حكم يقضي ب1095 ساعة خدمة عامة وغرامة 500 درهم عوض سنة حبس    انطلاق عملية انتقاء مجندي الخدمة العسكرية ابتداء من فاتح شتنبر    غزة.. الحصار يرفع حصيلة المجاعة إلى 303 شهداء    أكثر من 47 ألف تذكرة تمّ بيعها.. إقبال كبير على اقتناء تذاكر مباراة المغرب النيجر    الرباط.. مستجدات قضية "زنا المحارم"    بورصة البيضاء تبدأ الثلاثاء بالارتفاع        بريطانيا تعزز مكافحة "جرائم الشرف"    الاحتقان يرافق الدخول الجامعي بالمغرب .. احتجاجات وإضرابات وطنية    الوداد يعزز صفوفه بثلاثة لاعبين من أمل الرجاء    مارسيليا يسعى لتجديد عقد بلال ندير    القطيع الوطني للماشية: إحصاء أزيد من 32,8 مليون رأس (وزارة)    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    حوادث المدن تخلف 27 قتيلا بالمغرب    شاطئ الحسيمة يلفظ جثة في حالة متقدمة من التحلل    موقوف يفارق الحياة بمستشفى فاس    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    عائلة الشهيدين الدريدي وبلهواري تطالبان الدولة بالكشف عن الحقيقة كاملة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان    جامعة الأخوين أول عضو دولي في "تحالف LearningWell"        الأميرة للا مريم.. مسار من التفاني في خدمة المرأة والطفولة    المغرب، فاعل رئيسي في صناعة السيارات العالمية (صحيفة إسبانية)    جنرال إسباني يحذر من "مخاطر التنازلات" للمغرب وسط غضب داخل الجيش    إطلاق مناقصة جديدة لتشييد مبان ومرافق طاقية بميناء الناظور غرب المتوسط    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا        المغرب يبحث عن لقبه الثالث في مواجهة نارية مع السنغال    صفقات السلاح .. كيف يوازن المغرب بين تحالفاته الدولية واستقلالية قراره العسكري ؟    بعد غياب طويل .. 320 ألف متفرج يستقبلون سعد لمجرد    "الشان".. "الكاف" يعين الجنوب أفريقي شافاني حكما لمباراة المغرب والسنغال    مولاي الحسن يستقبل الأطفال المقدسيين المشاركين في المخيم الصيفي لوكالة بيت مال القدس الشريف    أستراليا تتهم إيران بالوقوف وراء هجمات معادية للسامية وتطرد السفير الإيراني    باكيتا يعود لقائمة المنتخب البرازيلي واستبعاد نيمار وفينسيوس ورودريجو        بطولة ألمانيا: دورتموند يمدد عقد مدربه كوفاتش إلى غاية 2027    شي جينبينغ يستقبل رئيس مجلس الدوما الروسي ويؤكد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو    الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله    فرقة الراب "نيكاب" تلغي جولتها الأميركية بسبب محاكمة أحد أعضائها بتهمة دعم حزب الله        بولتون ‬رأس ‬حربة ‬اللوبي ‬الانفصالي ‬بواشنطن ‬في ‬ورطة ‬جنائية ‬جديدة ‬تبدد ‬ما ‬تبقى ‬له ‬من ‬تأثير ‬و ‬مصداقية ‬                    جفاف قياسي يضرب أوروبا وحوض المتوسط مطلع غشت الجاري (مرصد)    «مهرجان نجوم كناوة».. رواد الفن الكناوي يلهبون حماس جمهور الدار البيضاء    وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    رأي : الحسيمة الثقافة والهوية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من مذكراتي: ذاكرة زمن مفتقد الذكرى الرابعة / الجزء الاول

تكللت تلك السنة أيضا بنجاح باهر، و انتقلت لمستوى المتوسط الثاني، و للبناية القديمة العالية، ذلك المستوى الذي طالما سمعت عن صعوباته و عن قساوة و صرامة معلميه و عن قاعدة التكرار فيه ، فلا أحد يسلم من تكرار السنة مرة أو مرتين و أحيانا أكثر.
في صباح أول يوم من شهر أكتوبر حملت نفسي و محفظتي و توجهت إلى المدرسة، قصدت البناية القديمة و صعدت الدرج الواسع المزين بدرابزين خشبي فخم إلى الطابق العلوي و دخلت الفصل لأجد وجوها كثيرة غريبة عني كانت للتلاميذ المكررين للسنة والذين كانوا كبارا في السن بالنسبة لي أنا ادإبنة العشر سنوات أنذاك. أخذت مكاني و انتابني إحساس غريب إذ شعرت منذ الوهلة الأولى أنها سنة ليست كسابقاتها ، و فعلا صدق حدسي، تعرفت خلالها و لأول مرة في حياتي على معنى المعاناة و الخوف و القلق ، فكانت سنة سوداء قاتم لونها و ذلك بسبب ادأستاذ اللغة العربية الذي مذ رأيته لاحظت اختلافا جذريا على مستوى الشكل و الهندام بينه و بين سابقيه ممن درسوني مثل الأستاذان الجليلان: العبراق و الشلي.
كان رجلا ممتلىء الجسم، قوي البنية، معتدل القامة، يضع طاقية بيضاء على رأسه و يرتدي ثيابا تشبه الثياب التقليدية و كان فظا غليظا، الشيء الذي حال نفسيا بيني و بينه و بالتالي لم أتعلم منه شيئا تلك السنة و كل ما اكتسبته وحصلته كان من مراجعة والدي رحمه الله معي و من مجهودي الشخصي إذ اقتنيت أنذاك مؤلف ” أهيء إمتحاني” لإمتحان الشهادة الإبتدائية و بدأت اشتغل على التمارين وحلولها.
كان معلمنا و منذ الحصص الأولى ينهج روتينا يوميا لا يتغير يستهله بسب و شتم مدموازيل ميمي معلمة اللغة الفرنسية ذات الأصول اليهودية، و ذلك لأنها كانت تلزم التلاميذ بالوقوف عند دخولها او عند زيارة أحدهم للقسم، و كان يحاول تقليدها فيردد بعصبية ملحوظة كلمة: دبو، دبو يعني: debout. و إلى اليوم لم أفهم سبب اعتراضه على أبسط سلوكيات الإحترام المفروض تلقينها للتلاميذ في تعاملهم مع أساتذتهم خاصة و مع الكبار سنا أو قدرا على العموم.
وبعدها يلقي علينا خطبة عصماء تتضمن تمجيده و بيعته لداعية إسلامي كان قد بدأ نجمه يسطع في المدينة و لا ينتهي إلا مع آذان العصر ، فيخرجنا إلى باحة واسعة كانت تتوسط الأقسام حيث نفرش حصيرا، نصطف صفا للذكور يليه صف الإناث ثم يقيم الصلاة. تنتهي بعدها الحصة المسائية و نعود أدراجنا لبيوتنا.
خلال السنوات الثلاث السابقة لتلك كنت يوميا و أنا في طريقي إلى المدرسة رفقة صديقاتي أعرج على ضريح مولاي علي بوغالب لنشرب الماء من النافورة الجميلة التي كانت تتوسط البهو الفسيح، و ذلك باستعمال أكواب كانت في الأصل علب حليب نستلي المركز ، أفرغت من محتواها و تم ربطها مع النافورة بخيط تم تثبيته في ثقب أحدث بها خوفا عليها من النهب او الإتلاف. لكن تلك السنة بتنا نعرج على الضريح من أجل الوضوء استعدادا للصلاة. ، وأكثر ما كان يثير انتباهي في الضريح و في القبة التي كانت تتوسطه مشهد الساعات الحائطية الكثيرة التي كانت تزين حيطانه والتي كانت تحملني مباشرة إلى الساعات المثبتة على حيطان منزلنا ، فاقتناء الساعات القديمة و الأثرية كان من هوايات والدي رحمه الله و قد احتضن منزلنا آنذاك عددا منها و كان يزورنا بين الحين والآخر رجل طاعن في السن، كان يدعى اوميكا omega.نسبة الى هذه الماركة العالمية من الساعات نظرا لخبرته الواسعة في الإهتمام و والإعتناء بها و لا يغادر إلا و أصوات الساعات تصدح بإيقاعات متنوعة.
كان جيدا و مثاليا أن نتعلم حينها الإلتزام بفريضة الصلاة رغم أنها لم تكن مدرجة ضمن مواد اللغة العربية المقررة إلا كجزء من درس نظري، لكن معاناتي بدأت مع إلزام المعلم لنا نحن الإناث بارتداء الحجاب، حينها لم أفهم أي شيء سوى أنه ينبغي علي أن أضع منديلا على رأسي. ذهبت إلى المنزل و كعادتي أخبرت والدي بالأمر، أطرق برأسه للأرض و فكر مليا قبل أن يجيبني برفض قاطع للفكرة، ومن لهجته الصارمة أدركت ان الأمر لا يتحمل المساومة ، فلا هي لا كما عودني أنا و إخوتي. و عشت شهورا بين المطرقة و السندان.
مطرقة معلم يقيم و يقدر التلميذات من خلال قطعة قماش، خاصة و أننا حينها كنا نجهل تماما مفهوم أو مقصد الحجاب نظرا لصغر سننا و للظرفية التاريخية آنذاك بالنسبة لمجتمع يعيد بناء ذاته بعد اندحار الإستعمار و تأثير مخلفاته.
و سندان والدي الذي رفض و بقوة انصياعي لأوامر المعلم بهذا الخصوص، علما بأن موقف والدي أنذاك لم يكن رفضا للحجاب فهو خريج جامعة القرويين و إنما اعتراضا مبدئيا على ممارسة المعلم الدعوة داخل الفصل الدراسي هذا بالاضافة إلى أنني حينها لم اكن ملزمة شرعا بارتداءه إذ كنت بالكاد أبلغ العاشرة.
عند ذاك تحدد موقف المعلم مني و منذ البداية و كان التهميش هو عقابي، فانزويت في مقعدي و بت أتابع بخوف و بوجل ما يدور حولي ، انطفأت شعلتي المتوهجة و خبا نشاطي وحيويتي و تراجعت نسبيا نتائجي بالنسبة لمواد اللغة العربية. لكنني اكتشفت حينها بعض آليات التفكير مثل: التساؤل و المقارنة و بدأت تراود ذهني الفتي أسئلة من قببل: لماذا يتعارض والدي مع المعلم في الرأي؟ من منهما المصيب و من المخطىء؟ ما قيمة المنديل؟ ولماذا يحدث هذا؟
لم أتوصل إلى أي إجابات مقنعة لكن حيرتي هدتني لما ينبغي فعله و هو الاعتكاف على دروسي، فمضت السنة بطيئة جدا و مملة جدا توقفت خلالها عن اللعب تماما أثناء فترات الإستراحة في المدرسة كما امتنعت عنه في ساحة مولاي المهدي مع صديقات الحي، فمشكلة المنديل بعثرت طفولتي و حملتني قهرا للتفكير في عالم الكبار لكن بانتهاء السنة الدراسية انتهى هذا الموضوع و نسيته تماما ولم يعد لواجهة تفكيري إلا و أنا في البكالوريا حين ارتدت صديقة مقربة مني الحجاب وكانت أول فتاة في الثانوية من جيلنا تقدم على ذلك الشيء الذي أثار حينها استغراب الجميع لدرجة أن الكثيرات من زميلاتنا كن يعتقدن أنها حلقت شعرها و يحاولن التأكد من ذلك و هذا
لجهلهن بمفهوم الحجاب، أما أنا فكانت لى معه ذكرى وشمت طفولتي
عند حلول شهر مارس من تلك السنة و عشية يوم مشمس……….
يتبع……


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.