نقابة تشكو الإقصاء من منتدى جهوي    خبير يدعو لمراجعة جذرية للنموذج الفلاحي ويحذر من استمرار "التذبذب المناخي" في المغرب    تأجيل اجتماع بوتين وترامب ببودابست    بريطانيا تتجه إلى تشديد سياسات اللجوء سعياً لخفض الهجرة غير النظامية    وفاة شخصين على الأقل إثر عاصفة قوية بكاليفورنيا    مونديال الناشئين: المنتخب المغربي يخوض حصته التدريبية ما قبل الأخيرة تأهبا لمواجهة مالي    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    إدراج ملف جمهورية القبائل في الأمم المتحدة يزلزل أركان الجزائر    أمينة الدحاوي تمنح المغرب ذهبية في التايكواندو ضمن ألعاب التضامن الإسلامي    تفكيك شبكة دولية لقرصنة تطبيقات المراهنة.. الامن يوقف خمسة اجانب بمراكش    حكم قضائي يقضي بإفراغ محلات بالمحطة الطرقية "أولاد زيان"    دراسة علمية تؤكد أن الشيخوخة تمنح الجسم حماية من الأصابة بالأورام السرطانية    ماكرون يعلن إطلاق سراح الفرنسي كاميلو كاسترو الموقوف في فنزويلا منذ أشهر    من الاستثمار إلى التحالف: زيارة سفيرة كينيا على رأس وفد هام إلى العيون تفتح فصلًا جديدًا في العلاقات الثنائية    الاتحاد البرتغالي يستأنف طرد رونالدو    طقس الأحد.. أجواء غائمة مع نزول أمطار بعدد من مناطق المملكة    "تلوثٌ في منطقة الفوسفاط يفوق الحدود المسموح بها".. دراسة تكشف ما يحدث في تربة آسفي الصناعية    سفير أنغولا: تكريم الملك الراحل الحسن الثاني يعكس عمق الصداقة التاريخية بين المغرب وأنغولا    سيدات الجيش الملكي يواجهن مازيمبي الكونغولي في نصف نهائي أبطال إفريقيا    إيران تدعو إلى الأخوة والسلام بالمنطقة    بلباو تُهدي فلسطين أمسية تاريخية.. مدرجات تهتف والقلب ينبض    لبنان سيقدم شكوى ضد إسرائيل لبنائها جدارا على حدوده الجنوبية تجاوز "الخط الأزرق"    عمر هلال: الدبلوماسية المغربية، تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك، ترتكز على فلسفة العمل والفعل الملموس    مديرية الأمن الخارجي بفرنسا تشيد بتعاون المغرب في مجال مكافحة الإرهاب    حموشي يقرر ترقية استثنائية لمفتش شرطة بآسفي تعرّض لاعتداء عنيف    الذكاء الاصطناعي يراقب صناديق القمامة في ألمانيا لضبط المخالفين    هل تمت تصفية قائد الدعم السريع في السودان فعلا؟    أكنول: افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان اللوز    اليونان تفوز على اسكتلندا في تصفيات كأس العالم    أكاديمية محمد السادس، قاطرة النهضة الكروية المغربية (صحيفة إسبانية)    حكيمي يطمئن المغاربة بصور جديدة    الناظور .. افتتاح فعاليات الدورة 14 للمهرجان الدولي لسنيما الذاكرة    ابن الحسيمة نوفل أحيدار يناقش أطروحته حول تثمين النباتات العطرية والطبية بالريف    أمين نقطى: زيارة أخنوش لمديونة سنة 2021 آتت أكلها بتنفيذ عدة مشاريع لفائدة الساكنة    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025): البطلة المغربية أمينة الدحاوي تتوج بذهبية التايكواندو لفئة أقل من 57 كلغ    العلمي يهاجم "العقول المتحجرة" .. ويرفض توزيع صكوك الغفران السياسية    البرازيل تزيد تصدير اللحوم للمغرب    في ظرف ثلاثة أشهر .. أنترنت الجيل الخامس (5G) يغطي 60 مدينة بالمغرب    رياض السلطان يقدم مسرحية الهامش وموسيقى لؤلؤة البحيرات العاجية ولقاء فكري حول ذاكرة المثقف    المغرب... دولة الفعل لا الخطاب    عامل العرائش و السلة الفارغة: كيف أنهى الأسطورة و تحققت نبوءة الانهيار!    ارتفاع سعر صرف الدرهم ب 0,2 في المائة مقابل الدولار الأمريكي ما بين 6 و12 نونبر 2025    وزارة الثقافة تعلن الإطلاق الرسمي لمشروع تسجيل "فن زليج فاس وتطوان" على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    تطور جديد في ملف "إنتي باغية واحد".. متابعة دي جي فان بتهمة تهديد سعد لمجرد    لحمداني ينال "جائزة العويس الثقافية"    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطوية في العالم العربي بين الأفول والتجدد
نشر في لكم يوم 12 - 03 - 2019

لقد ‬مثّلت ‬السلطوية ‬على ‬الدوام ‬أحد ‬أهم ‬أشكال ‬الأنظمة ‬غير ‬الديموقراطية، ‬والتي ‬يعد ‬العالم ‬العربي ‬مشتلا ‬لإنتاجها ‬بصفة ‬مستمرة. ‬كل ‬ذلك ‬له ‬علاقة ‬بمجموعة ‬من ‬العوامل ‬المترابطة ‬ذات ‬الصبغة ‬الاجتماعية ‬والثقافية ‬بالأساس، ‬دون ‬إهمال ‬تبعات ‬الحقبة ‬الاستعمارية ‬وما ‬أفرزته ‬من ‬تبعية ‬سياسية ‬للغرب، ‬الذي ‬وجد ‬على ‬ما ‬يبدو ‬في ‬الأنظمة ‬السلطوية ‬العربية ‬حليفا ‬استراتيجيا ‬لخدمة ‬مصالحه ‬الاقتصادية، ‬وإلا ‬فكيف ‬نفسر ‬ذلك ‬الموقف ‬الغامض ‬للدول ‬الغربية ‬تجاه ‬الانتهاكات ‬المتكررة ‬والمتواصلة ‬لحقوق ‬الإنسان ‬ببلدان ‬العالم ‬الثالث ‬وفي ‬طليعتها ‬العالم ‬العربي، ‬فلا ‬أحد ‬ينكر ‬الطابع ‬الملتبس ‬الذي ‬تعاطت ‬به ‬دول ‬الاتحاد ‬الأوروبي ‬مع ‬الإعدامات ‬التي ‬وقعت ‬مؤخرا ‬في ‬مصر، ‬ولا ‬طريقة ‬تعاطي ‬ترامب ‬مع ‬قضية ‬مقتل ‬الصحفي ‬السعودي ‬جمال ‬خاشقجي.‬
إن ‬المطلع ‬على ‬التاريخ ‬العربي ‬سيجد ‬أن ‬التسلط ‬قد ‬انصهر ‬في ‬عدة ‬قوالب ‬مؤسساتية ‬رسخت ‬مفهوم ‬السلطة ‬السياسية ‬والدولة ‬بالعالم ‬العربي. ‬تلك ‬الدولة ‬في ‬الواقع ‬لا ‬تعدو ‬أن ‬تكون ‬في ‬طبيعة ‬بنياتها ‬الإدارية ‬والدستورية ‬أكثر ‬من ‬امتداد ‬تاريخي ‬لما ‬يسميه ‬المفكر ‬عبد ‬الله ‬العروي ‬بالدولة ‬السلطانية. ‬ولعل ‬الدور ‬الذي ‬لعبته ‬طريقة ‬تأويل ‬القيم ‬الثقافية ‬والدينية ‬المؤسسة ‬لمشروعية ‬هذه ‬الدولة، ‬شكل ‬مبررا ‬ومنطلقا ‬تحليليا ‬لدى ‬بعض ‬المستشرقين ‬مثل ‬برنار ‬ليفيسBernad Lewis ‬وإرنست ‬رونو ‬Ernest Renan ‬وصامويل ‬هنتغتون ‬Samuel Huntington ‬لتأكيد ‬فرضية ‬تعارض ‬الإسلام ‬مع ‬القيم ‬الديمقراطية، ‬ومن ‬ثمة ‬استحالة ‬دمقرطة ‬المجتمعات ‬العربية ‬و ‬الإسلامية.‬
غير ‬أن ‬أحداث " ‬الربيع ‬العربي " ‬والتي ‬انطلقت ‬أولى ‬شراراتها ‬من ‬تونس ‬سنة ‬2011، ‬جاءت ‬لتنسف ‬تلك ‬الفرضية ‬ولتؤكد ‬تطلع ‬الشعوب ‬العربية ‬إلى ‬التغيير ‬رغم ‬كل ‬الإكراهات، ‬وهذا ‬ما ‬عكسته ‬في ‬الحقيقة ‬مجموعة ‬من ‬الشعارات ‬السياسية ‬التي ‬رفعها ‬المحتجون ‬في ‬كل ‬من ‬تونس ‬ومصر ‬والمغرب ‬وغيرها ‬من ‬بلدان ‬الحراك. ‬ولقد ‬عكس ‬ذلك ‬بشكل ‬من ‬الأشكال ‬منسوب ‬الوعي ‬الاجتماعي ‬المتنامي ‬الذي ‬بدأ ‬يتبلور ‬بهذه ‬البلدان ‬في ‬تزامن ‬مع ‬النقلة ‬النوعية ‬التي ‬تشهدها ‬هذه ‬الشعوب ‬على ‬المستوى ‬الديمغرافي. ‬ولعل ‬ذلك ‬هو ‬ما ‬جعل ‬الأبحاث ‬في ‬العلوم ‬الاجتماعية ‬في ‬الآونة ‬الأخيرة ‬تركز ‬على " ‬الربيع ‬العربي" ‬كمعطى ‬جديد ‬لتناول ‬ودراسة ‬العالم ‬العربي ‬من ‬حيث ‬طرحها ‬لفرضيات ‬الانتقال ‬الديمقراطي ‬وإمكانية ‬بناء ‬مشروع ‬حداثي ‬بالبلدان ‬العربية.‬
لكن ‬من ‬جهة ‬مقابلة، ‬فالمسار ‬الذي ‬قطعته ‬هذه ‬الأحداث ‬وطبيعة ‬مخرجاتها ‬جعلت ‬من ‬هذا ‬الربيع ‬خريفا ‬تعمّه ‬الحروب ‬التي ‬ما ‬تزال ‬مستمرة ‬إلى ‬اليوم ‬في ‬ليبيا ‬وسوريا ‬واليمن، ‬مرورا ‬بإمساك ‬الجيش ‬بزمام ‬الأمور ‬في ‬مصر ‬بعد ‬الانقلاب ‬الذي ‬نفذته ‬المؤسسة ‬العسكرية ‬على ‬رئيس ‬محسوب ‬على ‬تيار ‬الإخوان ‬المسلمين. ‬وحتى ‬الدول ‬التي ‬نجحت ‬في ‬التعاطي ‬مع ‬الحراك ‬بطريقة ‬استراتيجية ‬يشوب ‬مسلسل ‬الإصلاحات ‬السياسية ‬والدستورية ‬بها ‬عدة ‬عراقيل ‬مرتبطة ‬بقدرة ‬الدولة ‬العميقة ‬على ‬ضبط ‬تلك ‬الإصلاحات ‬وفق ‬مقاربة ‬سلطوية ‬أفرغتها ‬من ‬حمولتها ‬الديمقراطية. ‬فإذا ‬استحضرنا ‬النموذج ‬المغربي، ‬نلاحظ ‬بأن ‬المخزن ‬كثقافة ‬وكأليات ‬للتحكم ‬ساهم ‬في ‬تدبير ‬وفرملة ‬الإصلاحات ‬المعتمدة ‬على ‬عدة ‬مستويات ‬سياسية ‬واقتصادية، ‬مما ‬أدى ‬إلى ‬مراقبة ‬مخرجاتها ‬حتى ‬لا ‬تحدث ‬تغييرا ‬يقلص ‬من ‬هيمنة ‬الدولة ‬العميقة. ‬لذا، ‬فإن ‬كيفية ‬التخلص ‬من ‬الإرث ‬المخزني ‬يُعد ‬من ‬أهم ‬الرهانات ‬التي ‬تواجه ‬مسلسل ‬الدمقرطة ‬في ‬بلد ‬مثل ‬المغرب، ‬أصبح ‬فيه ‬الشباب ‬هو ‬الفاعل ‬الرئيسي ‬في ‬جل ‬المسيرات ‬الاحتجاجية ‬على ‬أرض ‬الواقع ‬أو ‬في ‬صفحات ‬العالم ‬الافتراضي. ‬الأمر ‬الذي ‬جعل ‬هذه ‬الفئة ‬الديمغرافية ‬تلعب ‬دورا ‬تعبويا ‬نتيجة ‬لإمساكها ‬بزمام ‬وسائل ‬التواصل ‬الاجتماعي ‬أكثر ‬من ‬غيرها، ‬مع ‬ما ‬ترتب ‬عن ‬ذلك ‬من ‬تحولات ‬فيما ‬يخص ‬التمثل ‬الاجتماعي ‬للسياسة ‬والسلطة ‬والدولة.‬
يمكننا ‬القول ‬إذن، ‬أن ‬أحداث "‬الربيع ‬العربي" ‬تتمثل ‬من ‬جانبها ‬الإيجابي ‬في ‬كونها ‬فتحت ‬الباب ‬أمام ‬الشباب ‬لكي ‬يساهم ‬في ‬إعادة ‬تأسيس ‬العلاقة ‬بين ‬الدولة ‬والمجتمع ‬على ‬قيم ‬جديدة ‬أهمها ‬المحاسبة ‬والمسؤولية ‬وفق ‬تصور ‬اجتماعي ‬جديد ‬ومغاير، ‬فلم ‬يعد ‬يرى ‬في ‬هذه ‬الدولة ‬ملكا ‬تاريخيا ‬للحاكم ‬ولم ‬يعد ‬الشأن ‬العام ‬شأنا ‬خاصا ‬له، ‬ولم ‬يعد ‬الفقر ‬قدرا ‬يجب ‬على ‬المواطن ‬الإيمان ‬به. ‬بل ‬على ‬العكس ‬من ‬ذلك ‬تماما، ‬لقد ‬أصبح ‬المواطن ‬يعتبر ‬غياب ‬العدالة ‬الاجتماعية ‬وتقاعس ‬مؤسسات ‬الدولة ‬والنظام ‬السياسي ‬عن ‬أداء ‬أدوارهم، ‬من ‬أهم ‬الأسباب ‬الرئيسية ‬لأوضاعه ‬المزرية ‬التي ‬يعيشها ‬على ‬المستوى ‬السوسيواقتصادي، ‬وبات "‬الفساد" ‬عدوه ‬الأول ‬والأخير.‬
غير ‬أنه ‬أمام ‬كل ‬هذه ‬المؤشرات ‬الإيجابية، ‬يصعب ‬على ‬المحلل ‬في ‬تناوله ‬للأحداث ‬والدينامية ‬التي ‬تشهدها ‬بلدان ‬شمال ‬إفريقيا ‬والشرق ‬الأوسط ‬منذ ‬يناير ‬2011، ‬أن ‬يخوض ‬في ‬نقاش ‬حول ‬حتمية ‬الإصلاح ‬دون ‬أن ‬يسقط ‬في ‬جدلية ‬التشاؤم ‬والتفاؤل ‬في ‬نفس ‬الوقت، ‬لأن ‬أسباب ‬استمرارية ‬السلطوية ‬في ‬التجذر ‬لازالت ‬قائمة ‬بغض ‬النظر ‬عن ‬التحول ‬الحاصل ‬على ‬المستويين ‬الاجتماعي ‬والديمغرافي. ‬فارتفاع ‬نسبة ‬الأمية ‬ومحدودية ‬الوعي ‬السياسي ‬إضافة ‬إلى ‬طبيعة ‬القيم ‬الثقافية ‬المحددة ‬للعلاقات ‬والنظام ‬الاجتماعيين، ‬تعتبر ‬من ‬أبرز ‬العوامل ‬التي ‬تشرح ‬أسباب ‬تأييد ‬بعض ‬الشرائح ‬الاجتماعية ‬للأنظمة ‬السلطوية ‬وشكها ‬في ‬مصداقية ‬مطالب ‬الفئات ‬الأخرى ‬المطالبة ‬بالتغيير. ‬لهذا ‬فإن ‬التغيير ‬بهذه ‬البلدان ‬هو ‬في ‬حد ‬ذاته ‬معادلة ‬يصعب ‬فهمها ‬فضلا ‬عن ‬حلها ‬في ‬غياب ‬فهم ‬دقيق ‬ومعمق ‬لهذا ‬التناقض ‬القائم ‬بين ‬التغيير ‬والاستمرارية ‬في ‬إطار ‬المخاض ‬العسير ‬الذي ‬تمر ‬منه ‬اليوم ‬عملية ‬ولادة ‬الديمقراطية ‬ببلدان ‬شمال ‬إفريقيا ‬والشرق ‬الأوسط. ‬ويحيل ‬التلاقح ‬بين ‬هذه ‬العناصر ‬في ‬أبعاده ‬الجدلية، ‬على ‬كون ‬أهم ‬عائق ‬يقف ‬حجرة ‬عثرة ‬أمام ‬عملية ‬التحديث، ‬يتجسد ‬أساسا ‬في ‬محدودية ‬هذا ‬الحراك ‬وفي ‬نسبية ‬هذه ‬الدينامية ‬الاجتماعية ‬الملاحظة، ‬إضافة ‬إلى ‬عدم ‬قدرة ‬المجتمعات ‬على ‬إعادة ‬تنظيم ‬بنياتها ‬بشكل ‬عقلاني ‬يسمح ‬ببناء ‬مجتمع ‬مدني ‬قوي، ‬يكون ‬عبارة ‬عن ‬إطار ‬لإنتاج ‬وعي ‬ديمقراطي ‬مضاد ‬للقيم ‬السلطوية ‬التي ‬ينتجها ‬الفضاء ‬السياسي. ‬كل ‬ذلك ‬ينضاف ‬إلى ‬قدرة ‬الدولة ‬على ‬اختراق ‬المجتمع ‬عبر ‬بناء ‬مجموعة ‬من ‬الشبكات ‬الزبونية ‬التي ‬سهلت ‬عليها ‬التحكم ‬في ‬دينامية ‬هذا ‬الأخير ‬وبالتالي ‬الحد ‬من ‬التأثير ‬الاجتماعي ‬والسياسي ‬للأفعال ‬الصادرة ‬عن ‬القوى ‬الاجتماعية ‬المطالبة ‬بالتغيير.‬
إن ‬المنطق ‬الريعي ‬إلى ‬جانب ‬المقاربة ‬القمعية ‬يُعدان ‬في ‬هذا ‬الصدد ‬من ‬أهم ‬الآليات ‬التي ‬ساعدت ‬نخب ‬وأجهزة ‬الدولة ‬العميقة ‬بالعالم ‬العربي ‬على ‬ضبط ‬الحراك ‬الاجتماعي، ‬وأسهمت ‬بشكل ‬حاسم ‬في ‬تدجين ‬القوى ‬المعارضة ‬من ‬خلال ‬قدرتها ‬على ‬الالتفاف ‬على ‬مكاسب ‬الإصلاح ‬ومن ‬ثم ‬توجيهها ‬وفق ‬منطق ‬سلطوي ‬نحو ‬إعادة ‬إنتاج ‬السلطوية ‬بدل ‬الديموقراطية. ‬ولذا، ‬فإن ‬مسعى ‬الحفاظ ‬على ‬المكتسبات ‬الدستورية ‬والسياسية ‬التي ‬أتت ‬بفضل ‬حراك "‬الربيع ‬العربي" ‬ظل ‬يشكل ‬موضوع ‬انتقاد ‬لحصيلة ‬الأداء ‬الحكومي ‬في ‬هذه ‬البلدان. ‬وفي ‬المغرب ‬مثلا، ‬أصبح ‬حزب ‬العدالة ‬والتنمية ‬أمام ‬عدة ‬رهانات ‬سياسية ‬مرتبطة ‬بتأثير ‬هذه ‬الحصيلة ‬على ‬مصداقيته ‬كحزب ‬قدم ‬نفسه ‬انتخابيا ‬على ‬أنه ‬بديل ‬سياسي ‬قادر ‬على ‬تخليق ‬الحياة ‬السياسية ‬وتحقيق ‬العدالة ‬الاجتماعية، ‬لكن ‬محك ‬الممارسة ‬السياسية ‬والتسيير ‬جعله ‬يتبنى ‬مجموعة ‬من ‬الاختيارات ‬على ‬المستويين ‬السياسي ‬والاقتصادي ‬تتناقض ‬بشكل ‬كبير ‬مع ‬برنامجه ‬الانتخابي ‬الذي ‬يقوم ‬على ‬عدة ‬مرتكزات ‬أهمها ‬الإصلاح ‬والتنمية.‬
وارتباطا ‬بالحالة ‬المغربية ‬دائما، ‬فقد ‬أفرزت ‬سنوات ‬تسيير ‬حزب ‬العدالة ‬والتنمية ‬للشأن ‬العام ‬عدة ‬نتائج ‬أهمها ‬بروز ‬صراع ‬غير ‬مباشر ‬وضمني ‬مع ‬الدولة ‬العميقة، ‬وبالأخص ‬منذ ‬ما ‬عرف ‬ب "‬البلوكاج" ‬الحكومي ‬سنة ‬2016، ‬حيث ‬انتقل ‬بعض ‬زعماء ‬هذا ‬الحزب ‬وعلى ‬رأسهم ‬عبد ‬الإله ‬بنكيران ‬في ‬خطابتهم ‬السياسية ‬إلى ‬إبراز ‬أوجه ‬هذا ‬الصراع ‬من ‬خلال ‬التأكيد ‬على ‬وجود ‬مخطط ‬لإضعاف ‬الحزب ‬والقضاء ‬عليه ‬سياسيا. ‬ولذلك ‬فإن ‬التحول ‬الحاصل ‬على ‬مستوى ‬العلاقة ‬القائمة ‬بين ‬إسلاميي ‬العدالة ‬والتنمية، ‬ثم ‬نخب ‬وأجهزة ‬الدولة ‬العميقة/‬المخزنية ‬يترجم ‬بنحو ‬ما ‬أهميةَ ‬ذلك ‬التنافس ‬غير ‬المعلن ‬حول ‬موارد ‬السلطة ‬بين ‬الطرفين، ‬ويعبر ‬في ‬المقابل ‬عن ‬عدم ‬نجاح ‬الإسلاميين ‬في ‬كسب ‬ثقة ‬الدولة ‬العميقة ‬التي ‬تشك ‬في ‬مصداقية ‬خطابهم ‬ونواياهم ‬السياسية. ‬هذا ‬المعطى ‬في ‬الواقع، ‬يبقى ‬دائم ‬الحضور ‬في ‬العلاقة ‬القائمة ‬بينهما ‬وبالأخص ‬منذ ‬أن ‬أصبح ‬أعضاء ‬الحزب ‬يوظفون ‬انتصارهم ‬الانتخابي ‬كمورد ‬سياسي ‬يقوي ‬نفوذهم ‬داخل ‬المؤسسات ‬السياسية، ‬وهذا ‬بالضبط ‬ما ‬يذكرنا ‬ولو ‬بشكل ‬نسبي ‬بتجربة ‬جماعة ‬الإخوان ‬المسلمين ‬في ‬مصر، ‬حين ‬قامت ‬هذه ‬الأخيرة ‬باستثمار ‬فوزها ‬الانتخابي ‬بطريقة ‬جعلتها ‬تدخل ‬في ‬صدام ‬سياسي ‬مع ‬مؤسسة ‬الجيش، ‬التي ‬ظلت ‬تعتبر ‬نفسها ‬هي ‬الفاعل ‬والممثل ‬الرئيسي ‬للإرادة ‬الوطنية ‬مند ‬الانقلاب ‬العسكري ‬لسنة ‬1952.‬
إن ‬أحد ‬أهم ‬خصوصيات ‬الظاهرة ‬السلطوية ‬في ‬مصر ‬هي ‬تحكم ‬الجيش ‬في ‬قواعد ‬اللعبة ‬السياسية ‬والسيطرة ‬على ‬دواليب ‬القطاع ‬الاقتصادي، ‬وهو ‬ما ‬سهل ‬على ‬المؤسسة ‬العسكرية ‬ضمان ‬نفوذها ‬السياسي. ‬وفي ‬هذا ‬السياق ‬يشكل ‬اسلوب ‬الرئيس ‬السيسي ‬في ‬الحكم ‬بدولة ‬مصر، ‬ترجمةً ‬حرفية ‬للهيمنة ‬السلطوية ‬لهذه ‬المؤسسة ‬على ‬مفاصل ‬الدولة، ‬والأكثر ‬من ‬ذلك ‬هو ‬أنها ‬مؤسسة ‬لا ‬تقبل ‬إطلاقا ‬بوجود ‬فاعلين ‬سياسيين ‬أخرين ‬ينافسونها ‬في ‬المشروعية ‬التاريخية ‬المكتسبة ‬منذ ‬الفترة ‬الناصرية ‬وإلى ‬اليوم.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.