لاتنتظر أية مفاجأة، هذا إشعار صغير من كل التجارب التي تمر منها، ومن الأفضل أن تكون تجارب صعبة، وإن كانت قاسية فأنت إنسان جد محظوظ، لأنها ستقدم لك خدمات العمر، وستعرف بعد عمر طويل أنك ربحت أكثر مما خسرت. يبدو أن الكثيرين متشبتون بالأمل ، ينتظرون الفرصة، وهناك من يسميها خطأ أو جهلا بفرصة العمر، لكن بعد مرور ردح من العمر يكتشف أن الفرص كثيرة للموت، والمرض والعداوات، والخصامات، فيسأل نفسه بغباء كبير بصوت خفيت قائلا : هل خُلِقْتُ في هذه الحياة من أجل هذه الفزعات وحدها ؟ ألا يوجد شي آخر في ركن ما من هذا العالم يمكنه أن يُسكِرني ويجعلني مختلفا ومرحا ؟ هاهو يسأل عن منطقة آمنة، مريحة فيها نوع من الاستقرار، من يدري ربما يبحث عن شجرة يستظل بها من عقوبات الطبيعة، هل سينعم بهذه الفرصة التاريخية على حد فهمه الكبير؟ الاستقرار الذي يبحث عنه الجميع هل يكفي ؟ يكفي في ماذا ؟ ثمة شي خفي يظل يجرنا إلى الخلف، لكننا نقاوم وهذه ميزة الإنسان الباحث عن المجد، إنه يكافئ نفسه عن الأعطاب التي سيتركها وراءه للأجيال القادمة. يالها من مفاجأة ؟ هل يمكننا وصفها أو بالتالي يمكننا الحديث عنها ؟ هنا مربط الفرس، لأننا نظل ندور في حلقة مفرغة ونحن بعلمنا الفائق نعتقد اعتقادا راسخا أننا بلغنا الذروة، وفي لحظة نكتشف شيئا جديدا وقد يبدو لنا غريبا مرة أخرى إسمه الحقيقة، فنشعر بالغربة وقد يصل بنا الحال إلى الصمت المطبق، هذا الصمت ماهو إلا نوع من الخوف، الخوف من ماذا ؟ لايحتاج الأمر إلى توضيح إنه الإحساس بالعجز. لقد وُصِفَ الإنسان بأوصاف بالغة، حتى بلغت به درجة صانع المعجزات، ومنذ ظهوره على شكل صورة إنسان عاري من كل شيء وهو يضرب في الأرض ضربا، ويشق البحر شقا، وفي لحظة تفوق على الطبيعة صعد إلى السماء، ياللمفاجأة السارة، العالم بأسره يتحدث عن انتصار الإنسان، ماأروع هذا الخبر، لكن السؤال : انتصر الإنسان عن ماذا ؟ الجواب قد يبدو بسيطا في ظاهره، لكن ثمة شيء ما يدعو للقلق عندما نحاول أن نقدم الإنسان أنه مخلوق أكثر من الإنسان، فهل نستطيع ؟ لايبدو في الوقت القريب أن الإنسان تعلم من دروس الماضي، إنه في كل مرة يصاب بمرض فتاك كالطاعون، أو يصاب بخيبة أمل في العثور عن عدو حقيقي، أو يعجز كل العجز عن خلق أو صناعة إنسان يشبهه، إلا واعتبر الأمر سوء الحظ ، أو مجرد وقوع في خطيئة، أوفي كثير من الأحيان يعتبر الأمر نزلة برد، سيخف منها بعد أيام قليلة، وأنه سيكون الفائز لامحالة في المرة القادمة. في المرة القادمة وهو يتهيأ لإخراج خطاطة اكتشافاته العظيمة سيباغثه الموت فجأة وستكون أعظم مكافأة في مسيرته الطويلة. كاتب وناقد مغربي