المسطرة الجنائية.. وهبي يتمسك بتقييد دور الجمعيات في قضايا الفساد ويرفض تعديلات المعارضة    غزة تباد.. الاحتلال يرتكب مجزرة جديدة ويقتل 34 فلسطينيا في مستشفى غزة الأوروبي    إحباط تهريب 14 ألف قرص إكستازي بميناء الناظور    درك باب برد يطيح بمشتبه فيه رئيسي في ترويح مخدرات قوية بالمنطقة    السفير الهنغاري بالمغرب يقوم بزيارة دبلوماسية مهمة إلى الداخلة لتعزيز التعاون الثنائي    نادية فتاح: حجم الدعم المخصص للمواد الأساسية تجاوز 100 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2022 و2025    أشادت بالرؤية الملكية من أجل إفريقيا .. بوروندي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب ولسيادة المملكة على صحرائها    فرنسا: توقيف متهمين آخرين في اختطاف المعارض الجزائري "أمير ديزاد"    واشنطن والرياض تُعلنان عن أكبر صفقة أسلحة في التاريخ    ترامب يعلن رفع العقوبات عن سوريا    الركراكي: حكيمي قائد حقيقي ومرشح للكرة الذهبية    الشعب المغربي يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأخضر    هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة    الطالبي يجري مباحثات مع عضو الأمانة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير دائرة الإعلام في لجنة الحزب    ‮«‬الأسد ‬الإفريقي ‬2025‮»‬: ‬أكبر ‬مناورة ‬عسكرية ‬في ‬القارة ‬تنطلق ‬من ‬المغرب ‬بمشاركة ‬أمريكية ‬ودولية ‬واسعة    محمد وهبي يؤكد أن شبان المغرب قادرون على تحقيق أشياء عظيمة    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد بعدد من مناطق المملكة    قطرات مطرية متفرقة مرتقبة بطنجة وجهة الشمال يوم الأربعاء    حريق بشقة سكنية في حي بن كيران بطنجة يخلّف خسائر مادية    الاستقلال يدعو لفتيت إلى تسريع مراجعة القوانين الانتخابية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة    فشل الجزائر الذريع في جرّ مصر إلى فخ بوليساريو؟    وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية "تحت السيطرة"    الصين تراهن على المغرب كمركز صناعي استراتيجي نحو أوروبا وإفريقيا    احباط تهريب 58 كيلوغرام من الحشيش بحيلة غريبة    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    جبايات الجماعات.. البرلمان يصادق على إسناد تحصيل رسم السكن والخدمات لإدارة الضرائب وتعديل ضريبة الأراضي غير المبنية    الصين تعزز شراكتها مع أمريكا اللاتينية بخمس مبادرات تنموية وإنسانية جديدة    صافرة رومانية تضبط نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    في برنامج "مدارات" : لقاء مع الباحث الأستاذ أحمد متفكر ، وحديث حول سيرة محمد ابن الموقت المراكشي    اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية.. انتخاب سفيان البقالي رئيسا للجنة الرياضيين    أسعار ‬الأسماك ‬في ‬ارتفاع ‬متواصل ‬وسمك ‬الفقراء ‬بات ‬نادرا ‬في ‬الأسواق    مراكش ومدن مغربية أخرى تحتفي بموسيقى موزارت لتوحيد المواهب المتوسطية    غزة تحاصر كان.. 380 فنانًا يتهمون إسرائيل بالإبادة    الرباط تحتضن أول مهرجان لفن الراب "212'FlowFest"    رسوم بذيئة تعبث بموقع "تشان تشان" التاريخي في البيرو    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    المجنونة المتحرِّشة بالنساء الحوامل    شرطة ألمانيا تفكك "شبكة متطرفة"    المغرب الفاسي يثق في منتوج النادي    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    النفط يهبط بفعل مخاوف من زيادة المعروض وحذر حيال اتفاق أمريكا والصين    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    بطولة اسبانيا: ريال مدريد يفتقد لجهود فينيسيوس وفاسكيس للاصابة    من الناظور إلى اسبانيا.. سقوط إمبراطورية الحشيش بقبضة الشرطة وهكذا وضف "الزعيم" عشيقاته لتبييض الأموال    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فسدَ الأصل فمال الفرعُ..
نشر في هوية بريس يوم 04 - 06 - 2014


هوية بريس – الأربعاء 04 يونيو 2014
الأمومة غريزة أودعها الله تعالى نفوس النساء، بها تحب المرأة وليدها وتحنو عليه وتكابد لأجله كل الصعاب، لكن الله ما أودع في النفوس هذه الغريزة إلا لتكون وسيلة لغاية أسمى، لا أن تكون غاية في حد ذاتها، إذ بهذا الحنو والعطف تستبسل الأم في أداء مهمة التربية وإعداد الأجيال التي تنهض بالأمة، وبهذه الغريزة تقتحم العقبات وتديم سقي الغرس حتى يزهر ويثمر.
لكن الذي يؤسف له أن الأمومة صارت عند الكثيرات غاية لا وسيلة، فَجُلًّ ما تصبو له نساء اليوم هو الظفر بزوج وإنجاب أبناء، وغاية ما يقض مضجعهن ألا يُنعتن ب «العانس» أو «العقيم»، ولهذا تخلفت الأم عن دورها التربوي، وتقاعست تلك المدرسة الرشيدة عن إنجاب الأجيال الواعدة، وغدت مجرد آلة لتفريخ النسل، جل اهتمامها توفير المأكل والمشرب والملبس لفلذة كبدها، والحرص على أن يبدو في ظاهره أنيقا جميلا، ولا يهم أن يكون سطحي الفكر عديم المسؤولية. ولمَ تؤرقه بهمِّ الأمة أو الدين أو الدعوة، فليعش لنفسه ومستقبله فحسب.
وفي غياب القدوة والمربي انْبرت جهات أخرى للأمر، فصار الشارع يربي وأضحى الإعلام يوجه ويشحذ أفكار الصغار بكل ما هو فاسد وتافه، وتُرك الأولاد فريسة للوحدة والضياع في غياب تواصل حقيقي وبناء معهم.
وَإِذا النِساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّةً
رَضَعَ الرِجالُ جَهالَةً وَخُمولا
لَيسَ اليَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن
هَمِّ الحَياةِ وَخَلَّفاهُ ذَليلا
فَأَصابَ بِالدُنيا الحَكيمَةِ مِنهُما
وَبِحُسنِ تَربِيَةِ الزَمانِ بَديلا
إِنَّ اليَتيمَ هُو الَّذي تَلقى لَهُ
أُمّاً تَخَلَّت أَو أَباً مَشغولا
لهذا حين تُبصر اليوم الأمهات تصطحبن بناتهن وأولادهن إلى مسابقات الغناء التي تعلم الشباب الانحلال بشتى أشكاله، وتراهن يصفقن لهم ويتضرعن بالدعاء لله أن يوفقهم للظفر بمثل هذه المسابقات، لا تملك إلا أن تعلن حكم البراءة لهذه الأجيال، فحيث فسد الأصل مال الفرع.
ما ذنبهم إن كانت مدرستهم لم تلقنهم سوى هذه المناهج التي تدعو للتفسخ والانحلال؟
وكيف نلوم طفلة علمتها أمها الدندنة منذ الصغر، وراقصها والدها على نغمات القيثار منذ نعومة أظفارها؟
ماذا ننتظر من جيل فقد مدرسوه الأهلية إلا أن يكون جيلا مسخا مشوها لا هوية له ولا ملامح؟
ألا يا أمهات المسلمين أفقن من سباتكن، فما أيسر الإنجاب وما أصعب التربية وما أشقها، ولأجلها جعلت الجنة تحت أقدامكن.
تعلمن الدروس والعظات من الأمهات المدرسات اللواتي أنجبن للأمة علماء وقادة مازال التاريخ يردد أسماءهم ويتغنى بفضل أمهاتهم ودونكم هذه النماذج المشرقة.
فها هي أم الشافعي تغذي في ابنها روح المصلحة العامة وتنذر حياتها له لتصنع منه عالما يجمع الله به شمل الأمة فتقول له: «يا بُني مات أبوك، وإننا فقراء، وليس لنا مال، وإني لن أتزوج من أجلك، وقد نذرتك للعلم، لعل الله يجمع بك شمل هذه الأمة»، فجاهدت فيه وأحسنت تربيته حتى غدا عالما من علماء الأمة.
وهذا أبو الفرج ابن الجوزي توفي والده وله ثلاث سنوات، فتعهدت أمه وعمته بتربيته وتلقينه مبادئ العلم النافع، فأخذتاه إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر وهو خاله، فاعتنى به وأسمعه الحديث وحفظ القرآن وتتلمذ على يد مشايخ عصره متقلبا بينهم ينهل من فيض علمهم. ويولي وجهه شطر وِجهة ارتضتها له أم حكيمة وعمة ناضجة.
وكثير منا يعرف قصة «ست الركب»، أخت الإمام ابن حجر العسقلاني التي نشأت في بيت علم وفقه ونالت الإجازة من والدها ومن علماء بمكة ومصر وتونس وغيرها، حيث اعتنت «ست الركب» بتربية أخيها ابن حجر، فأخذ منها مكارم الأخلاق والصلاح والتقوى، وكان يقول عنها: «كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء وهي أمي بعد أمي»، ويقول ابن حجر في موضع آخر: «كانت بي برّة رفيقة محسنة جزاها الله عنّي خيراً، فلقد انتفعت بها وبآدابها مع صغر سنها».
ولما رحلت «ست الركب» عن عالم ابن حجر وكان عمره 24 سنة، تألم لفراقها ألماً شديداً، وكتب يرثيها وكأنَّه يرثي أمه، لأنَّها كانت أمَّه بالفعل، ويقول:
بكيت على تلك الشمائل غالها *** كيف الثرى بعد التنعم واللطف
بكيت على حلم وعلم وعفة *** يقارن مع عزّ الهدى هزَّة الظرف
بكيت على الغصن الذي اجتث أصله *** ولم أجن من أزهاره ثمر القطف
وقال:
فقدت بك الأهلين قربى وألفة *** فأقسمت مالي بعد بعدك من إلف
ولننظر إلى تلك الأم الناضجة التي خبرت دروب الحياة فسددت كلماتِها لترفع همة فلذة كبدها وتشد من عزيمته للمضي قدما نحو الأمام، تلكم أم محمد بن عبد الرحمن الأوقص -الذي كان كما روى أبو إسحاق- عُنُقُه داخلاً في بدنه، وكان منكباه خارجين كأنهما زُجَّان فقالت له أمه: يا بني لا تكون في قوم إلا كنت المضحوك منه المسخور به، فعليك بطلب العلم فإنّه يرفعك. قال: فطلب العلم قال: (فَوُلِّي قضاء مكة عشرين سنة، قال: فكان الخصم إذا جلس بين يديه يُرْعَدُ حتى يقوم). من مختصر كتاب نساء صنعن علماء لأم اسراء بنت عرفة بيومي.
وكثير من الصحابة والصالحين يدينون لأمهاتهم أو أخواتهم بالفضل لأنه كان لهن الفضل الكبير في مسيرتهم العلمية والعملية: فالزبير بن العوام مدين بعظمته لأمه صفية بنت عبد المطلب، وعبد الله والمنذر وعروة ثمرات غرس أمهم أسماء بنت أبي بكر، ومعاوية بن أبي سفيان ورث عن أمه هند بنت عتبة من قوة الشخصية وألمعية الذهن ما لم يرثه عن أبيه أبي سفيان.
وبعيدا عن علماء الدين، نستقي نموذجا أنثويا أدبيا وهي الأديبة والشاعرة العراقية نازك الملائكة التي قالت عن أمها سلمى عبد الرازق: «والدتي كان لها أثر واضح في حياتي الشعرية، لأنني كنت أعرض عليها قصائدي الأولى فتوجه إليها النقد وتحاول إرشادي».
وقال لينكولن: «إني مدينٌ بكل ما وصلت إليه وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك».
وقال توماس أديسون عن أمه: «إن أمي هي التي صنعتني لأنها كانت تحترمني وتثق بي، أشعرتني أني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريا من أجلها، وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط».
ومن النماذج الطيبة في عصرنا الحالي سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز الذي نشأ يتيما في حضانة والدته هيا بنت عثمان بن عبد الله الخزيم، حيث توفي والده وله من العمر ثلاث سنوات، فاعتنت به والدته ويممت بوجهه شطر العلوم الشرعية فكان علما من أعلام الأمة البارزين.
فأساس صلاح الأبناء صلاح الأم، ولهذا نقول عندنا في المغرب: «الرابح من المرا والخاسر من المرا»، يعني مناط الصلاح والفساد راجع للمرأة، فإن صلحت صلح معها الزوج والأبناء وبالتالي صلح المجتمع، وإن فسدت فقد جنت على الجميع.
الأم مدرسة متى كانت مؤهلة دينيا وعلميا وخلقيا أنتجت للمجتمع أجيالا رائدة عالية الهمة، ومتى فقدت هذه الأهلية فلا تتعب نفسك في السؤال: لماذا تردت أجيالنا وهوت في مهاوي سحيقة.
فلا تسَلْ أخي بعد هذا ما بال شبابنا، وسلْ ما بال آبائنا وأمهاتنا..
فحيث استقام الأصل استقام الفرع إلا ما ندر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.