دعا مغاربة العالم إلى تغيير التمثلات الرسمية وغير الرسمية بشأن الجالية المقيمة بالخارج، خاصة ما يتعلق بالنظرة الاقتصادية التي تجعل منهم مجرد "بقرة حلوب" لجلب الاستثمارات والقيام بالتحويلات المالية، من خلال تفعيل مقترحات "تقرير التنمية" في مجال النهوض بأوضاع مغاربة المهجر. عبد الرحمان مشراوي، طبيب مختص في أمراض القلب مقيم بألمانيا، قال إن "الأهداف المسطرة في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد إيجابية للغاية، لكن ينبغي تفعيلها على أرض الواقع بواسطة سنّ سياسات جديدة ترمي إلى تحسين جودة الاشتغال بالمغرب". وأضاف مشراوي، في لقاء نظمته قناة "أواصر تيفي"، التابعة لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أن "أهم عائق في مسار التنمية بالبلد يتجسد في تجويد الخدمات بجميع المجالات، ما يتطلب استثمار التكنولوجيات الحديثة لإحقاق الجودة المطلوبة". وأوضح الطبيب المغربي أن "إشكالية التواصل حاضرة كذلك في نموذج التنمية القديم، حيث يشتكي مغاربة الخارج من البيروقراطية الإدارية، إلى جانب غياب الاستمرارية في ما يتعلق بالمرفق العمومي، وكذا البطء المرتبط بالأوراش العامة، في ظل عدم الاستفادة الكلية من طاقات وكفاءات مغاربة الخارج". وشدد المتحدث المقيم بألمانيا على أن "جائحة كورونا بيّنت للمغرب مدى أهمية الاكتفاء الذاتي في المجال الطبي، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في المنظومة الصحية الراهنة، وهو ما نبّه إليه تقرير التنمية الذي حدّد هدفا طموحا في أفق 2035، يتعلق برفع عدد الأطباء من 1.65 إلى 4.5 طبيب لكل مائة ألف نسمة، الأمر الذي لن يتحقق بدون إعادة النظر في معايير قبول الطلاب بكليات الطب والصيدلة". وأفادت سناء فرياط، المقيمة بالديار الإيطالية، من جانبها، بأن "الإشكال المحوري يتجسد في تفعيل مخرجات لجنة النموذج التنموي الجديد، لا سيما تلك المتعلقة بالجالية المغربية القاطنة بالخارج، حيث يتم ربطها بالجانب الاقتصادي فقط؛ أي جلب العملة الصعبة للبلاد". ولفتت فرياط، ضمن اللقاء المسائي الرقمي ذاته، إلى أن "مغاربة إيطاليا انتقدوا عدم تضمين أهمية المشاركة السياسية في تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد، وكذا المشاكل التي يصطدم بها مغاربة المهجر للحصول على الوثائق الإدارية والاستثمار وغيرها". وتابعت قائلة: "يجب التفكير في مشاكل مغاربة الخارج من منظور استراتيجي، الأمر الذي يتطلب الانتقال من التنظير إلى التفعيل الواقعي بما سيعود بالنفع على البلد والمواطنين عبر إرجاع الثقة المفقودة إلى المؤسسات، وهو ما يتأتى بالتركيز على الجانب الثقافي الذي يستهدف تغيير العقليات المجتمعية". كمال بنكيران، شاعر مغربي مقيم بكندا، قال إن "تقرير لجنة النموذج التنموي تضمن العديد من الأشياء الإيجابية، غير أنه لم يُشخص أعطاب النموذج القديم بالشكل الكافي، خاصة ما يتعلق بالفساد والريع، لأن التشخيص يعد جزءا من الحل؛ ومن ثمّ، ينبغي وضع الأصبع على الجرح". وبالنسبة إلى بنكيران، فإن "الدولة عليها تجديد الآليات ذات الصلة بالسياسات العمومية، من خلال التركيز على الاشتغالات الثقافية لدى أبناء الجالية المقيمة بالخارج، وإحياء أدوار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالبلد، لأن الأساسي هو إحقاق التنمية البشرية المطلوبة". واستطرد المتدخل بأن "نجاح النموذج الجديد رهين بالقضاء على المعيقات السابقة التي تحول دون تفعيل السياسات العمومية؛ وبالتالي، سيتم استرجاع الثقة في المؤسسات عبر تطبيق الآليات الجديدة"، ليخلص إلى أن "المغرب عليه الاستفادة من طاقاته الهائلة المقيمة بالمهجر". وردّ عدنان عديوي، عضو لجنة النموذج التنموي الجديد، على الانتقادات سالفة الذكر قائلا إن "تفاعل الجالية مع التقرير كان إيجابيا للغاية، وهو ما يمكن استجلاؤه من الاتصالات الهاتفية المتكررة التي يتلقاها أعضاء اللجنة، والعدد الكبير من الأوراق التحليلية التي توصلت بها اللجنة من مختلف القارات". وأشار عديوي إلى أن "اللجنة حاولت التفاعل مع مقترحات مغاربة الخارج عبر عقد لقاءات مباشرة وغير مباشرة مع المؤسسات والأفراد طيلة السنة"، مضيفا أن "التقرير العام تطرق إلى الكثير من المواضيع التي لا يمكن حصرها، بما في ذلك الشق المتعلق بمغاربة العالم، لكن ينبغي الرجوع إلى الملحقات التي دعّمت التقرير". "لا يمكن التجاوب مع كل المقترحات"، يورد المتحدث، الذي أرجع ذلك إلى أن "التقرير توافقي بالدرجة الأساس، فضلا عن كونه يرسم خارطة طريق نحو المستقبل، غير أن أهم العوائق التي تواجه مغاربة الخارج تتمثل في غياب التقائية السياسات والبرامج والمجالس، وكذا ما يتصل بالتمثيلية السياسية، ومشاكل الاستثمار، والإشكالات الثقافية، ما يستدعي تسريع وتيرة التنمية المدمجة والمندمجة".