انفض مؤتمر حزب "الاستقلال" كما عقد دون أن يكون له اي أثر. اكثر من خمسة آلاف مؤتمر تم استدعائهم من جميع أنحاء المغرب للاجتماع طيلة ثلاثة أيام من أجل ماذا؟ من أجل التصيف لخطاب "الزعيم"، والمصادقة على تقارير مآلها سلة المهملات، والاستماع إلى تلاوة رسالة الولاء والإخلاص... أما البيعة الكبيرة ل"الزعيم" الجديد فلم تتحقق لأن "فيلة" الحزب لم تتوافق على اسم "الخليفة" الذي سيحظى بالطاعة والولاء من قبل الأتباع لما هو مقبل من الأيام... لقد كشف المؤتمر الأخير لأحد أقدم الأحزاب المغربية التي ظلت تؤثث مشهدا سياسيا حزبيا مختلا، عن الوجه الآخر والحقيقي للحزب الذي يقدم نفسه كوصي على توزيع صكوك "الوطنية" و"الديمقراطية"، عندما اكتشف المتتبعون بل وحتى المؤتمرون الذين غالبا ما يساقون مثل "قطيع" للمباركة والتزكية والتصفيق... أن حزبهم لا يحمل من الوطنية إلا ما تدره هذه الصفة من مصالح على الأسر المتنفذة في زمام الحزب ومن يتشبثون ويتمسحون بتلابيبهم من أجل منصب أو موقع أو منفعة... ولا يمت للديمقراطية بصلة إلا ما يجعلها يافطة تعلق على الواجهة الخارجية لبناياته، ومادة للتسويق والاستهلاك الخارجي. فخلال أكثر من خمسة وستين سنة ونيف لم يعرف هذا الحزب أكثر من أربعة "زعماء" بمن فيهم رئيسه المؤسس، ظلوا يديرون الحزب مثل مؤسسة عائلية تصف كل معارض بالعاق وسرعان ما تطرده أو تعاقبه حتى يتراجع عن "تطاوله"، أو تقتله قتلا معنويا... حزب مبني على شكل "مَجْمعٍ" مذهبي مغلق، القرار فيه ل "الزعيم" والمرجعية فيه ل "مجلس الرآسة" الذي يشبه "مجلس العائلة" في البنيات الاسرية البطريركية التقليدية، والسلطة الحقيقية فيه للمفتشين الذين يقومون بدور المراقبين الذين يحصون الأنفاس يزكون ويعاقبون ويطردون... فالمفتش في حزب "الاستقلال" يبقى هو "مفتاح" سر هذا الحزب، يزكي المؤتمرين ويختارهم، وتحت مراقبته وإشرافه يتم انتقاء أعضاء "المجلس الوطني للحزب" الذي يعد بمثابة "برلمان الحزب" وذلك حسب "كوطة" محددة سلفا ومعايير تعطي الأسبقية للوزراء والنواب البرلمانيين والأعيان وبعد ذلك لأصحاب التزكيات والولاءات والخدمات... لذلك فعندما يعقد المؤتمر لا يكون هو سيد نفسه، كما يفترض أن يكون، وإنما يعقد لتزكية اختيار المفتشين، وكلهم موظفون متفرغون يتقاضون رواتب مقطوعة وتعويضات مستحقة حسب درجة الولاء ونسب القرب وعلاقات الدم والخدمة والمصلحة، من ميزانية الحزب وأغلب مواردها من خزينة الدولة أي من اموال دافعي الضرائب. لذلك، عندما طرح حميد شباط ترشيحه للأمانة العامة للحزب بدون الحصول على تزكية المراجع وخارج توافقات الأسر المتنفذة، وبعيدا عن رقابة سلطة المفتشين، كان مثل الابن بالتبني العاق الذي يعض اليد الذي مدت إليه.. ربته وحمته حتى ترعرع وشب وتقوى عوده فاراد شق عصا الطاعة عليها، وهذا ما لن تغفره له "المراجع"، وهو ما سيؤدي ثمنه عاجلا أم آجلا عندما تعقد التوافقات ويحسم في الاختيارات بعيدا عن صراخ المصفقين وجلبة المهيجين... ما وقع خلال المؤتمر الأخير لحزب "الاستقلال"، يمكن تلخيصه في ثنائية الصراع ما بين نفوذ الأسرة الحاكمة والمتحكمة، وجلبة البلطجية التي تريد إفساد العرس بعد أن فتح لها باب الضيافة لتأثيت المكان مقابل الخدمة ولولاء والطاعة... والتحكم في الأخير سيعود لأهل البيت عندما تهدأ الجلبة وينصرف الضيوف ويحكم إغلاق أبواب القلعة في انتظار ان يرتفع الدخان الأبيض معلنا عن ميلاد "الزعيم" الجديد الذي لن ينتظر من الأتباع سوى التبجيل والتقديس...