لا يجرؤ أحد منا على التشكيك في وطنية المغاربة و حبهم لوطنهم ، لأنهم برهنوا في مناسبات عديدة ،و على مر السنين ،عن ولعهم و تشبثهم بأرضهم و مقدساتهم . هذا عندما يتعلق الأمر بالعدوان الخارجي و الاعتداء الإرهابي، أما عندما يكون " المخزن " طرفا في القضية فإن الكثير منهم ينسحب و يولي ظهره للمشاكل التي تهدد وطنه .فالمغاربة كانوا و لا يزال جلهم يعتبرون المخزن قوة ضاربة تفعل ما تريده ولا يسع المرء إلا ان يشاهد و يرقب دون أن يتدخل ، و ذلك من باب " خلينا ناكلو طريف ديال الخبز" أو " المخزن عارف آش تايدير". أقول لهذه الفئة من المواطنين بمن فيهم من شباب و مثقفين للأسف ، أقول لهم أنكم ستأكلون الخبز لامحالة ، لكن عليكم أولا اختيار مخبزتكم من بين مخبزتين : الأولى يرميك فيها البائع بما تحتاجه من خبز مكشرا و "مخنزرا" في ثقل و تكبر كأنه "مصدقو عليك" ، و إن أنت حاولت التفوه بكلمة هي من حقك (كأن ترد له –مثلا- خبزة لم تنضج بعد ، أو أن تذكره بأنه قد أخطأ –عن غير قصد- و لم يرجع لك ما تبقى من النقود ) تجد وجهه قد احتقن دما من غيظه و صار يلعن و يشتم ويصفع و يأمر –خبازيه- بجرك خارج المحل و يصرخ بك أن لا تعود إلى دكاني مرة أخرى. أما المخبزة الثانية ففيها تقدم لك الصبية البائعة ما تريده و هي باسمة بارقة العينين و تضيف في رقة " تآمر بشي حاجة آخرا أ سيدي "، و إن أنت علقت عليها في أمر ما أو هي أخطأت في شيء من مهامها تجد وجهها قد احتقن دما من خجلها و تشرع فورا في الإعتذار و التأسف و"جبر الضرر"الذي ألحقته بك .لكم أن تختاروا بين المخبزتين ، و أنا أعلم بل و متأكد من أنكم ستتركون المخبزة الأولى و التي هي قريبة من محل سكناكم متجهين نحو الثانية و التي تلزمكم عشر دقائق للوصول إليها ، بل إنكم ستنصحون كل من في الحي بترك "داك مول الفران " في محاولة لسد الطريق أمامه و التخلص منه . فلماذا نتحرك ضد "مول الحانوت " و لا نتحرك ضد الفساد الذي انتشر في مرافق أخرى و إدارات عديدة ؟ لا لشيء إلا لأنها ترفع العلم الأحمر الحبيب على بابها ، فنكتم غيظنا و كرهنا لمعاملتهم و نهبهم و سلبهم و ندعي أننا لا مبالون أو أننا محايدون لا يهمنا الأمر بأي وجه من الأوجه !!!! " ايوا سبحان الله ". اللامبالاة بوضع الفساد من الجهة ، و بمن يقدم على التحرك ضد الفساد من جهة أخرى بذريعة الحيادية هو جريمة في حد ذاتها ، ليس هنالك من محايد ، و " لا أحد بريء في مجتمع ظالم " ، فالسكوت تشجيع على استمرار الظلم و هو بالتالي مشاركة غير مباشرة في ارتكاب الجرم .المحايدون يحفزون الظالم بصمتهم ،فهم لا ينطقون إلا بعد أن تمس مصالحهم "الكبيرة" مباشرة،و هذا السكوت هو نوع من التواطئ الضمني و معاهدة "سلام مكره" بين الظالم و الذي لم يظلم بعد أو المظلوم أقل من سواه ، فهم راضون عن مشاكلهم العالقة لأنها أهون من تلك التي سيلقونها إن هم فتحوا أفواههم بكلمة حق . و لأن غض الطرف عن الفساد و الظلم مشاركة فيهما ، فعلينا أن نكون ضدهما مهما كلف الأمر ونتحرك بشتى السبل و الوسائل لثني العاتين في الأرض فسادا عن أعمالهم الدنيئة و من ثم محاسبتهم.و لن نجد وسيلة للتحرك خيرا من تلك التي سبقنا إليها الشباب العربي و شباب المغرب المتمثلين في حركة 20 فبراير ، أن ننزل الى الشارع في شكل سلمي معلنين رفضنا للوضع القائم طالبين التغيير-وبلا تماطل-نحو الأفضل و ذلك في كل مناحي الحياة : الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية في شكل منظم بعيد عن الشغب و أن لا نواجه قمع السلطات برد فعل عنيف بل نظل صامدين رابطين الجأش ملتزمين بمطالبنا و سلميتنا إن نحن أردنا الخير لهذا البلد و أن نعيش فيه ككل شعوب العالم الراقية بكل كرامة و حرية ونمو و تطور. و لمن لم يقتنع بما أوردته فما عليه إلا أن يتأمل و يمعن النظر فيما خلفه عظماء العالم من حكم ، هذه بعضها: " كل مواطن مسؤول عن الظلم الذي يصيب أي مواطن آخر في الجماعة " أناتول فرانس " يجب علينا ألا نؤمن فقط بأن على الأمور أن تتغير، بل نؤمن بأن علينا أن نغيرها." أنتوني روبنز " ليس هناك ظلم أشد هولا من الظلم الذي يمارس تحت قناع القانون و بإسم العدالة ." دي منتسكيو "لا يجوز للثعلب أن يكون قاضيا في محاكمة البط ." توماس فولر " لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل " عنترة بن شداد