هكذا انظر لنعم الله التي تغمرك دوماً وكل يوم، عوّد نفسك نظرة الطفل الذي يشاهد مكونات عالمه بكل فضول وانبهار وإعجاب وتقدير، عوّد نفسك أن تدقّق فيها وترى تفاصيلها التي لم تنتبه لها من قبل وما يميزها وكم هي ممتازة لك ومثاليةٌ في ظرفك وكم الله سبحانه كريمٌ ودود ورحيم بك أن رزقك أنت إياها.. تأمل وتعجب من كرم الله عليك الذي لم تستحقه، تأمل وانبهر بجمال هذا الكون وبفضل الله عليك في كل ثانية فيه.. كان ابني يسألني: "لماذا نحن على الأرض لا نرى الفضاء الخارجي؟ لماذا عندنا سماء زرقاء وغيوم ولا نرى السواد الذي في الفضاء؟" توقفت كثيراً مع السؤال.. أمرٌ "طبيعيٌّ" و"معتاد" جداً بالنسبة لي، توقفت بسؤال ابني لأتأمل عظيم خلق الله به، هذا الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض كما لا يخيط بأي كوكب آخر، هذا الذي يجعل سماءها زرقاء مضيئة في النهار وسوداء مظلمة في الليل، هذا الذي فيه الغازات التي نحتاجها متوفرةً بكل يسرٍ وسهولة، هذا الذي يحمينا من الاختناق كما لو كنا تحت الماء ولا يحيجنا لارتداء قناع تنفس، هذا الذي فيه الغيوم والرياح والمطر! إعجاز عجيبٌ يغلف كوكبنا، ولا يغلّف القمر ولا نفهم شيئاً من قيمته إلا بالقراءة عن تجهيزات رواد الفضاء وما يمرون به في المحطات التي تخرج قليلاً عنه! كم هي مبهرةٌ هذه النعمة! وكم نظلم نفوسنا باعتيادنا عليها.. تفكرتُ في أننا عباد لله خلقنا لنعبده وليختبرنا، لكنه أيضاً ملأ كوننا بالجمال والإبداع ويسّر لنا كثيراً من الأسباب فيه.. كان يمكن أن يجعل دنيانا رمادية لكنه تعالى ملأها بالألوان، كان يمكن أن يبقي كلاً منا وحيداً لكنه رزقنا الوالدين والأصحاب، كان يمكن أن يبقينا دون ما يردع عنا المطر والثلج وحر الشمس، لكنه علمنا كيف نبني وكيف نرفع السقف وكيف نبقيه في مكانه، كان يمكن أن يجعل الطعام طعماً واحداً يبقينا على قيد الحياة، لكنه نوع بين آلاف النكهات والأنواع ومنحنا القدرة على الاستمتاع بها والتشوق عبرها لرزقه الذي أعده لعباده في جنته.. تأمل أنك تقرأ هذه الكلمات، تأمل جمال أنك عبد لله وحده، انظر في تفاصيل ودقائق نعمه عليك، في كل أيامك، قدراتك التي مكنك منها، وجودك بين أهلك ومن يكترث بأمرك، فهمك للغتك العربية ونطقك بها، قدرتك على التعلم ويسر سبله، وجود العلماء وإرثهم الذي تركوا لك، إرسال الأنبياء ووحود تفاصيل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديك.. استشعر ذلك وانبهر، استشعر أنك فقيرٌ جداً وضعيفٌ جداً ولا حول لك ولا قوة إلا بربك.. وهو مع ذلك يكرمك ويكرمك ويتفضل عليك بمنّه العظيم.. تأمل و اسجد طويلاً بين يدي مولاك، اعلم أنك ما عبدته حق عبادته، احمده على يدك ورجلك وعينك وفمك ولسانك، احمده على الهواء الذي تتنفسه بكل يسر وسهولة، أحب لقاءه وأقبل على طاعاته وفهم كتابه وتدبر آياته، استحضر فضله عليك وانظر في دقة خلقه وعنايته به.. اقرأ قوله جلّ وعلا {الذي أحسن كل شيء خلقه}، تأمل كيف لا يمكن أبداً لهذا الإتقان والجمال أن يوجد عبثاً، هذا كله لا يمكن ألا يكون له هدف ولا أن يأتي وحده ولا بالصدفة، بل هو لسبب وغاية عظيمة تتناسب مع إتقانه العظيم، لتعلم أن له خالقاً عظيماً جليلاً ولتتقرب منه وتزيد إيماناً كلما نظرت في خلقه ولتقوم بواجباتك أنت كواحدٍ من عباده.. {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}. تفكّر في الآيات التي ترى حولك..احمد ربك تبارك وتعالى.. واعمل ابتغاء وجهه وحده..