فضيحة تهز أركان حزب الأحرار بطنجة            الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة        السماح لجميع مستعملي الطريق باستعمال صفيحة التسجيل الخاص بالسير الدولي    مليار في كارطونة وسهرات بالخمر في فيلا كاليفورنيا.. شاهد يفجر معطيات صادمة حول بعيوي والمالي    نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة    اتهامات خطيرة تهز مشاركة الجزائر النسوية في أمم إفريقيا    "أخنوش" يترأس اجتماع اللجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز    توزيع جوائز الدورة الرابعة للسباق الدولي للزوارق الشراعية بشاطئ الدالية    الحبس لشبكة ''سماسرة'' المحاكم بالجديدة    النيجيريات يبلغن ربع نهائي "الكان"    مجلس الحكومة يقر تعيينات جديدة    صرف منحة لأرامل ومتقاعدي الأمن    الحكومة تقر "مشروع الحالة المدنية"    آيت بوكماز يتمسكون ب"تحقق الوعود"    الأمن يوقف ناقل "ريفوتريل" بمكناس    بورصة الدار البيضاء تغلق بأداء إيجابي    الكاف تحقق مع منتخب سيدات الجزائر    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512    أيت بوكماز تنهي مسيرتها الاحتجاجية بعد تعهد عامل أزيلال بتنفيذ المطالب الأساسية    استكمال تأهيل وبناء منازل 46,650 أسرة في مناطق زلزال الحوز المتضررة    طرد إمام مغربي في هولندا بعد مشاركته في زيارة إلى إسرائيل    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    لطيفة رأفت تحيي جولة صيفية في مختلف جهات المملكة المغربية    «إصلاحات تعليم عالٍ... أم ارتجال مؤسساتي؟»    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512 (بايتاس)    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    المغرب يستقبل 8,9 ملايين سائح خلال النصف الأول لسنة 2025    تنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق        الدولار يتراجع        المنتخب المغربي يعزز ريادته عربيا ويحافظ على موقعه عالميا في تصنيف "فيفا" الجديد    اقتصاد هش وسياسات قاصرة.. مدون مغربي يبرز ورطة الجزائر بعد قرار ترامب الجمركي    الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    عمر بلمير يكشف موعد طرح "ديالي"    الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة: الفساد يهدر الحقوق ويجهز على كرامة الإنسان    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    شابي ألونسو : "سان جرمان فريق بني منذ فترة طويلة.. أما نحن فبدأنا للتو"    نجاة الوافي: "سيوف العرب" يعيد إحياء أمجاد التاريخ العربي برؤية فنية احترافية    "ريمالد" تعتني بزراعة القنب الهندي    "أوكسفام": أربعة أثرياء في إفريقيا أغنى من نصف سكان القارة    23 قتيلاً في قطاع غزة بينهم 8 أطفال    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    هل ‬هو ‬الظلام ‬الذي ‬ينبثق ‬عنه ‬الفجر ‬الصادق ‬؟    محكمة كورية جنوبية تصدر مذكرة توقيف جديدة في حق الرئيس السابق    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزيرة الملتهبة أضواؤها.. الخافتة قلوب أهاليها
نشر في هسبريس يوم 12 - 12 - 2013

إلى الرفيق المغربي من أهداني كتابه الحرب العالمية الثالثة بالعاصمة أثينا، فاختفيت عن الأنظار.. أهدي لأهل الفقيد نجاح وحيد.
الجزيرة الملتهبة. يتجه صوبها دون أن يعلم أنها ليست مثله لا تعرف السكن، يوم أن ضاقت به السبل في العاصمة أثينا، حيث هناك بساحة أمونيا يرسم الوداع من جديد. و كعادته يكتب في ركن ما، قبل أن يهاجر المكان، هنا وطأت قدمي ذات يوم.. في العاصمة تستعبد الأجانب ذو الأصول المسلمة. يخاف على نفسه أن يلقى مصير بني ملته اللذين اغتيلوا بدون أي سبب، ليس إلا لأنهم أجانب مثله.
صوب الشمال الجنوبي لتركيا يفر إليها وهي تسطع بأضوائها الملتهبة ليلا بين قبرص و بقية جزر البلدة. إنها جزيرة رودس اليونانية. فور وصوله بالباخرة أدرك أن أحلامه ليست بالصورة التي يراها أمامه الآن. الناس هنا عراة سكارى كما لو كان يوم البعث في أحد الأماسي في شهر أغسطس. و ضجيج قد احتوى المكان منبعث من المراقص التي بدورها غصت المكان. وحيد الشاب ذو العقد الثاني إلا بضع شهور، حلمه كان كمعظم أقرانه من المغاربة الشباب في أن يهاجر من أجل مستقبل أفضل. إلا أن الدراسة كانت أمله فضلا عن وضع أخواته اليتيمات الخمسة و اللاتي كن هوسه الكبير. الوقت لا يسعفه في أن يسلك طريق العربدة. هو يعلم جيدا أن وضعه يختلف عن هؤلاء السعداء، ربما..
لم يكن الأمر هينا على الشاب الأسمر الأمازيغي من الأصول الصحراوية ذا ملامح المسلم بهذه الجزيرة من سنة تسع مائة وألف و سبعة و ثمانين. الجزيرة التي عرف أهلها حربا في القرون الماضية مع جيرانهم المسلمين من الأتراك الذين استعمروهم من قبل تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. هنا لا حياة للمسلم قطعا و يكاد يكون الأمازيغي أو العربي الوحيد بالمكان. أما أهل الجزيرة من الأصول المسلمة فقد ذابوا من زمن بعيد في تصفيات أخذت أكثر من قرن من الزمن، على إثرها أنسوا من يكونوا في صمت كذاك الذي يحمله هو، و الذي سيعلم كنهه لاحقا..
جزيرة جعلت للسياحة و توفير الراحة لشباب كهؤلاء. أما هو و أمثاله من العالم الثالث و اللذين يحملون نفس علامته المسجلة سواء أكانوا أمازيغيين أم عربا فقد خلقوا ليكدحوا مثل آبائهم. فهم يرثون الكدح أبا عن جد، فهم حمله إبن تافيلالت حتى عندما كان يعيش في بلاده.
الأخوين كوسطا و سفاس.
إسرع يا هذا..! زبائننا من الفنادق و المطاعم ينتظرون.. إسرع يا..هكذا كان حال الأخوين كوسطا و سافاس معه، صاحبي المصبنة الوحيدة بالجزيرة خلال الأربعة عشر ساعة بالعمل يوميا طيلة الأسبوع كله. كأنه يحتضر و هو ينتظر مصيره.. هم كذلك ينادونه بالخنزير الأسود كما كان يفعل معلمه قسمان بالقسم الرابع ابتدائي، آه.
الشقراء الحالمة.
لم يعد يحمل قلمه كما اعتاد صبيا. زحمة الوقت و جسمه المنهك يقتلان خياله الواسع الذي طالما كان وقوده اليومي حتى و إن كانت سطوره تلك تلقى مصيرها بالقمامة. كما لو كانت هي تلك التي رسمها في خياله.. بشعر أشقر طويل، عينان زرقوتان و كواعب كأنهما أترابا كانت تحتسي شيئا بجنب شرفة مقهى المدينة و هي تجلس أمامه. يجلس هو الآخر بالزاوية المقابلة يحمل شيئا يشبه ورقة ذابلة مثله و هو يبحث عن الكلمات كما كان يبحث عن يومه هذا دون أن يثيرها اهتماما بالغا.
بسب التهميش الذي عاشه منذ طفولته اعتاد أن لا يبدي اهتمامه الزائد للغريزة. أورثه ذلك أن صار محافظا في طبعه. يخاف من الحرج من أي شيء يرى فيه نفسه صغيرا، حيث تعود السير بجنب الحائط من أمد بعيد، فتراه لا يكترث بحق له هذا الفتى القاهر لنفسه.
تسأله ذات الشفتين الحمراوتين و الجسم الناعم فجأة ماذا تصنع؟ يبدو عليك رسام يوناني.. كلا سيدتي! مازلت لا أعرف من و إلى أين أنا قادم، لكني! الآن أحاول أن أصنع الكلمات في ابتسامة يجيبها. إذن أنت موسيقي أو كاتب كلمات تسأله في إنجليزية مرنة يتضح في لكنتها أنها من أهل شمال أروبا. يسترسل الإجابة في خجل لست كذلك، إنما اعتبريني شاعر اللحظة إن سمحت لي سيدتي. كارولين ذات الثامنة عشر من عمرها من بلاد السويد و التي رافقت أهلها إلى الجزيرة في عطلة الصيف تكاد هي الأخرى تحس بالاختناق. لم تتعود حرارة مناطق البحر المتوسط تخبر الصحراوي. و في عفوية يحكي الشاب وحيد قصة رحلته و عن آماله الضائعة و هو يحتسي كوبه من القهوة. أما هي فمازالت مندهشة في ما يقول هذا العابث بالكلمات، الغريب القصص.. لم أتحدث يوما إلى امرأة حسناء مثلك يعترف لها في عفويته تلك، صدقيني أيتها الحورية الشمالية!!.. تضحك في قهقهة و كأنها تريد مزيدا من الغزل.. أنت شاب وسيم كذلك، وسعيدة للتحدث إليك يا..
إسمي وحيد من المغرب يستدرك كلماتها و هو في ذهول هو الآخر. وحيد المغربي إذا أيها البارع..أنت بارع حقا مازالت تبتسم في حديثها إليه..
و في همس بإحدى أذنيه تعيد العبارة و هي تودعه على أمل اللقاء في نفس المكان و الساعة الغذ في قبلة بأنفاس دافئة على إحدى خذيه أذابت كل ما يحمله من آهات في هيجان يقحمه في هوس العشق.. لكن! سيدتي أنا.. و يتابع الحديث لا تكترثي لن أذهب إلى الأخوين كوسطا وسفاس غدا، يبتسم وهو يؤكد الموعد دون شك يعلم أنه سيطرد من العمل...
مازال ينظر إلى نفسه في المرآة كعروس في ليلة دخلتها و هو يردد كلماتها على إحدى الإيقاعات لأغنية كان يحبها، أنت شاب وسيم.. أيها البارع، ههههه... يصرخ إذا أنا لست خنزيرا أسودا كم أوهموني.. لماذا لم أدرك من قبل أني كما قالت الحورية؟؟!!..و في مزيج من الحزن و الفرحة معا مازال على حاله ذاك ينتظر اللقاء في شغف.
ساعة الرحيل.
كما لو كانت هنيهة فترة العطلة هذه تقول الفتاة في حزن مؤكدة أنها لا تستطيع أن تفارقه و هي تمسك بإحدى يديه. أما هو فتلك كانت لحظاته الجميلة. تعتريه السعادة و هو يعلم الآن أنه إنسان مهم في حياة امرأة حسناء من عالم متطور كهذه التي الآن تداوي جروحه كأي إنسان عاش حرمان الأبوين و تسلط المجتمع.
يركبان الطائرة إلى عاصمة السويد استكهولم بعدما كانا قد سبقهما الرحلة من أسبوعين أبوا الفتاة. يعلم الآن أنه سيودع سلالته الخنزيرية و أنه لن يطرد من جديد كما فعل معه كوسطا و أخوه. قد تتهيأ الظروف له لإسعاد أخواته البنات يحلم و هو يستكين في نوم عميق لأول مرة منذ أن هجرته أمه طفلا مستلق بين ذراعي الشقراء الحسناء اليافعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.