تستقبل ساكنة مالي، البلد الإفريقي الواقع بمنطقة الساحل والصحراء، شهر رمضان الأبرك، بحماس كبير، وفي أجواء ملؤها التقوى ونفحات روحانية أصيلة. ففي هذا الشهر الفضيل، يظهر الماليون، ارتباطهم الثابت بالتقاليد والعادات العريقة المتوراثة على مر السنين، حيث يتنامى روح التآخي والتكافل الاجتماعي، ويكثر الإقبال على المساجد التي تتحول إلى فضاءات مفضلة لتناول وجبة الإفطار بشكل جماعي. فقبل، قدوم شهر الصيام تحرص العائلات المالية على الاستعداد الأمثل لاستقبال "سلطان الأحد عشر شهرا"، متشبثين بطقوس محلية لافتة أكثر من أي شيء آخر، حيث يعمد الرجال إلى تنظيف المساجد وترتيب فضاءاتها وتجديد سجادها، من أجل أداء الصلوات في أجواء روحانية أصيلة. والواقع ، أن شهر رمضان عند أهالي مالي، لا يبدو مجرد شهر للصيام والإمساك عن الطعام ، ولكنه في الآن نفسه، أيضا لحظة تنقية للروح والجسد ، وإضفاء قيم الكرم والإيثار، وتعزيز حس التضامن مع الفئات المعوزة تيمنا بقيم الإسلام السمحاء. ففي كل عام ومنذ بداية شهر رمضان المبارك، لا يتوان الماليون بشتى فئاتهم في إذكاء حس التقوى والتقرب من الله والتضامن، حيث تتضافر جهود الجميع بكل ما آتوا من عزم أكيد لزرع أجواء الفرح والبهجة لدى الفقراء. وتكثر في هذا الشهر الفضيل، مبادرات إنسانية تشرف عليها السلطات المحلية وشيوخ الطرق والزوايا الدينية وفعاليات المجتمع المدني وحتى عامة الناس لمساعدة المعوزين أو الذين يعيشون حالة تشرد، من خلال تنظيم عمليات إفطار جماعي. وتشمل هذه المبادرات أيضا، توزيع المواد الغذائية، والتبرعات وهو ما يتيح للمستفيدين والفئات المستهدفة، استقبال شهر رمضان، في أجواء ودية وبهيجة ترفل بمبادئ الإيخاء التي يدعو إليها الدين الاسلامي الحنيف. ومثل هذه المبادرات التي تنم عن قيم الكرم والتضامن والتسامح، والتماسك الاجتماعي، هي متأصلة في تقاليد وعادات الماليين من جميع الطبقات الاجتماعية. وعلاوة على ذلك ، فإن الماليين يحرصون على توفير كل ما يحتاجونه من مواد غذائية لتأثيث مائدة الإفطار، رغم ما يتطلب ذلك من مصاريف إضافية، همهم الأوحد الحفاظ على طقوسهم المحلية المتوراثة. وتعمد الأسر المالية على تأثيث موائد الإفطار، بالتمور والمشروبات التقليدية المحلية ، مثل "كينكيلبا" و"دابيلني" وهي عصائر مزيجة بالأعشاب، إلى جانب فطائر تسمى "فوندي". فبمجرد انتهاء يوم الصوم، يحج الماليون من معتنقي الدين الاسلامي، إلى المساجد بأعداد كبيرة لأداء صلاة العشاء والتراويح، ويحرص العلماء والدعاة بالمناسبة على تلاوة القرآن الكريم وترجمة معانيه إلى لغات محلية لتسهيل عملية تفسيره لفائدة جموع المصلين. وطيلة هذا الشهر الفضيل، تعقد محاضرات وندوات دينية في مختلف المساجد ودور العبادة لشرح مبادئ الإسلام السمحاء ونهل السلوك المدني الصحيح والمضي في الطريق الصواب وأداء الصيام بشكل أمثل، مع تلاوة أذكار دينية وما تيسر من ايات القرآن الكريم تضرعا إلى الله عزوجل وطلبا للرأفة والمغفرة. من جانب أخر ، يظل الماليون مرتبطين خلال هذا الشهر المبارك ببعض التقاليد الاجتماعية الأصيلة المتجذرة في تراثهم المحلي ، طلبا للتقوى وشفاء الروح والنفس. ورغم التطور الذي عرفه المجتمع المالي، إلا ان التمسك بتقاليد الأجداد، بات عادة أصيلة تنتقل من جيل إلى جيل. ومن بين الطقوس المحلية الشهيرة في رمضان بمالي، رقصات احتفالية يؤديها الاطفال على إيقاع آلات بسيطة من اجل بث أجواء الفرح والبهجة من قبيل ما يطلق عليه محليا ب"اليوغورو". ففي عاشر رمضان، تخرج مجموعة من الأطفال يطلق عليها اسم "اليوغورو" إلى الشوارع تحمل أقنعة وعصيا وعلبا فارغة تستعمل كأداة موسيقية لأداء رقصات فولكلورية تنال إعجاب المارة. وهناك طقوس احتفالية اخرى يطلق عليها "غران" الشهر الفضيل، وهي لحظات للقاء والتسلية تناقش فيها مواضيع الساعة المختلفة. وكل ذلك، يضفي على شهر رمضان بهذا البلد الإفريقي، مظاهر روحانية أصيلة يتعايش فيها حس التضامن مع قيم الايخاء والتكافل الاجتماعي.