إنفانتينو يشيد بتطور منظومة الكرة المغربية    نفاد تذاكر مباراة المغرب وموزمبيق الودية بطنجة قبل أيام من انطلاقها    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    الشرع يصل إلى أمريكا في زيارة رسمية    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    مونت-لا-جولي.. مغاربة فرنسا يحتفلون في أجواء من البهجة بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنخطاب: الدولة اعتمدت الأسلوب التقليدي في التعامل مع المخاطر بتركيز سلطاتها الشامل والمكثف بين يديها
نشر في لكم يوم 14 - 06 - 2020

قال عبد الحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال بالرباط، إن الدولة لجأت خلال أزمة "كورونا" إلى "أسلوبها التقليدي في التعامل السريع مع المخاطر، الذي يرتكز على استعمال سلطاتها التنظيمية والأمنية بشكل مكثف وشامل".
ورد بنخطاب، وهو أيضا "رئيس الجمعية المغربية للعلوم السياسية"، في حوار مع موقع "لكم" عن أن من ينفوا وجود شيء اسمه "حالة طوارئ صحية" بأنهم يقرؤون "قراءة نصية جامدة للمقتضيات الدستورية لعدة أسباب، منها قاعدة قانونية تقضي بجواز كل ما هو غير ممنوع صراحة. وأنه ليس هناك ما يفيد في الدستور أيضا منع الحكومة من التدخل لحماية الصحية العامة والأمن العام".

وقال بنخطاب، إن المؤسسات الدستورية، التي لم نسمع عنها كثيرا خلال فترة الحجر الصحي، مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، ومجلس المنافسة، ومؤسسة الوسيط وغيرها من المؤسسات الدستورية ، مازالت تمتلك اختصاصات محاسبة وتقييم عمل الحكومة بما أننا ما زلنا لم نخرج من زمن الجائحة.
وبخصوص تقييمه لأداء البرلمان في ممارسة الرقابة على الحكومة وفي التشريع خلال الشهور الثلاثة الماضية، أكد بنخطاب أن " أداء البرلمان كان ضعيفا جدا في ممارسته للرقابة على الحكومة خلال الجائحة، بالنظر لغياب النقاش العمومي عن ردهاته و اقتصار النواب، بمن فيهم نواب المعارضة من ترديد نفس الشعارات المتعلقة بأولوية مكافحة الجائحة وثانوية النقاش العمومي المتعلق بالحريات العامة و بحقوق الإنسان و البحث عن سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية التي خلفها الوباء و الضغط على الحكومة قصد التعجيل برفع الحجر الصحي الذي عمق الفوارق الاجتماعية و كرس عزلة الفئات الهشة".
وشدد بنخطاب على أن دعوات تشكل حكومة إنقاذ وطني أو حكومة وحدة وطنية بعد أزمة كورونا ، "تستبطن خبثا سياسيا واضحا، بالنظر إلى أن تشكيل الحكومة في الأنظمة الديمقراطية يظل رهينا بنتائج الانتخابات التشريعية، التي تفرز أغلبية برلمانية، تفرز بدورها حكومة منسجمة أو تحالفا حكوميا بين الأحزاب الحاصلة على أغلبية المقاعد".
وزاد موضحا: "الدعوة لتشكيل حكومة إنقاذ وطني ليست إلا دعوة لإنقاذ الأحزاب المنادية بها لا غير، بالنظر لغياب السند القانوني والسياسي والأخلاقي الذي ترتكز عليه، في ظل التشرذم و الشرود الحاصل في صفوف أحزاب المعارضة الذي يقوي الحزب الذي يقود الأغلبية أكثر مما يضعفه".
وجوابا عن سؤال حول إمكانية تأخير انتخابات 2021، يميل بنخطاب أستاذ العلوم السياسية إلى "المحافظة على توقيت الانتخابات، لأن انتظامها شرط من شروط الديمقراطية و فرض من فروض الاستقرار السياسي و المؤسساتي ببلدنا. بطبيعة الحال يتوقف ذلك على تراجع خطر انتشار الوباء وسلامة المواطنين و أعوان الدولة".
وفي ما يلي نص الحوار:
عند بداية أزمة كورونا، كان أول قرار اتخذته الحكومة هو إصدار قانون أعلنت بواسطته حالة الطوارئ الصحية، لكن هذا القانون شابته عدة عيوب، أولها عدم دستوريته، لأنه صدر على شكل بلاغ، قبل أن تلجأ الحكومة إلى تصحيح خطئها.. كيف تابعت ذلك بصفتك أستاذا للقانون الدستوري؟
ما وقع هو أن الدولة المغربية مثلها مثل جميع دول العالم، كان عليها مواجهة فيروس كورونا دون أن تكون لديها أدنى فكرة عن مدى انتشاره وفتكه وعن آثاره السوسيو اقتصادية القريبة و البعيدة المدى. وبمجرد تيقنها من خطورته الداهمة قررت التعامل معه بسرعة و بأقل كلفة مسطرية وزمنية ممكنة. لذلك التجأت إلى أسلوبها التقليدي في التعامل السريع مع المخاطر، الذي يرتكز على استعمال سلطاتها التنظيمية والأمنية بشكل مكثف وشامل.
وتشكل وزارة الداخلية في هذا الباب الفاعل الأساسي ، بحكم تجربتها وإمكانياتها البشرية والتقنية وبحكم انتشارها وضبطها لمجمل التراب الوطني، الفاعل المؤسساتي الرئيسي. مما طرح إشكالية السند القانوني الذي اعتمدته الحكومة لإعلان حالة الطوارئ الصحية بالمغرب، يوم الجمعة 20 مارس. خصوصا وأن بلاغ وزارة الداخلية في إبانه لم يقدم أي سند دستوري ولا قانوني واضح لهذا القرار، مكتفيا بالتأكيد على أن الأمر يتعلق بحالة طوارئ صحية لا غير.
كما هو معلوم لا يوجد في الدستور شيء اسمه "حالة طوارئ صحية"، أليس هذا في حد ذاته "تجاوزا" للدستور؟ وهل تطرح تجربة هذه الأزمة مراجعة مستقبلية للنص الدستوري حتى يستشرف التطورات التي قد تفرض اللجوء إلى "حالات استثناء" قانونية؟
هذه قراءة نصية جامدة للمقتضيات الدستورية لعدة أسباب : أولا لأن هناك قاعدة قانونية تقضي بجواز كل ما هو غير ممنوع صراحة. و من ثم ليس هناك ما يفيد في الدستور أيضا منع الحكومة من التدخل لحماية الصحية العامة والأمن العام، حتى وإن كان ذلك غير منصوص عليه حرفيا؛ ثانيا لا يجب قراءة الدستور كفصول منفصلة بعضها عن البعض، بل يتوجب تأويله إنطلاقا من كونه وثيقة تحمل مضامين مترابطة ومكملة لبعضها البعض، تشكل وحدة قانونية غير قابلة للتجزيء. ثالثا: إذا كان السند الدستوري لإعلان حالة الطوارئ الصحية لا يوجد صراحة في الفصلين 49 و 74، لأنهما يؤطران في الأصل حالة الحصار، فإنه موجود في المقتضيات الفصول التالية:20 (الحق في الحياة) و 21 ( الحق في السلامة البدنية وحماية الممتلكات) و 31 ( الحق في العلاج و العناية الصحية) و 35 ( الرعاية الخاصة للفئات الهشة) و 40 ( تحمل الجميع للأعباء الناتجة عن الآفات والكوارث الطبيعية) و 72 ( يختص المجال التنظيمي بكل ما لا يشمله اختصاص القانون ، مثل تدبير الكوارث الطبيعية و الصحية) و 92 ( تداول مجلس الحكومة في القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان و بالنظام العام) و 145 و 146 ( تنفيذ الولاة و العمال للنصوص التنظيمية ولمقررات الحكومة). وهي كلها مقتضيات يستفاد منها التدخل الدائم للسلطات العمومية، ضمن ما تقتضيه ضرورة استمرارية الأمن العام و السلامة الصحية للمواطنين في الأوقات العادية، فما بالك بالأوقات الاستثنائية، التي تستوجب تدخلها المباشر والممتد.
مرسوم القانون، الذي أٌعلنت بواسطته حالة الطوارئ، وضع جل الاختصاصات في يد الجهاز التنفيذي، بما فيها تعطيل بعض الحقوق الدستورية لضرورة حماية حياة الناس، مثل الحق في التنقل والحق في التجمهر.. كيف تابعت الأداء الحكومي خلال هذه الفترة وإلى أي حد احترمت السلطة التنفيذية الدستور خلال ممارستها لمهامها بمقتضى القانون الجديد؟
صحيح أن فرض حالة الطوارئ و بعدها الحجر الصحي ، ثم تمديده مرتين متتاليتين يطرح إشكالية التضييق على العديد من الحقوق الأساسية للمواطنين، التي تكفلها لهم المواثيق الدولية و الوثيقة الدستورية. و هو تضييق، و إن كان له ما يبرره من الناحية القانونية بالنظر لضرورة تدخل الدولة العاجل والصارم لمواجهة المخاطر الناتجة عن الجائحة والذي يقتضي التضييق على حرية التنقل و التجمهر و التنقل…، التي قد يسبب في انتشار الوباء و تقوض جهود الدولة لمكافحته، فإنه مشروط بعدة مبادئ أساسية لا يمكن إغفالها مثل: وصاية البرلمان و الطابع الاستثنائي للإجراءات المتخذة ، التي لا يجب أن تصبح دائمة، التناسب في استعمال سلطة الدولة الضبطية والزجرية مع ما يتطلبه الوضع والسياق الوبائي والاقتصادي والاجتماعي الوطني واحترام الحريات الفردية كمبدأ لا يمكن المساس به حتى في سياق الجائحة ، مما يعني حذر المؤسسات العمومية من الشطط في استعمال السلطة.
هناك مؤسسات دستورية مارست "حجرا ذاتيا" على صلاحياتها، ولم تقم بالدور الذي كان منوطا بها خلال هذه المحنة.. خذ مثالا على ذلك دور المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي غاب صوته رغم ما تم تسجيله من تجاوزات عند تنفيذ حالة الحجر الصحي، أو مجلس الجالية الذي غاب تماما عن الأنظار في الوقت الذي مازال فيه الآلاف من المواطنين المغاربة عالقين في الخارج.. دون الحديث عن أدوار مجالس دستورية مهمة مثل المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاجتماعي والاقتصادي ومجلس المنافسة.. كل هذه المجالس بدا كما لو أنها تخلت عن أدوارها خلال فترة الحجر الصحي.. أين يكمن الخلل في نظرك؟ وهل نحن في حاجة إلى إعادة النظر في أدوار بعض المجالس الدستورية أم أن الخلل يكمن في هيكلتها الحالية؟
الإشكال المطروح في هذه الحالة يتعلق بالصلاحيات الدستورية لهذه المؤسسات وهي صلاحيات تظل في الغالب استشارية و توجيهية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعوض تلك المخولة دستوريا للمؤسسات العليا للدولة مثل، البرلمان بغرفتيه والحكومة بمختلف قطاعاتها. وقد ظهر جليا خلال الجائحة كيف أن هذه المؤسسات لم تستطع بحكم الحجر الصحي المفروض و بحكم صلاحياتها الدستورية المحدودة في الاستشارة و تقديم الخبرة في المجلات الموكولة لها ثم مواكبة عمل الحكومة و البرلمان . صحيح أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان مطالب بالوقوف عند مختلف الخروقات التي تم تسجيلها في مجال حقوق الإنسان خلال تنفيذ السلطات العمومية لحالة الطوارئ ، و صحيح أن مجلس الجالية مطالب بتقديم حصيلة الخروقات التي تمت في حق المغاربة العالقين في الخارج و صحيح أيضا أن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي مطالب بتقديم حصيلة فيما يتعلق بالآثار المترتبة عن الجائحة في المجالات التي تعنى بها ، و نفس الشيء بالنسبة لمجلس المنافسة و مؤسسة الوسيط وغيرها من المؤسسات الدستورية ، غير أن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن الجائحة لا تزال منعدمة ، إذ لم نخرج بعد منها. لذلك يتوجب انتظار خروجنا منها للوقوف عند مختلف أوجه الاختلالات القانونية والمؤسساتية التي حصلت حين تنفيذ مؤسسات الدولة للإجراءات المتعلقة بحفظ الأمن العام و مكافحة الوباء … دون أن يعني ذلك أن هذه المؤسسات تمتلك اختصاصات محاسبة و تقييم عمل الحكومة التي تظل في يد الملك باعتباره رئيسا للدولة والبرلمان .
خلال فترة الحجر الصحي برز إلى السطح نقاش دستوري حول مدى دستورية مسطرة التصويت على القانون الذي يقضي بالمصادقة على مرسوم بقانون يتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، ووصل صدى هذا النقاش إلى "المحكمة الدستورية" التي أجازته، ما هي قراءتك لهذا القانون؟ ولقرار المحكمة الدستورية؟
من الناحية القانونية/ الدستورية الصرفة ليس هناك ما يمنع الحكومة من رفع سقف الاقتراض الخارجي عبر مرسوم قانون، قصد تمويل العجز الحاصل في النفقات العمومية، الذي ارتفع بشكل صاروخي بفعل الآثار السلبية الحادة التي خلفتها الجائحة على المستويين الاقتصادي و الإحتماعي. حيث أن الخلاف الذي حصل يتعلق فقط بمسطرة التصويت على هذا المرسوم، الذي يحدده القانون الداخلي لمجلس النواب والذي لا يحدد وجوب عدد محدد، علما أنه حصل على أغلبية بحضور 22 نائبا فقط من أصل مصوتا 394، مما اعتبرته المعارضة ضربا لحق التصويت وخرقا لمبدأ اعتباره حقا غير قابل للتفويض. وهو بذلك نزاع ترتب عن تطبيق النظام الداخلي لمجلسي البرلمان، وعن قرار يتعلق بالسير الداخلي لهذا المجلس، مما يجعل المحكمة الدستورية غير مختصة بالنظر فيه.
قانون حالة الطوارئ لم يمنع النواب من الانتقال إلى مقر البرلمان، فهل يتحمل النواب أنفسهم مسؤولية التخلي عن دورهم الرقابي خلال فترة الحجر الصحي، كما تعود الكثير منهم أن يفعل ذلك، في الأيام العادية، من خلال الغياب الإرادي عن جلسات البرلمان واجتماعات لجانه؟
هناك إشكال حقيقي بالنظر إلى كون الدستور والقانون الداخلي لغرفتي البرلمان لم يتطرقا لمثل هذا الوضع ولإمكانية استعمال الوسائل التكنولوجية والرقمية التي من شأنها الحفاظ على السير العادي لجلسات المجلسين دون حضور النواب والمستشارين. غير أن ذلك لا يشكل إلا إجراء تقنيا داخليا للبرلمان، يتوجب أن يوفر له الإمكانيات المادية والبشرية والتقنية اللازمة. في غياب ذلك يمكن للبرلمان أن يحدد صيغة للتصويت على القوانين ومراقبة أعمال الحكومة مع الحفاظ على السلامة الصحية للنواب والمستشارين. إذ في غياب أي نص دستوري و قانون تنظيمي يحدد ذلك تظل المسألة من اختصاص البرلمان، الذي يفترض أن يقوم بواجبه التشريعي كاملا حتى في زمن الجوائح.
بشكل عام، كيف تقيم أداء البرلمان في ممارسة الرقابة على الحكومة وفي التشريع، خلال الشهور الثلاثة الماضية؟
ج- في الحقيقة كان أداء البرلمان ضعيفا جدا في ممارسته للرقابة على الحكومة خلال الجائحة ، بالنظر لغياب النقاش العمومي عن ردهاته و اقتصار النواب، بمن فيهم نواب المعارضة من ترديد نفس الشعارات المتعلقة بأولوية مكافحة الجائحة و ثانوية النقاش العمومي المتعلق بالحريات العامة و بحقوق الإنسان و البحث عن سبل الخروج من الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية التي خلفها الوباء و الضغط على الحكومة قصد التعجيل برفع الحجر الصحي الذي عمق الفوارق الاجتماعية و كرس عزلة الفئات الهشة، مثل النساء و الأرامل و أصحاب الأعمال الموسمية و العاطلين عن العمل و المرضى و أصحاب المقاولات الذاتية الصغرى ، الذين تضررت أعمالهم بشدة إلى درجة انزلاقهم إلى وضعية الهشاشة و الفقر المفرط.
هناك دعوات لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، أو حكومة وحدة وطنية ما بعد أزمة كورونا في المغرب، هل توجد لمثل هذه الدعوات أسانيد في الدستور؟
هذه دعوة تستبطن خبثا سياسيا واضحا، بالنظر إلى أن تشكيل الحكومة في الأنظمة الديمقراطية يظل رهينا بنتائج الانتخابات التشريعية، التي تفرز أغلبية برلمانية، تفرز بدورها حكومة منسجمة أو تحالفا حكوميا بين الأحزاب الحاصلة على أغلبية المقاعد. لذلك فالدعوة لتشكيل حكومة إنقاذ وطني ليست إلا دعوة لإنقاذ الأحزاب المنادية بها لا غير، بالنظر لغياب السند القانوني و السياسي و الأخلاقي الذي ترتكز عليه، خصوصا في ضوء التشرذم و الشرود الحاصل في صفوف أحزاب المعارضة الذي يقوي الحزب الذي يقود الأغلبية أكثر مما يضعفه.
ثمة من اعتبر مثل هذه الدعوات، محاولة للانقلاب على الدستور، والعودة بالبلاد إلى حكومات التكنقراط ، كيف تقرأ مثل هذه الدعوات وتزامنها مع الأزمة الحالية؟
ج- الحديث عن حكومة تكنقراطية هو أيضا ضرب من الانتهازية السياسية، التي تريد القفز عن المعطيات السياسية و المؤسساتية للمغرب. ذلك لأن الخيار الديمقراطي يظل دستوريا غير قابل للمراجعة. يعني ذلك أن المسطرة الدستورية الوحيدة الممكنة ، ضمن النسق الدستوري المغربي، هي تلك التي يحدده الفصل 47 من الدستور، أي تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها بشكل حصري. خارج هذه المسطرة الدقيقة و المغلقة ليس هناك من خيار أخر ، غير حصول أزمة مؤسساتية تستدعي حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها، مما سيعيد إنتاج نفس الخريطة السياسية أو تعديل الدستور، وهو أيضا أمر مستبعد لغياب شروطه الموضوعية.
ثمة أيضا نقاش سياسي حول دور الأحزاب السياسية أثناء فترة الحجر الصحي، البعض يشتكي من تغييبها، والبعض يتهمها بالغياب الطوعي، وفي كلتا الحالتين فإن أداء الفاعل السياسي الحزبي كان ضعيفا طيلة الفترة السابقة.. كيف تقرأ المشهد الحزبي حاليا، ومدى تأثير أداء الأحزاب خلال فترة الأزمة على دورها مستقلا؟
لا يمكن للأحزاب أن تتخطى الجائحة لأن حالة الطوارئ والحجر أصابها أيضا و حدا من نشاطها بالنظر لعدم تمكنها من التجمهر وحشد أتباعها سواء في الفضاء العمومي أو في مقراتها. و هذا ما قلص الفضاءات التي يمكن أن تنشط فيها ، حيث اقتصرت على الفضاء الرقمي و الافتراضي ، و على المؤسسة البرلمانية بحكم نشاطها المؤسساتي ضمن الأغلبية أو المعارضة. غير أن اللافت للنظر هو أن الأحزاب السياسية المغربية لم تستكمل بعد انتقالها الرقمي، بل فيها أحزاب لم تدخله بعد للرفع من ناشطيتها السياسية. كما أن الناشطية المؤسساتية لهذه الأحزاب ضمن البرلمان ( الأغلبية و المعارضة) لم تكن مرضية بحكم عدم تحقيق التحول الرقمي لمؤسسة البرلمان الذي كان من شأنه أن يوفر فضاء سياسيا ملائما لها.
ما الذي تتوقعه مستقبلا وسط أصوات تطالب بتأخير انتخابات 2021 عن موعدها؟
ذلك يتوقف على تطور الحالة الوبائية ودرجة انتشار الفيروس. غير أني أميل إلى المحافظة على توقيت الانتخابات، لأن انتظامها شرط من شروط الديمقراطية و فرض من فروض الاستقرار السياسي و المؤسساتي ببلدنا. بطبيعة الحال يتوقف ذلك على تراجع خطر انتشار الوباء و سلامة المواطنين و أعوان الدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.