لافروف: روسيا والمغرب عازمان بقوة على تعزيز علاقاتهما الودية العريقة    من أجل عرش إفريقيا – نهضة بركان تحمل شعلة المغرب إلى نهائي كأس السوبر الإفريقي ضد بيراميدز    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة.. "الأشبال" يدخلون التاريخ كأول منتخب عربي يتأهل إلى النهائي منذ 44 سنة    كأس العالم 2026.. بيع أكثر من مليون تذكرة خلال مرحلة البيع المسبق لحاملي بطاقات "فيزا"    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    على هامش أشغال (سيماك).. رئيس مجلس المستشارين يشيد بالدعم الثابت لغينيا الاستوائية لمغربية الصحراء    مراكش تحتضن المؤتمر الدولي للشبكة الفرنكفونية للمجالس العليا للقضاء    كل شيء جاهز لاحتضان المؤتمر    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    الإعلام المصري يشيد بتأهل أشبال الأطلس لنهائي مونديال الشباب    إحباط محاولة تهريب 400 كيلوغرام من مخدر الشيرا بمعبر الكركرات الحدودي    "هيومن رايتس ووتش" تطالب السلطات بالاستجابة لمطالب شباب "جيل زد" والتحقيق في الوفيات والانتهاكات    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    بوريطة في موسكو... وحدة التراب المغربي خط أحمر لا يُمَسّ    السعدي يعقد لقاءات مع مختلف النقابات... مواصلة العمل على تحسين الظروف المهنية والاجتماعية    في مداخلة أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة .. عمر هلال: بعد 50 عاما على استرجاعها، الصحراء المغربية أضحت واحة سلام وقطبا للاندماج الإفريقي والتنمية المشتركة    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    مرصد التربية الدامجة ينتقد "مغالطات وتناقضات" وزير التعليم حول تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    منتخب U20 يخرج المغاربة للاحتفال    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    إسطنبول… حجيرة يؤكد انخراط المملكة في شراكة هيكلية بين إفريقيا وتركيا تقوم على التضامن والتنمية المشتركة    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب إندونيسيا    في ‬تقرير ‬رسمي ‬للمندوبية ‬السامية ‬للتخطيط    كيوسك الخميس | أزيد من 36 ألف شاب مستفيد من دعم السكن    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    "الأشبال" أمام الأرجنتين بنهائي المونديال    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والدولة: وصل و فصل
نشر في هسبريس يوم 25 - 09 - 2013


نظرات مقاصدية في أسئلة الفقه الساسي
هذه هي القاعدة الكلية الجامعة التي تنتظم علاقة الإسلام بدولته، وهو ما تشهد له نصوصه القانونية وتؤكده تجربة أمته السياسية. فالدولة الإسلامية دولة دينية؛ من حيث مرجعيتها االعليا التي هي قوانين الشريعة ومقاصدها بالدرجة الأولى، وهذا هو مقام الوصل بين الدين والدولة.
وهي دولة مدنية من حيث ولايتها السياسية للشأن العام؛ ذلك أن "الإمامة ليست من أركان الدين وإنما هي من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق"1 بناء على قاعدة المبايعة الحرة بالاختيار الإرادي من الأمة لمن يتولى تدبير شؤونها العامة، بعيدا عن أية وصاية دينية فوقية، أو أي شكل من أشكال الإكراه المادي أو المعنوي. وهذا وجه الفصل بين الديني والسياسي في النظر الشرعي، كما هو المستفاد من قول ابن خلدون: "قصارى أمر الإمامة؛ أنها قضية مصلحية إجماعية ولا تلحق بالعقائد."2 والاستقراء يبين ذلك.
فمنذ العهد النبوي والخلافة الراشدة، ومن سار على نهجها، وقاعدة الوصل والفصل بين دين الإسلام ودولة أمته سارية المفعول؛ فلم يحدث أن تنكرت دولة من الدول المتعاقبة على حكم المسلمين للمرجعية الإسلامية، ولا نصت رسميا ولا ضمنيا على إبعاد شريعة الإسلام عن تنظيم الشأن العام، ولا دعت إلى إقصاء أحكامها عن الدولة بجميع متعلقاتها الداخلية والخارجية، على الرغم مما شاب هذه الدولة أو تلك من انحرافات عن الالتزام بمبادئ الإسلام في تدبير الشأن العام.
وكذلك لم يحدث أيضا أن تولى الرسول عليه السلام ولا خلفاؤه الراشدون ومن سار على نهجهم رئاسة الدولة بتفويض إلهي ولا بتغلب عسكري ولا بتويث سلالي؛ بل الثابت أن الإمامة النبوية قد توجت بموجب ما تم بينه عليه الصلاة السلام وبين جماهير المسلمين-رجالا ونساء- من مبايعة رضائية؛ كما هو المستفاد من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً. ﴾ (الفتح:10) وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.﴾ (الممتحنة:12)
وعلى هذا النهج سارت ولاية الخلفاء الراشدين أيضا؛ فما تولى راشدي إلا باختيار أغلبية الحاضرين من المسلمين ساعة الترشيح وعند المبايعة العامة، دون ما معاتبة ولا ملاحقة ولا اتهام لمن أحجم عن مبايعة الصديق ومن جاء بعده من الخلفاء الراشدين، بخلع ربقة الإسلام من عنقه.
وما ثبت أن راشديا توسل إلى الحكم بالعنف، ولا بشراء الذمم، ولا بتزوير النتائج ولا بغير ذلك من الوسائل غير المشروعة. وبهذا أصبح الاختيار الحر؛ هو الخيار الأصل الذي جاءت به الشريعة وشهد له إجماع أهل العلم؛ على حد تعبير الجويني: "فلم يبق إشكال في انعقاد الإجماع على الاختيار."3 وهو اختيار عبد القاهر البغدادي؛ إذ نص على "أن طريق ثبوتها الاختيار من الأمة باجتهاد أهل الاجتهاد منهم واختيارهم من يصلح لها."4
وبالجملة؛ لقد جاءت الإمامة النبوية والخلافة الراشدة نتيجة لإرادة الأمة الحرة بناء على ما تم من تعاقد سياسي بين الطرفين في واضحة النهار كما هو معلوم. فكان ذلك إيذانا بإسقاط الشرعية عن مختلف الدول المناقضة لقصد الشرع من الولايات العامة. ممثلة في دول التغلب العسكري، أو التوريث السلالي، أو التنصيب الإلهي.
لكن للأسف؛ فلم يمر أكثر من جيل على تجربة دولة الأمة الراشدة حتى وقع الانقلاب الأموي عليها لفائدة دولة التغلب والتوريث العائلي؛ ومن يومئذ بدأ خط الانحراف يتمدد في اتجاه التخلي عن مبادئ الشريعة ومقاصدها في تدبير الشأن العام شيئا فشيئا إلى أن تم إقبارها بالمرة؛ فلم تستفق حركات النهوض والإصلاح والتجديد الإسلامي مما حل بالأمة من انحطاط حضاري شامل حتى كانت حركات التغريب ودول العلمنة والإلحاق الحضاري قد تنكرت لجهادها وتضحياتها، وولت ظهرها لكل مكوناتها العقدية والتشريعية والقيمية والحضارية، وتمكنت في الوقت نفسه من امتلاك السلطة؛ فاستولت على مواقع القرار ووسائل التأطير وصناعة الرأي العام، وانخرطت بقوة في عمليات استنساخ مشهودة لثقافة الغرب الاستعماري وقيمه ومرجعياته وفلسفاته في الوجود والمعرفة والقيم والحكم والتشريع والحياة والممات... وغير ذلك مما روجت له عبر ما أصبح لديها من وسائل الاتصال الجماهيرية المباشرة وغير المباشرة، وفرضته بكل ما تملكه من وسائل الترغيب والترهيب. وكل ذلك قصد تشكيل الرأي العام وتوجيه السلوك الجمعي لأبناء الأمة في الاتجاه المعاكس لكل ما يمت إلى الإسلام وشريعته وقيمه ومؤسساته ورموزه وشخصياته بصلة.
وهكذا إلى أن تم لهذه الحركات والدول اللائكية ما أرادت من إحداث للقطيعة المعرفية والسلوكية بين الإسلام والشأن العام لدى قطاعات عريضة من نخب الأمة وشبابها وعامتها، بحيث ما عاد للإسلام من دور يذكر إلا في دورات المياه، وما أصبح له دخل إلا في قضايا من قبيل فقه سراويل النساء، كالحيض والنفاس، وما شابه ذلك مما له علاقة بالأحوال الشخصية في أحسن الأحوال، وهذه على ما هي عليه مهددة بالزوال في كل وقت وحين.!
والحصيلة، هي الوضعية المأساوية التي آل إليها حال الإسلام وأهله اليوم!
وكيف لا تكون هذه هي الحصيلة، ومعاول الهدم العلماني لم تكف عن هدم قيم الإسلام، وأبواق اللائكية لم تتوقف عن إشاعة وترسيخ مقولات "فصل الدين عن الدولة" و "الإسلام دين لا دولة"، و"لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"...
وقد استغرق كل هذا ما لا يقل عن قرن من الزمن، من بداية القرن العشرين إلى اليوم، وقد تولى كبر شرعنة هذه المقولات ابتداء شيخ أزهري؛ هو الشيخ علي عبد الرازق، في كتابه: "الإسلام وأصول الحكم" وإن تراجع عنها فيما هو الظاهر من كلامه عام 1951 م.5 إلا أن فلول المغرر بهم من سفراء التغريب ظلوا متشبثين بها داعين إليها صباح مساء، وهم يعلمون جيدا أن هذه المقولات وغيرها قد تولدت ونشأت في سياق تاريخي مفارق تماما لسياقنا التاريخي هو تاريخ التجربة الغربية، وكنتيجة طبيعية لما عرفته أوروبا القرن الثامن عشر من صراعات دموية بين الملكية التيوقراطية والكنيسة من جهة، ورواد الثورة الفرنسية سنة 1897م من جهة، مما أسفر عن إحراق كنيسة سان جيرمان دبري بالحي اللاتيني بباريس حيث قبر ديكارت، وشنق العالم الفيزيائي لافوازيي ذي النزعة المسيحية، لتضع الثورة بذلك حدا لسلطة الملكية التيوقراطية من جهة ولسلطة الكنيسة المسيحية من جهة، على إيقاع الشعار المعروف: "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قس". وليتم بعد ذلك إبعاد الدين المسيحي عن إدارة السلطة وتدبير الشأن العام بصفة نهائية ومطلقة. وإنهاء الحكم الملكي التيوقراطي بنصب المقصلة لفصل رأس لويس 16 عن جسده صبيحة يوم 12 يناير من عام 1793م.
وكل هذا لم يحدث مثله ولا قريب منه في واقع التجربة الإسلامية، فلماذا كل هذه الدعوة إلى فصل الإسلام عن الدولة والسياسة وإبعاده عن تنظيم العمران البشري إذا ؟!
إنها عقلية الاستيلاب والإسقاط التاريخي التي لا تميز بين المختلفات ولا تقبل بشيء غير القياس بين تجربتنا وتجربة الغرب مهما كان بينهما من فوارق على جميع المستويات! وهو ما يستدعي تنوير الرأي العام بضرورة الاحتياط الواعي مما تنشره أو تذيعه مختلف التوجهات اللادينية التي لا تلتزم المنهج العلمي الموضوعي في البحث.
الهوامش:
1 – ابن خلدون، المقدمة، 2/595.
2- ابن خلدون، المقدمة، 3/975.
3- الجويني، غياث الأمم، ص241
من المعلوم أن هناك من لا يعتد بالاختيار ويصر على القول بالنص والوصية إلى اليوم، وهم الشيعة الإمامية؛ وفي هذا يقول محمد مهدي شمس الدين: "ذهب الشيعة الإمامية إلى أن الإمام المعصوم الظاهر هو رئيس الدولة الإسلامية وولي الأمر فيها، وأن يتعين بالنص عليه من النبي صلى الله عليه وسلم." نظام الحكم والإدارة في الإسلام، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، ط4، 1415ه/1995م، ص 396.
وقال الشيخ محمد المظفر: "نعتقد أن الإمامة كالنبوة، لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص ... فليس للناس حق تعيينه أو ترشيحه أو انتخابه؛ لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية ... يجب أن لا يعرف إلا بتعريف الله ولا يعين إلا بتعيينه." عقائد الإمامية، مؤسسة الإمام الحسين، بيروت، ط10، 1417ه/1997م، ص 96
4- عبد القاهر البغدادي، أصول الدين، استانبول، مطبعة الدولة، ط1، 1346ه/ 1926م، ص279.
5- محمد عمارة، الإسلام والسياسة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط1، 1414ه/1993م، ص 112، 115


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.