كوب 30: تسليط الضوء على جهود المغرب في تعزيز السياحة المسؤولة والمستدامة    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025): البطلة المغربية أمينة الدحاوي تتوج بذهبية التايكواندو لفئة أقل من 57 كلغ    المنتخب المغربي الرديف يتفوق وديا على منتخب جيبوتي ب( 6-0)    حجز كميات قياسية من الكوكايين والشيرا بوجدة وتوقيف أربعة متورطين    أحكام ثقيلة في الحسيمة ضد متهمين بالاتجار في المخدرات القوية والاعتداء على موظفين عموميين    المحروقات للربع الثاني من 2025 .. الأسعار تتقلب وهوامش الربح تستقر    تطبيقا للقرار 2797.. واشنطن تدفع البوليساريو نحو مفاوضات على أساس الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية    الرميلي: الدولة الاجتماعية تتحقق على الأرض ونجاحات الجماعات الترابية بالبيضاء دليل على أن التنمية المجالية ممكنة    العلمي يهاجم "العقول المتحجرة" .. ويرفض توزيع صكوك الغفران السياسية    سيدات الجيش في نصف نهائي الأبطال    عمر هلال: الدبلوماسية المغربية تقوم على الفعل الملموس بقيادة جلالة الملك    البرازيل تزيد تصدير اللحوم للمغرب    منعطف جديد في ملف أدم بنشقرون.. متابعة الأم بجنايات ثقيلة وإحالة الابن على المحكمة الابتدائية    المعتقل نبيل أحمجيق «بلبل حراك الريف» ينجح في مباراة ولوج سلك الدكتوراه    في ظرف ثلاثة أشهر .. أنترنت الجيل الخامس (5G) يغطي 60 مدينة بالمغرب    بعد افتتاحه.. صحيفة AS الإسبانية تشيد بملعب طنجة وتبرز أبرز ميزاته    فيروس "ماربورغ" يقتل في إثيوبيا    نشرة إنذارية.. زخات مطرية محليا قوية مرتقبة اليوم السبت وغدا الأحد بعدد من مناطق المملكة    "كاف" تثمن افتتاح ملعب طنجة الكبير    هجوم إلكتروني بالصومال.. بيانات آلاف الأمريكيين بقبضة مجهولة    المغرب... دولة الفعل لا الخطاب    رياض السلطان يقدم مسرحية الهامش وموسيقى لؤلؤة البحيرات العاجية ولقاء فكري حول ذاكرة المثقف    غزة: عشرات الخيام تغرق في مواصي خان يونس جراء الأمطار الغزيرة    نزاع حول أرض زراعية يخلف قتلى بالعراق    عامل العرائش و السلة الفارغة: كيف أنهى الأسطورة و تحققت نبوءة الانهيار!    ترامب: آمل بانضمام السعودية إلى "اتفاقات أبراهام" قريبا... وبن سلمان يزور واشنطن الأسبوع المقبل    ارتفاع سعر صرف الدرهم ب 0,2 في المائة مقابل الدولار الأمريكي ما بين 6 و12 نونبر 2025    وليد الركراكي: علينا المحافظة على الثقة في هذه المجموعة ونحن نعرف كيفية تحقيق الفوز    ليكيب: المغرب يحطم رقمه العالمي في عدد الانتصارات المتتالية بفوزه على الموزمبيق    الملك يجدد الدعم لحقوق الفلسطينيين    أمطار رعدية قوية... نشرة إنذارية تشمل طنجة وتطوان وعدة مناطق شمالية    استفادة الجيش الصيني من "علي بابا" تثير الجدل    لحمداني ينال "جائزة العويس الثقافية"    وزارة الثقافة تعلن الإطلاق الرسمي لمشروع تسجيل "فن زليج فاس وتطوان" على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    تطور جديد في ملف "إنتي باغية واحد".. متابعة دي جي فان بتهمة تهديد سعد لمجرد    قمة متناقضة بين "الماط" المتصدر ورجاء بني ملال الأخير    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    الأستاذ اللبار يدعو إلى رفع مستوى العناية بذوي الاحتياجات الخاصة    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    محام: المحجوزات تتراكم في المحاكم    ترامب يلمح لقرار بشأن فنزويلا والجيش الأمريكي يبدأ عملية ضد تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    خطاب "العُكار": حين يفضح "أحمر الشفاه" منطق السلطة..تحليل نقدي في دلالات وأبعاد تصريح وزير العدل حول الفساد    طقس ممطر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    الجديدة تحتضن المؤتمر العام الإقليمي للاتحاد العام للمقاولات والمهن بحضور شخصيات وازنة    هل تستطيع الجزائر تفكيك سردية العداء لبناء وطنها المُتخيَّل؟ .    المسرحية المغربية "إكستازيا" تهيمن على جوائز الدورة 30 لمهرجان الأردن المسرحي    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من التنابز والفذلكة إلى الحكومة رقم 2
نشر في هسبريس يوم 30 - 09 - 2013

تبلورت فكرة كتابة هذا المقال على إثر ما أصبح يسمى في القاموس السياسي المغربي "تعثر المشاورات" قبل الإعلان عن ميلاد حكومة بنكيران رقم 2، أي حينما بدأت معالم أزمة سياسية جديدة تلوح في الأفق. فإلى حين كتابة هذا المقال لم يقنع رئيس الحكومة أحدا بمنهجيته الغريبة عن التقاليد السياسية المعروفة عالميا، خاصة حين صرح لوسائل الإعلام قائلا:" لائحة الوزراء الجدد هي في حوزتي، أنا فقط، إذا لم أقدمها لكم أنا فلا تثقوا في أي أحد...قبل أن أعرض هذه اللائحة، اللي كاينة لحد الساعة عندي أنا فقط، على جلالة الملك، رسميا و نهائيا، من أجل تعيينها...".
إن المرء الذي يتمعن موضوعيا في ما صرح به السيد رئيس الحكومة، لا يمكن له إلا أن يسجل استغرابه لهذا السلوك غير المسؤول. فهل نحن على أبواب انحطاط سياسي لم يشهده المغرب أبدا؟ و هل ستعصف الأزمة السياسية بحكومة بنكيران رقم 2 مباشرة بعد ولادتها؟
لقد علمتنا التجارب أن الفذلكة غير قادرة على تسوية الأزمات السياسية، خصوصا وأن الويلات التي صاحبت حكومة بنكيران ترتبت عليها نتائج وخيمة تؤكدها الإحصائيات الموثقة من حوداث السير إلى الحق في التعبير.
إن الفقراء و جزء كبير من الطبقة الوسطى (ذات الخصوصية المغربية)، يذوقان مرارة "التحول" الذي يقوده حزب نزل من السماء، لا تاريخ له ولا مشروع ولا مستقبل له. حزب استطاع بصوته المبحوح أن يكون الأقرب لفئات واسعة من المواطنين، في زمن هزيمة القوى السياسية التي كانت تعتبر نفسها ولا تزال حاملة ل"دبلوم الشرعية التاريخية" أو القوى التي تعتبر نفسها هي الأخرى وصية على الجماهير.
إن هذا التطور الأعرج في المشهد السياسي المغربي، جاء نتيجة تعثر مسار "الانتقال الديمقراطي" الذي جاء كمشروع بديل عن شعارات العهد القديم ك "المسلسل الديمقراطي" و "المغرب الجديد" والسلم الاجتماعي"، حيث بقي ( الانتقال الديمقراطي) محدودا وأقصى العديد من الفاعلين الأساسيين من المشاركة في تأسيس ثقافة سياسية جديدة، نقدية و منفتحة على مكونات التغيير الاجتماعي. و من دون الدخول في الحديث عن العواصف الهوجاء التي رافقت ميلاد "الانتقال الديمقراطي" (و هي مهمة المؤرخين بالدرجة الأولى)، أكدت العديد من القراءات الموضوعية للواقع المغربي أن النخبة السياسية ساهمت في الفراغ الذي أصبحت تعيشه القاعدة المجتمعية، و هو ما فتح الأبواب و النوافذ لجماعات الإسلام السياسي للتقرب من الفقراء و المغلوب على أمرهم و جزء من الطبقة الصغرى و المتوسطة التي كانت تحلم بنعم الازدهار والرفاه، و أصبحت تعاني المصائب و الويلات. من دون أن ننفي "ذكاء" تيارات الإسلام السياسي الذين يستعملون الدين للترويج لأطروحات سياسية، ماضوية، متطرفة و بائدة.
كما بين الواقع المغربي، أن النخبة السياسية المغربية أبانت عن ضعفها في الاهتمام بالمجال الديني و الفكري في الدين. و هو ما شكل حاجزا أمام حركة 20 فبراير التي لم تستطع تحصين ذاتها من الاختراق و المزايدة السياسوية.
و قبل حركة 20 فبراير، عاش بنكيران حصارا على جميع المستويات، بسبب انتمائه إلى إحدى دويلات "الدولة العميقة" التي بدأ التاريخ يتجاوزها. و من أجل التكفير عن ذنوبه، شق عصى الطاعة و صار ينتقد و يتهم و يسب و يشتم يمينا و شمالا، و جعل من التنابز سلاحه ومن الطائفية مذهبا له، و كلاهما داء بغيض و مقيت. و ما عاناه صلاح الدين مزوار من كلام جارح و نابي، دليلا قاطعا على ما نقول، و هذا لا يمكن أن ينساه حكم التاريخ.
نعم، قفز حزب العدالة و التنمية إلى الأمام، مستغلا كما قلنا فراغ القاعدة الاجتماعية، و فشل القوى اليسارية في استنهاض قوتها، و إخفاق رهان "المجموعة 8"، و تخلف المجتمع المدني عن موعده مع التاريخ، خاصة بعد الخطاب الملكي ل9 مارس و ما تلاه من تصويت على دستور جديد و انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
إن ما حصل صفع كل القوى الديمقراطية و الحداثية، و نشر الفزع في صفوف المواطنين و نشر التدهور و الانحطاط في المشهد السياسي، و بات التنابز هو الوسيلة المعتمدة لإطلاق المعجزة الاقتصادية و الحكامة الجيدة والتنمية المستدامة على الطريقة البنكرانية، بدل المشروع الاجتماعي الذي ضحى من أجله المغاربة بالغالي و النفيس.
إن هذا الواقع المأساوي الذي وصلت إليه السياسة في المغرب، ينذر بأزمة سياسية حقيقية، و بفزع محلي يضاف إلى الفزع العالمي الذي لم تعرفه العديد من المجتمعات لا قبل و لا بعد انهيار الجدار.
نعم، هناك اعتراف بعجز التيارات الديمقراطية و الليبرالية أو الحداثية في تكوين خطاب نقدي مرتبط بالمفاهيم الثقافية اليومية القريبة من المواطن، و تمحيص واختبار المفاهيم التقليدية التي ترتكز على الدين و الدعوة و الإمامة.
لكن هذا ليس مبررا لشرعنة التنابز وتصفية الحساب مع المعطلين والصحفيين وسكان القرى و الفلاحين الزراعيين. المغاربة يتذكرون صلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار يوم قال عن سياسة بنكيران:" هذه سياسة جديدة: نستعمل موقعنا في السلطة من أجل ضرب الخصوم بهذه البشاعة و بدون أخلاق". و لهذا، المغاربة لم يفهموا كيف –بين عشية و ضحاها- طلب العدالة و التنمية يد التجمع الوطني للأحرار؟ و هذا من حقهم، لكن ما بني على باطل فهو باطل.
لقد صارت السياسة في بلادنا سوقا للتنابز، و من نافلة القول أن نؤكد هنا أن انهيار قيم من هذا القبيل لن تظل آثاره مقتصرة على النخبة السياسية فقط، بل سيتم تعميم الانحطاط ليشمل كل المؤسسات و المرافق كما هو الشأن في حقل التعليم و التكوين و التربية.
إن أكثر من ثلثي المواطنين الذين صوتوا على العدالة و التنمية ندموا على ما فعلوه، و خاصة أولائك التجريبيين و المتذبذبين و أصحاب المصالح الذين "يتبعون الغالبة"... و اليوم على النخبة السياسة الديمقراطية و الحداثية الإستعداد لمواجهة ما ستخلقه الحكومة رقم 2 من متاعب للمواطنين المغاربة. إنها فرصة جديدة لإمتحان سياسي جديد، خاصة و أن المواطن المغربي ينتظر اليوم من سيحرره من تجار السياسة الذين يجدون السند و الدعم من بعض "العلماء" و السياسيين المتنكرين في ثياب دينية. إنها الحقيقة التي يجب أن نقتنع بها بالبحث و التحصيل و الإجتهاد و النقد و المساءلة، لإعادة إحياء الروح في زمننا المهزوم و المأزوم.
بإمكاننا فتح آفاق فكرية جديدة، و بإمكاننا إخراج "الإنتقال الديمقراطي" من سباته، و بإمكاننا تحقيق النهضة، و بإمكاننا الاستمرار في المقاومة، و بإمكاننا صناعة المستحيل...لكن كل هذا لن يتم أبدا من دون أن يكون الشباب في مقدمة مشروع الغد. الشباب أولا..الشباب دائما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.