شبيبة التجمع تنبه: تجار الانتخابات ومحترفو ترويج التضليل والتهييج مسؤولون عن أحداث العنف    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأخضر    ركلة جزاء تنقذ المغرب الفاسي أمام الرجاء    وزارة التربية توجه نحو منع خروج التلاميذ من المؤسسات في فترات الراحة        الاتفاق الفلاحي المعدل مع الاتحاد الأوروبي يوطد الشراكة الأوروبية-المغربية المبنية على القانون والوضوح (جامعي)    حماس توافق على إطلاق جميع الأسرى ضمن اتفاق شامل يوقف الحرب ويمهّد لمرحلة انتقالية في غزة    إيداع المتورطين في أحداث التخريب وإضرام النار والسرقة بسلا السجن.. والأبحاث متواصلة لتوقيف باقي المشاركين                                        توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    المغرب-ألمانيا .. الاتحاد الفدرالي الألماني للمقاولات الصغرى والمتوسطة يفتتح مكتبه بالرباط    فرقة مسرح الحال تقدم مسرحيتها الجديدة "لا فاش" بمسرح محمد 5 بالرباط    فقدان حاسة الشم بعد التعافي من كورونا قد يستمر مدى الحياة (دراسة أمريكية)    أمير المؤمنين يترأس حفلا دينيا إحياء للذكرى السابعة والعشرين لوفاة جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني    شباب جيل Z يخرجون بزي أسود في مظاهرات احتجاجية جديدة الجمعة حدادا على المصابين والأموات    تجسيداً لانفتاح المغرب على القضايا العالمية..محمد أوجار يشارك في مؤتمر السلام بالصين    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يعزز حضوره في القمة العالمية للهيدروجين الأخضر ويدعم الرؤية الطاقية للمملكة    المجموعة الموسيقية المغربية «إيغوليدن» تطلق ألبومها الجديد «أمزروي»    مهرجان مراكش للأفلام القصيرة: تتويج (Milk Brothers) بجائزة أفضل فيلم    أفلام وحكام مسابقات الدورة 11 لمهرجان ابن جرير للسينما    مديرية الضرائب بالمغرب تطوق آلاف الشركات "النائمة" بإشعارات مباغتة    مهرجان الفيلم المغاربي بوجدة: "من شاشة السينما تبنى الجسور وتروى القضايا" عنوان ندوة محورية    إلغاء حفلات وتوقف إصدارات .. احتجاجات "جيل زد" تربك المشهد الفني    احتجاجات "جيل زد" تحدد أولويات جديدة بين وزير الصحة والنقابات القطاعية    مهرجان السينما في هولندا يكرّم ناجي العلي وينتصر لذاكرة شعوب المنطقة    علماء يجددون توصيتهم بالتقليل من اللحوم في النظام الغذائي    تصفيات كأس العالم.. بيلينغهام يغيب مجددا عن قائمة إنجلترا لمواجهة منتخب بلاد الغال    صافرة تمسماني تضبط مباراة الرجاء والمغرب الفاسي    "همم" تطالب بتحقيق عاجل حول مقتل ثلاثة مواطنين بالرصاص في القليعة    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يدعو لضمان الحق في التظاهر السلمي ويطالب بالتحقيق في أحداث القليعة        المقاولات المغربية الأكثر تعرضا للهجمات الإلكترونية في إفريقيا حسب "كاسبرسكي"    حركة "genz212" تدعو إلى حملة تنظيف يوم السبت تعبيرا عن السلمية وتحمل المسؤولية    بعد رد الفيفا.. اليويفا يوضح موقفه من تعليق عضوية إسرائيل    بطولة إيطاليا: اختبار ناري جديد لميلان في ضيافة غريمه يوفنتوس    اللجنة الوطنية للاستثمارات تصادق على 12 مشروعا بأزيد من 45 مليار درهم        قبضة الأمن تضع حداً للشغب وتلاحق المتورطين    من التضليل إلى الاختراق.. أبعاد الحرب الإلكترونية على المغرب    الإعصار بوالوي في فيتنام يخلف أضراراً مادية وبشرية كبيرة    حمد الله يعود إلى قائمة المنتخب    حمية الفواكه والخضراوات والمكسرات "قد تمنع" ملايين الوفيات عالميا        وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    ارتفاع ضغط الدم يعرض عيون المصابين إلى الأذى    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السعودية في قبضة الدّعاة!
نشر في لكم يوم 18 - 03 - 2012

وأنا، على غير عادتي، أنصت هذه الأيام إلى عدد من الدّعاة والوعاظ السعوديين وأشاهد بعض البرامج الدينية السعودية، خرجتُ بخلاصة أولى. وهي أن الغوغائية الدينية تعتمد تقريباً أو دائماً على نفس التكتيك الدّعوي، منذ قرون مضت وإلى غاية اليوم. إذ انها لا تتردّد في استغلال فرصة وجود ملك نافذ هنا أو أمير طموح هناك، به تستقوي وبها يستغلب. ليس لها من برنامج غير «الحرب المقدسة»، بالسيف أو باللسان وهو أضعف الإيمان، ضدّ من؟ ضدّ المثقفين، وضدّ النساء، وضدّ الأقليات. وليس لها من وسيلة غير تجييش الشعوب وتهييج الجموع واستلاب وعي الناس لغاية تبديد طاقاتهم في غزوات غوغائية على الثالوث المحرّم : العقل (الفلسفة) والمرأة (الحريم) والأقليات (أهل الذمة). إنه الثالوث المحرَّم نفسه والكهنوت المحرِم نفسه والجهلوت المستفحل نفسه، باختلاف الأسماء وتطابق السمات، منذ الانغلاق اللاّهوتي الذي أحدثه الخليفة العباسي المتوكل بتعاون مع إمام العوام ابن حنبل.
هذا بالتمام وبالكمال، هو المجهود نفسه الذي تبذله اليوم كل من الغوغائية الإسلاموية في علاقتها مع الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والغوغائية السلفية وهي تحاول استغلال العلاقة مع ولي العهد السعودي نايف بن عبد العزيز، الذي تصفه بعض الدوائر الإعلامية بأنه من أبرز صقور التشدد الوهابي داخل ما يعرف بالأمراء السديريين.
وأنا أستمع إلى عدد من رجال الدين السعوديين، خرجت بخلاصة ثانية. وهي أن الغوغائية الدينية تقذف بالإنسان المسلم في جحيم من الحيطة والحذر والخوف والتوجس من كل شيء؛ من الفلسفة أن يغريه كفرها، ومن المرأة أن يغويه سحرها، ومن الشيعة أن يزعزعوا عقيدته، ومن الأقليات أن يوالوا أعداءه ويعادوا أولياءه، ومن السفارات والسياح وحتى من عابري السبيل أو عابري الثقافات. بل، يتوجب عليه أن يجتنب طوال الوقت معاشرة الليبراليين، وأن يتبرأ كل يوم من العلمانيين، وأن يتوجس باستمرار من وجود مؤامرات تُحاك ضده، وأن يحذر على الدوام من تلبيسات إبليس ومكائد النساء وطلائع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عساه ينجو في الدنيا والآخرة إن هو استطاع إلى النجاة سبيلا. وبهذا النحو، ينشأ مناخ عام من العصاب الوسواسي، الذي هو المناخ المسؤول في الأخير عن إنتاج الإرهابيين والمتطرفين.
دعونا نعترف بأن الذين يفجرون أنفسهم اليوم في المزارات والأضرحة الشيعية بالعراق، أو داخل بعض المواقع السياحية في آسيا أو غيرها، أو حتى الذين فعلوها سابقا في حي مانهاتن في نيويورك، ليسوا في آخر التحليل سوى ثمار مرة لخطاب ديني غوغائي يجعل المسلم يشعر كأنه يعيش وسط جحيم لا يطاق من الأعداء الحاقدين عليه، ومن الخصوم المتآمرين ضده.
وأنا أستمع إلى عدد من رجال الدين السعوديين، خرجت بخلاصة ثالثة. إذ ظننت - وبعض الظن إثم - أن المسلمين قد توقفوا فجأة عن القيام بأي إرهاب ديني أو عنف عقائدي أو جريمة بتفويض إلهي. لكننا، بعد أن نجونا من آفة الإرهاب (والحمد لله !) أصبحنا نواجه موجة تسونامي إلحادية تضرب العالم الإسلامي طولا وعرضاً، وتجتاح أرض المملكة العربية السعودية، ولعلها بلغت منطقة الحرمين، كما يردد الكثير من الدعاة التلفزيين والوعاظ الاستعراضيين.
يحاول هذا الخطاب، بنحو ماكر وأرعن أيضاً، أن يُحرج السلطات المدنية في السعودية - كما يفعل مع سائر ملوك وروؤساء العالم الإسلامي- بادعاء وجود حالات ردة بلا وازع ولا رادع. ويحاول أن يقنع الجميع بأن الإرهاب الذي خرج بعضه من أرض الحرمين قد مات ميتة الجاهلية. ومن ثمة لا ضرورة ولا مشروعية لأي حديث عن الإصلاح الديني أو اللاهوتي. والنتيجة، لا حاجة إلى مواجهة المتشددين في الدين، لكن كل الحاجة إلى مواجهة المتشككين في الدين. وهو ما يستدعي شحذ سيوف التكفير مجدّداً، وإطلاق ألسنة الدعاة بلا حسيب ولا رقيب.
المشكلة، أن هذا الخطاب، يحاول أن يوهمنا بأن وجود آلاف من الدّعاة والوعاظ والخطباء، ومعهم آلاف من أعضاء لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، موزعين في شتى مناطق وربوع المملكة، هو عدد لا يكفي في مواجهة تسونامي الإلحاد الذي يضرب الأراضي المقدسة، وأننا سنحتاج إلى مضاعفة العدد، حتى لو صار لدينا واعظ ومطاوع على رأس كل مواطن ! أي نعم، لعله منتهى العبث والاستخفاف بالألباب. بل هو الغثاء الأحوى.
دعنا نقُلها: السعودية، باعتبارها أضخم آلة لإنتاج الخطاب الديني الإسلامي، هي الآن أمام مفترق طرق حاسم. إما أن تستمر في إنتاج خطاب إسلامي ينجب مسلمين خانعين خائفين متواكلين متوجسين من الآخر ومن المختلف دينياً وجنسياً وفكرياً، وليكن بعدها ما يكون من نتائج يتكفل بها الأمن الداخلي أو قوات المارينز؛ وإما أن تتحول إلى إنتاج خطاب ديني جديد، يكون قادراً على إنجاب مسلم طموح، مبدع، مسؤول، متصالح مع عصره، يعيش القرن الواحد والعشرين بثقة في الذات ورغبة في الرقي والإبداع، ومن دون خوف وبلا توجس. بالمختصر المفيد، على مملكة الدعاة أن تحسم اختيارها بين إسلام العجائز والعبيد والأموات، وبين إسلام الأحرار والطموح وإرادة الحياة.
هنا يكون لما يسمى بالتيار الليبرالي في السعودية دور كبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.