبة" تفاعلا مع "تنامي ظاهرة السمنة وأهمية التدخل الجماعي لمواجهتها" قالت أسماء زريول، أخصائية في التغذية واللياقة البدنية والمعالجة بالنظم الغذائية، إن "المغرب ليس استثناءً هنا، فهو على غرار العديد من الدول يشهد تزايداً ملحوظًا في حالات السمنة، سواء لدى الأطفال أو البالغين، وما تترتب عليها من انعكاسات سلبية خطيرة على الصحة وجودة الحياة". وشددت زريول، في تصريح لهسبريس، على أنه "صار من الضروري اعتماد خطة وطنية شمولية، تُشرك مختلف المتدخلين، من مؤسسات تعليمية، وفاعلين صحيين، وأطباء، وأخصائيين، من أجل ضمان التتبع الدقيق للحالات، والتوعية المستمرة بمخاطر السمنة باعتبارها مرضًا قائمًا بذاته". وتابعت المتحدثة مفسرة بأن "هذا الوضع يرتبط في جوهره بتحولاتٍ جارية في أنماط التغذية لدى المغاربة، نتيجة انتشار أنظمة غذائية دخيلة (معظمها غربية) وغير متوازنة، إلى جانب التخلي التدريجي عن العادات الغذائية المغربية الأصيلة"، بتعبيرها، وزادت: "كما تفاقمت الظاهرة بسبب انتشار نصائح عشوائية يروّج لها أشخاص غير مختصين عبر منصات التواصل الاجتماعي، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى تفاقم المشكلة بدل معالجتها". ولفتت الأخصائية في التغذية والصحة إلى أن "بعض الأنظمة التي يتم الترويج لها بشكل واسع: مثل 'الكيتو'، أو 'الصيام المتقطع'، أو 'الكارنيفور'، تُعتمد من طرف فئات واسعة دون إشراف طبي أو علمي، ما يجعلها سببا إضافيًا في اضطراب الوزن ومشاكل صحية أخرى"؛ وتضاف إلى ذلك، في تقديرها، "بعضُ التمثلات الاجتماعية الخاطئة، مثل ربط زيادة الوزن لدى النساء بمظهر من مظاهر الأنوثة، ما يدفع الكثيرات إلى اللجوء إلى وسائل غير صحية لتحقيق ذلك، بدل اتباع أنماط سليمة قائمة على التغذية المتوازنة وممارسة الرياضة". وبعدما حذرت المتحدثة للجريدة من "اتساع ظاهرة المتاجرة بصحة الناس من قبل بعض 'المؤثرين' عبر الترويج لخلطات أو برامج غير آمنة، بما يفرض تعزيز الرقابة القانونية والتدخل المؤسساتي من لدن الجهات المعنية لحماية المواطن"، ختمت: "إن التحسيس، والتوعية، والتتبع الصحي المنتظم، أمور تبقى ركائز أساسية لتجاوز هذه الإشكالية الصحية، ضمن مقاربة تشاركية تضع صحة المغاربة في صدارة الأولويات". "مضاعفات صحية في تزايد مقلق" في السياق نفسه أشار الدكتور بدر الدين أقديم، طبيب أخصائي في الغدد وأمراض السكري والسمنة، إلى أن الأخيرة باتت اليوم "من أبرز التحديات الصحية العالمية، إذ لم تعُد مجرد زيادة في الوزن، بل تحولت إلى مشكلة صحية عمومية كبرى ترتبط ارتباطا مباشراً بعدد من الأمراض المزمنة والخطيرة". وشرح أقديم لجريدة هسبريس الإلكترونية أنه "يتم تعريف السمنة اعتمادًا على مؤشر كتلة الجسم (IMC)؛ فعندما يتجاوز 25 نتحدث عن زيادة في الوزن، بينما يُعتبر تجاوز عتبة 30 دليلاً واضحًا على داء السمنة؛ ما يتطلب وعيًا جماعيًا وتدخلا متعدد الأبعاد، نظراً لما تحمله السمنة من تداعيات مباشرة على صحة الأفراد واستدامة المنظومة الصحية برمتها". وأرجع الأخصائي ذاته السمنة إلى "تغيّر العادات الغذائية المرتبط بالاستهلاك المفرط للأطعمة عالية السعرات الحرارية، والانتشار المتسارع لمطاعم الوجبات السريعة، والإقبال المتزايد على الأغذية المصنّعة الغنية بالدهون والسكريات والملح"، مؤكدا أن "ضُعف النشاط البدني، وتراجع ممارسة الرياضة، وتزايد الخمول الناتج عن قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات، خاصة لدى الأطفال، يسهم في تفاقم الوضع"؛ أما "العامل الوراثي"، بحسبه، "رغم وجوده إلّا أن تأثيره يظل أقل مقارنة بالعوامل السلوكية ونمط العيش". "أما المضاعفات الصحية المرتبطة بالسمنة فهي كثيرة ومقلقة"، يورد أقديم مصرحا لهسبريس، مردفا: "تشير التقديرات إلى أن نصف الأشخاص المصابين بالسمنة معرّضون للإصابة بداء السكري. وتظلّ أمراض القلب والشرايين، وارتفاع ضغط الدم، من أكثر العواقب شيوعاً، بالإضافة إلى اضطرابات التنفس، والمشاكل 'الروماتيزمية' التي تتفاقم مع ازدياد الوزن. كما تُسجّل مضاعفات جلدية ناتجة عن التهابات متكررة، فضلاً عن الزيادة الملحوظة في مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان". أمام هذا الواقع استدل الأخصائي في أمراض السكري والسمنة بأن "الدراسات الطبية شددت على ضرورة اعتماد مقاربة وقائية قائمة على: العودة إلى نظام غذائي صحي ومتوازن، يقوم على تقليص استهلاك المنتجات المصنّعة والوجبات السريعة، والحد من الدهون والسكريات والمشروبات الغازية، مع إلحاح على المواظبة على ممارسة النشاط البدني بشكل منتظم كجزء أساسي من نمط العيش اليومي".