غامبيا جددات دعمها الكامل للوحدة الترابية للمغرب وأكدات أهمية المبادرة الملكية الأطلسية    الملك يهنئ بركة على "ثقة الاستقلاليين"    "التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    مطالب للحكومة بتسقيف أثمان أضاحي العيد وتوجيه دعم مباشر للمواطنين لاقتنائها بدل منحه للمستوردين    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    الشرطة الفرنسية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لفلسطين بجامعة "السوربون"    بعد "بولميك" الجزائر.. إقبال كبير على أقمصة نهضة بركان    رسميا .. عادل رمزي مدربا للمنتخب الهولندي تحت 18عاما    الرجاء يشكو مدرب الجيش ل"الأخلاقيات"    بالفيديو.. "الديستي" تساعد إسبانيا في الإمساك بقارب يحمل طنين من الحشيش    الأنفاس مقبوطة فالحركة الشعبية...والسبب: انتظار جلسة النطق بالحكم ضد انتخاب محمد أوزين أمينا عاما    ترحيب واسع من المنظمات والجمعيات المهنية باتفاق زيادة الأجور    إدانة صاحبا أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن النافذ    تفاصيل حصرية على كيفاش تشد المجرم اللي قتل تلميذة بطريقة بشعة فصفرو: سبق ليه دوّز 5 سنوات نافذة ديال السجن بسبب تكوين عصابة إجرامية (صورة)    شنو هي قصة مرات سانشيث؟ وشنو المبررات اللي خلات سانشيث يبقى فمنصبو؟    لمكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي.. البوليس والوكالة الوطنية للمياه والغابات دارو اليوم اليد فاليوم    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب        الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    رئيس ريال مدريد يهاتف مبابي عقب التتويج بالدوري الفرنسي    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلطوية في العالم العربي بين الأفول والتجدد
نشر في بيان اليوم يوم 17 - 03 - 2019

لقد ‬مثّلت ‬السلطوية ‬على ‬الدوام ‬أحد ‬أهم ‬أشكال ‬الأنظمة ‬غير ‬الديموقراطية، ‬والتي ‬يعد ‬العالم ‬العربي ‬مشتلا ‬لإنتاجها ‬بصفة ‬مستمرة. ‬كل ‬ذلك ‬له ‬علاقة ‬بمجموعة ‬من ‬العوامل ‬المترابطة ‬ذات ‬الصبغة ‬الاجتماعية ‬والثقافية ‬بالأساس، ‬دون ‬إهمال ‬تبعات ‬الحقبة ‬الاستعمارية ‬وما ‬أفرزته ‬من ‬تبعية ‬سياسية ‬للغرب، ‬الذي ‬وجد ‬على ‬ما ‬يبدو ‬في ‬الأنظمة ‬السلطوية ‬العربية ‬حليفا ‬استراتيجيا ‬لخدمة ‬مصالحه ‬الاقتصادية، ‬وإلا ‬فكيف ‬نفسر ‬ذلك ‬الموقف ‬الغامض ‬للدول ‬الغربية ‬تجاه ‬الانتهاكات ‬المتكررة ‬والمتواصلة ‬لحقوق ‬الإنسان ‬ببلدان ‬العالم ‬الثالث ‬وفي ‬طليعتها ‬العالم ‬العربي، ‬فلا ‬أحد ‬ينكر ‬الطابع ‬الملتبس ‬الذي ‬تعاطت ‬به ‬دول ‬الاتحاد ‬الأوروبي ‬مع ‬الإعدامات ‬التي ‬وقعت ‬مؤخرا ‬في ‬مصر، ‬ولا ‬طريقة ‬تعاطي ‬ترامب ‬مع ‬قضية ‬مقتل ‬الصحفي ‬السعودي ‬جمال ‬خاشقجي.‬
إن ‬المطلع ‬على ‬التاريخ ‬العربي ‬سيجد ‬أن ‬التسلط ‬قد ‬انصهر ‬في ‬عدة ‬قوالب ‬مؤسساتية ‬رسخت ‬مفهوم ‬السلطة ‬السياسية ‬والدولة ‬بالعالم ‬العربي.‬ تلك ‬الدولة ‬في ‬الواقع ‬لا ‬تعدو ‬أن ‬تكون ‬في ‬طبيعة ‬بنياتها ‬الإدارية ‬والدستورية ‬أكثر ‬من ‬امتداد ‬تاريخي ‬لما ‬يسميه ‬المفكر ‬عبد ‬الله ‬العروي ‬بالدولة ‬السلطانية. ‬ولعل ‬الدور ‬الذي ‬لعبته ‬طريقة ‬تأويل ‬القيم ‬الثقافية ‬والدينية ‬المؤسسة ‬لمشروعية ‬هذه ‬الدولة، ‬شكل ‬مبررا ‬ومنطلقا ‬تحليليا ‬لدى ‬بعض ‬المستشرقين ‬مثل ‬برنار ‬ليفيسBernad Lewis ‬ وإرنست ‬رونو ‬Ernest Renan ‬ وصامويل ‬هنتغتون ‬Samuel Huntington ‬لتأكيد ‬فرضية ‬تعارض ‬الإسلام ‬مع ‬القيم ‬الديمقراطية، ‬ومن ‬ثمة ‬استحالة ‬دمقرطة ‬المجتمعات ‬العربية ‬و ‬الإسلامية.‬
غير ‬أن ‬أحداث “‬الربيع ‬العربي” ‬والتي ‬انطلقت ‬أولى ‬شراراتها ‬من ‬تونس ‬سنة ‬2011، ‬جاءت ‬لتنسف ‬تلك ‬الفرضية ‬ولتؤكد ‬تطلع ‬الشعوب ‬العربية ‬إلى ‬التغيير ‬رغم ‬كل ‬الإكراهات، ‬وهذا ‬ما ‬عكسته ‬في ‬الحقيقة ‬مجموعة ‬من ‬الشعارات ‬السياسية ‬التي ‬رفعها ‬المحتجون ‬في ‬كل ‬من ‬تونس ‬ومصر ‬والمغرب ‬وغيرها ‬من ‬بلدان ‬الحراك. ‬ولقد ‬عكس ‬ذلك ‬بشكل ‬من ‬الأشكال ‬منسوب ‬الوعي ‬الاجتماعي ‬المتنامي ‬الذي ‬بدأ ‬يتبلور ‬بهذه ‬البلدان ‬في ‬تزامن ‬مع ‬النقلة ‬النوعية ‬التي ‬تشهدها ‬هذه ‬الشعوب ‬على ‬المستوى ‬الديمغرافي. ‬ولعل ‬ذلك ‬هو ‬ما ‬جعل ‬الأبحاث ‬في ‬العلوم ‬الاجتماعية ‬في ‬الآونة ‬الأخيرة ‬تركز ‬على " ‬الربيع ‬العربي" ‬كمعطى ‬جديد ‬لتناول ‬ودراسة ‬العالم ‬العربي ‬من ‬حيث ‬طرحها ‬لفرضيات ‬الانتقال ‬الديمقراطي ‬وإمكانية ‬بناء ‬مشروع ‬حداثي ‬بالبلدان ‬العربية.‬
لكن ‬من ‬جهة ‬مقابلة، ‬فالمسار ‬الذي ‬قطعته ‬هذه ‬الأحداث ‬وطبيعة ‬مخرجاتها ‬جعلت ‬من ‬هذا ‬الربيع ‬خريفا ‬تعمّه ‬الحروب ‬التي ‬ما ‬تزال ‬مستمرة ‬إلى ‬اليوم ‬في ‬ليبيا ‬وسوريا ‬واليمن، ‬مرورا ‬بإمساك ‬الجيش ‬بزمام ‬الأمور ‬في ‬مصر ‬بعد ‬الانقلاب ‬الذي ‬نفذته ‬المؤسسة ‬العسكرية ‬على ‬رئيس ‬محسوب ‬على ‬تيار ‬الإخوان ‬المسلمين. ‬وحتى ‬الدول ‬التي ‬نجحت ‬في ‬التعاطي ‬مع ‬الحراك ‬بطريقة ‬استراتيجية ‬يشوب ‬مسلسل ‬الإصلاحات ‬السياسية ‬والدستورية ‬بها ‬عدة ‬عراقيل ‬مرتبطة ‬بقدرة ‬الدولة ‬العميقة ‬على ‬ضبط ‬تلك ‬الإصلاحات ‬وفق ‬مقاربة ‬سلطوية ‬أفرغتها ‬من ‬حمولتها ‬الديمقراطية. ‬فإذا ‬استحضرنا ‬النموذج ‬المغربي، ‬نلاحظ ‬بأن ‬المخزن ‬كثقافة ‬وكأليات ‬للتحكم ‬ساهم ‬في ‬تدبير ‬وفرملة ‬الإصلاحات ‬المعتمدة ‬على ‬عدة ‬مستويات ‬سياسية ‬واقتصادية، ‬مما ‬أدى ‬إلى ‬مراقبة ‬مخرجاتها ‬حتى ‬لا ‬تحدث ‬تغييرا ‬يقلص ‬من ‬هيمنة ‬الدولة ‬العميقة. ‬لذا، ‬فإن ‬كيفية ‬التخلص ‬من ‬الإرث ‬المخزني ‬يُعد ‬من ‬أهم ‬الرهانات ‬التي ‬تواجه ‬مسلسل ‬الدمقرطة ‬في ‬بلد ‬مثل ‬المغرب، ‬أصبح ‬فيه ‬الشباب ‬هو ‬الفاعل ‬الرئيسي ‬في ‬جل ‬المسيرات ‬الاحتجاجية ‬على ‬أرض ‬الواقع ‬أو ‬في ‬صفحات ‬العالم ‬الافتراضي. ‬الأمر ‬الذي ‬جعل ‬هذه ‬الفئة ‬الديمغرافية ‬تلعب ‬دورا ‬تعبويا ‬نتيجة ‬لإمساكها ‬بزمام ‬وسائل ‬التواصل ‬الاجتماعي ‬أكثر ‬من ‬غيرها، ‬مع ‬ما ‬ترتب ‬عن ‬ذلك ‬من ‬تحولات ‬فيما ‬يخص ‬التمثل ‬الاجتماعي ‬للسياسة ‬والسلطة ‬والدولة.‬
يمكننا ‬القول ‬إذن، ‬أن ‬أحداث "‬الربيع ‬العربي" ‬تتمثل ‬من ‬جانبها ‬الإيجابي ‬في ‬كونها ‬فتحت ‬الباب ‬أمام ‬الشباب ‬لكي ‬يساهم ‬في ‬إعادة ‬تأسيس ‬العلاقة ‬بين ‬الدولة ‬والمجتمع ‬على ‬قيم ‬جديدة ‬أهمها ‬المحاسبة ‬والمسؤولية ‬وفق ‬تصور ‬اجتماعي ‬جديد ‬ومغاير، ‬فلم ‬يعد ‬يرى ‬في ‬هذه ‬الدولة ‬ملكا ‬تاريخيا ‬للحاكم ‬ولم ‬يعد ‬الشأن ‬العام ‬شأنا ‬خاصا ‬له، ‬ولم ‬يعد ‬الفقر ‬قدرا ‬يجب ‬على ‬المواطن ‬الإيمان ‬به. ‬بل ‬على ‬العكس ‬من ‬ذلك ‬تماما، ‬لقد ‬أصبح ‬المواطن ‬يعتبر ‬غياب ‬العدالة ‬الاجتماعية ‬وتقاعس ‬مؤسسات ‬الدولة ‬والنظام ‬السياسي ‬عن ‬أداء ‬أدوارهم، ‬من ‬أهم ‬الأسباب ‬الرئيسية ‬لأوضاعه ‬المزرية ‬التي ‬يعيشها ‬على ‬المستوى ‬السوسيواقتصادي، ‬وبات "‬الفساد" ‬عدوه ‬الأول ‬والأخير.‬
غير ‬أنه ‬أمام ‬كل ‬هذه ‬المؤشرات ‬الإيجابية، ‬يصعب ‬على ‬المحلل ‬في ‬تناوله ‬للأحداث ‬والدينامية ‬التي ‬تشهدها ‬بلدان ‬شمال ‬إفريقيا ‬والشرق ‬الأوسط ‬منذ ‬يناير ‬2011، ‬أن ‬يخوض ‬في ‬نقاش ‬حول ‬حتمية ‬الإصلاح ‬دون ‬أن ‬يسقط ‬في ‬جدلية ‬التشاؤم ‬والتفاؤل ‬في ‬نفس ‬الوقت، ‬لأن ‬أسباب ‬استمرارية ‬السلطوية ‬في ‬التجذر ‬لازالت ‬قائمة ‬بغض ‬النظر ‬عن ‬التحول ‬الحاصل ‬على ‬المستويين ‬الاجتماعي ‬والديمغرافي. ‬فارتفاع ‬نسبة ‬الأمية ‬ومحدودية ‬الوعي ‬السياسي ‬إضافة ‬إلى ‬طبيعة ‬القيم ‬الثقافية ‬المحددة ‬للعلاقات ‬والنظام ‬الاجتماعيين، ‬تعتبر ‬من ‬أبرز ‬العوامل ‬التي ‬تشرح ‬أسباب ‬تأييد ‬بعض ‬الشرائح ‬الاجتماعية ‬للأنظمة ‬السلطوية ‬وشكها ‬في ‬مصداقية ‬مطالب ‬الفئات ‬الأخرى ‬المطالبة ‬بالتغيير. ‬لهذا ‬فإن ‬التغيير ‬بهذه ‬البلدان ‬هو ‬في ‬حد ‬ذاته ‬معادلة ‬يصعب ‬فهمها ‬فضلا ‬عن ‬حلها ‬في ‬غياب ‬فهم ‬دقيق ‬ومعمق ‬لهذا ‬التناقض ‬القائم ‬بين ‬التغيير ‬والاستمرارية ‬في ‬إطار ‬المخاض ‬العسير ‬الذي ‬تمر ‬منه ‬اليوم ‬عملية ‬ولادة ‬الديمقراطية ‬ببلدان ‬شمال ‬إفريقيا ‬والشرق ‬الأوسط. ‬ويحيل ‬التلاقح ‬بين ‬هذه ‬العناصر ‬في ‬أبعاده ‬الجدلية، ‬على ‬كون ‬أهم ‬عائق ‬يقف ‬حجرة ‬عثرة ‬أمام ‬عملية ‬التحديث، ‬يتجسد ‬أساسا ‬في ‬محدودية ‬هذا ‬الحراك ‬وفي ‬نسبية ‬هذه ‬الدينامية ‬الاجتماعية ‬الملاحظة، ‬إضافة ‬إلى ‬عدم ‬قدرة ‬المجتمعات ‬على ‬إعادة ‬تنظيم ‬بنياتها ‬بشكل ‬عقلاني ‬يسمح ‬ببناء ‬مجتمع ‬مدني ‬قوي، ‬يكون ‬عبارة ‬عن ‬إطار ‬لإنتاج ‬وعي ‬ديمقراطي ‬مضاد ‬للقيم ‬السلطوية ‬التي ‬ينتجها ‬الفضاء ‬السياسي. ‬كل ‬ذلك ‬ينضاف ‬إلى ‬قدرة ‬الدولة ‬على ‬اختراق ‬المجتمع ‬عبر ‬بناء ‬مجموعة ‬من ‬الشبكات ‬الزبونية ‬التي ‬سهلت ‬عليها ‬التحكم ‬في ‬دينامية ‬هذا ‬الأخير ‬وبالتالي ‬الحد ‬من ‬التأثير ‬الاجتماعي ‬والسياسي ‬للأفعال ‬الصادرة ‬عن ‬القوى ‬الاجتماعية ‬المطالبة ‬بالتغيير.‬
إن ‬المنطق ‬الريعي ‬إلى ‬جانب ‬المقاربة ‬القمعية ‬يُعدان ‬في ‬هذا ‬الصدد ‬من ‬أهم ‬الآليات ‬التي ‬ساعدت ‬نخب ‬وأجهزة ‬الدولة ‬العميقة ‬بالعالم ‬العربي ‬على ‬ضبط ‬الحراك ‬الاجتماعي، ‬وأسهمت ‬بشكل ‬حاسم ‬في ‬تدجين ‬القوى ‬المعارضة ‬من ‬خلال ‬قدرتها ‬على ‬الالتفاف ‬على ‬مكاسب ‬الإصلاح ‬ومن ‬ثم ‬توجيهها ‬وفق ‬منطق ‬سلطوي ‬نحو ‬إعادة ‬إنتاج ‬السلطوية ‬بدل ‬الديموقراطية. ‬ولذا، ‬فإن ‬مسعى ‬الحفاظ ‬على ‬المكتسبات ‬الدستورية ‬والسياسية ‬التي ‬أتت ‬بفضل ‬حراك "‬الربيع ‬العربي" ‬ظل ‬يشكل ‬موضوع ‬انتقاد ‬لحصيلة ‬الأداء ‬الحكومي ‬في ‬هذه ‬البلدان. ‬وفي ‬المغرب ‬مثلا، ‬أصبح ‬حزب ‬العدالة ‬والتنمية ‬أمام ‬عدة ‬رهانات ‬سياسية ‬مرتبطة ‬بتأثير ‬هذه ‬الحصيلة ‬على ‬مصداقيته ‬كحزب ‬قدم ‬نفسه ‬انتخابيا ‬على ‬أنه ‬بديل ‬سياسي ‬قادر ‬على ‬تخليق ‬الحياة ‬السياسية ‬وتحقيق ‬العدالة ‬الاجتماعية، ‬لكن ‬محك ‬الممارسة ‬السياسية ‬والتسيير ‬جعله ‬يتبنى ‬مجموعة ‬من ‬الاختيارات ‬على ‬المستويين ‬السياسي ‬والاقتصادي ‬تتناقض ‬بشكل ‬كبير ‬مع ‬برنامجه ‬الانتخابي ‬الذي ‬يقوم ‬على ‬عدة ‬مرتكزات ‬أهمها ‬الإصلاح ‬والتنمية.‬
وارتباطا ‬بالحالة ‬المغربية ‬دائما، ‬فقد ‬أفرزت ‬سنوات ‬تسيير ‬حزب ‬العدالة ‬والتنمية ‬للشأن ‬العام ‬عدة ‬نتائج ‬أهمها ‬بروز ‬صراع ‬غير ‬مباشر ‬وضمني ‬مع ‬الدولة ‬العميقة، ‬وبالأخص ‬منذ ‬ما ‬عرف ‬ب "‬البلوكاج" ‬الحكومي ‬سنة ‬2016، ‬حيث ‬انتقل ‬بعض ‬زعماء ‬هذا ‬الحزب ‬وعلى ‬رأسهم ‬عبد ‬الإله ‬بنكيران ‬في ‬خطابتهم ‬السياسية ‬إلى ‬إبراز ‬أوجه ‬هذا ‬الصراع ‬من ‬خلال ‬التأكيد ‬على ‬وجود ‬مخطط ‬لإضعاف ‬الحزب ‬والقضاء ‬عليه ‬سياسيا. ‬ولذلك ‬فإن ‬التحول ‬الحاصل ‬على ‬مستوى ‬العلاقة ‬القائمة ‬بين ‬إسلاميي ‬العدالة ‬والتنمية، ‬ثم ‬نخب ‬وأجهزة ‬الدولة ‬العميقة/‬المخزنية ‬يترجم ‬بنحو ‬ما ‬أهميةَ ‬ذلك ‬التنافس ‬غير ‬المعلن ‬حول ‬موارد ‬السلطة ‬بين ‬الطرفين، ‬ويعبر ‬في ‬المقابل ‬عن ‬عدم ‬نجاح ‬الإسلاميين ‬في ‬كسب ‬ثقة ‬الدولة ‬العميقة ‬التي ‬تشك ‬في ‬مصداقية ‬خطابهم ‬ونواياهم ‬السياسية. ‬هذا ‬المعطى ‬في ‬الواقع، ‬يبقى ‬دائم ‬الحضور ‬في ‬العلاقة ‬القائمة ‬بينهما ‬وبالأخص ‬منذ ‬أن ‬أصبح ‬أعضاء ‬الحزب ‬يوظفون ‬انتصارهم ‬الانتخابي ‬كمورد ‬سياسي ‬يقوي ‬نفوذهم ‬داخل ‬المؤسسات ‬السياسية، ‬وهذا ‬بالضبط ‬ما ‬يذكرنا ‬ولو ‬بشكل ‬نسبي ‬بتجربة ‬جماعة ‬الإخوان ‬المسلمين ‬في ‬مصر، ‬حين ‬قامت ‬هذه ‬الأخيرة ‬باستثمار ‬فوزها ‬الانتخابي ‬بطريقة ‬جعلتها ‬تدخل ‬في ‬صدام ‬سياسي ‬مع ‬مؤسسة ‬الجيش، ‬التي ‬ظلت ‬تعتبر ‬نفسها ‬هي ‬الفاعل ‬والممثل ‬الرئيسي ‬للإرادة ‬الوطنية ‬مند ‬الانقلاب ‬العسكري ‬لسنة ‬1952.‬
إن ‬أحد ‬أهم ‬خصوصيات ‬الظاهرة ‬السلطوية ‬في ‬مصر ‬هي ‬تحكم ‬الجيش ‬في ‬قواعد ‬اللعبة ‬السياسية ‬والسيطرة ‬على ‬دواليب ‬القطاع ‬الاقتصادي، ‬وهو ‬ما ‬سهل ‬على ‬المؤسسة ‬العسكرية ‬ضمان ‬نفوذها ‬السياسي. ‬وفي ‬هذا ‬السياق ‬يشكل ‬اسلوب ‬الرئيس ‬السيسي ‬في ‬الحكم ‬بدولة ‬مصر، ‬ترجمةً ‬حرفية ‬للهيمنة ‬السلطوية ‬لهذه ‬المؤسسة ‬على ‬مفاصل ‬الدولة، ‬والأكثر ‬من ‬ذلك ‬هو ‬أنها ‬مؤسسة ‬لا ‬تقبل ‬إطلاقا ‬بوجود ‬فاعلين ‬سياسيين ‬أخرين ‬ينافسونها ‬في ‬المشروعية ‬التاريخية ‬المكتسبة ‬منذ ‬الفترة ‬الناصرية ‬وإلى ‬اليوم.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.