التعليم والصحة/ التشغيل/ الماء.. أولويات الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية    بعد 20 سنة من النجاح.. دي جي كور يستعيد وهج "راي أند بي فيفر"    حجز كمية كبيرة من الحشيش بمدينة الحسيمة    الكوكب يحقق أول انتصار في الدوري    الجيش يتعادل مع "حوريا كوناكري"    حكيمي يدعم أشبال المغرب قبل نهائي كأس العالم للشباب    "تدبير المياه" محور المؤتمر الإفريقي السابع للهندسة القروية من 22 إلى 24 أكتوبر بفاس    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى للرباط 2025 لجولة لونجين العالمية للأبطال    لو باريسيان: بفضل مواهبه المنتشرة في كل مكان، المغرب ضمن أفضل الأمم الكروية في العالم    احتجاجات "لا ملوك" في مدن أمريكا تستقطب حشودا كبيرة للتنديد بترامب    سرقة مجوهرات "لا تقدر بثمن" من متحف اللوفر    "حماس": ملتزمون باتفاق غزة بينما إسرائيل تواصل خرقه    ندوة « إفريقيا: تحديات التنمية والأجندة الجيوسياسية»: الإرث الاستعماري بإفريقيا عمق أزماتها ورهن مستقبلها للصراعات    انطلاق الموسم الفلاحي وشبح الجفاف .. المؤشرات المائية تنذر بعام صعب    تسريب مشروع قرار الصحراء يزلزل تندوف وينهي وهم "دولة البوليساريو"    "حالة استعجال قصوى" تدفع الحكومة لمنح ترخيص استثنائي لإصلاح المستشفيات    سرقة مجوهرات في متحف اللوفر بباريس    المنتخب النسوي يواجه اسكتلندا وهايتي    إسرائيل تتهم "حماس" بانتهاك الاتفاق    ندوة «فلسطين ما بعد اتفاق السلام» : أحمد مجدلاني: خطة ترامب خطة اعتراضية لإفشال المسار الدولي الذي أعلن عنه مؤتمر نيويورك    "إجراءات مُهينة" بمطارات تركيا تدفع مغاربة إلى طلب تدخل وزارة الخارجية    "حماس" ترفض اتهامات بخرق الاتفاق    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. التاريخ في مرآة السينما ووجع المجتمع    لا شرقية ولا غربية... وإنما وسطية    سرقة مجوهرات نابوليون بونابرت وزوجته من متحف "اللوفر"    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    تقرير يضع المغرب ضمن أكثر الدول يسود فيها الغضب في العالم    كانت تحاول الهجرة إلى سبتة سباحة.. العثور على القاصر "جنات" بعد اختفائها    إطلاق خط بحري جديد لنقل البضائع بين طنجة وهويلفا    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    تأخر التساقطات المطرية يثير مخاوف الفلاحين المغاربة    5 سنوات لزعيم شبكة القروض بالجديدة .. أفرادها استغلوا هويات موظفين بالعمالة قبل حصولهم على 72 مليونا    التعاضدية العامة تعتمد برنامج عمل لتقويم الأداء والرفع من المردودية    تونس توضح حقيقة منع تصدير التمور إلى المغرب    تكريم مغربي بروح فلسطينية: نادي بالستينو بالشيلي يحتفي بالمدرب محمد وهبي قبل نهائي المونديال    جيبوتي تتخذ المغرب نموذجا في نشر القوانين وتعتبر تجربته رائدة    بعد صدور حكم بالبراءة لصالحها.. سيدة الأعمال الملقبة ب"حاكمة عين الذياب" تلجأ للقضاء الإداري للمطالبة بوقف قرار الهدم لمطعمها    حسن واكريم.. الفنان المغربي الذي دمج أحواش والجاز في نيويورك    نهائي مونديال الشيلي.. جيسيم: "عازمون على انتزاع اللقب العالمي"    نتانياهو يعلن عزمه الترشح مجددا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    الجيل الرقمي المغربي، قراءة سوسيولوجية في تحولات الحراك الإفتراضي وإستشراف مآلاته المستقبلية.    استدعاء كاتب فرع حزب فدرالية اليسار بتاونات بسبب تدوينة فايسبوكية    ارتفاع مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي ب 64 في المائة عند متم شتنبر في ميناء طانطان    باكستان/أفغانستان: اتفاق على "وقف فوري لاطلاق النار" بعد محادثات في الدوحة    "مرحبا بيك".. إينيز وريم تضعان بصمتهما الفنية في كأس العالم النسوية بالمغرب    بعد توقف ثمانية أيام.. حركة "جيل زد" تستأنف احتجاجاتها في أكثر من مدينة وسط أجواء سلمية    انتقادات تطال وزيرة المالية وسط صمت حكومي وتأخر في عرض مشروع قانون المالية على الملك    خريبكة تحتضن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمشاركة دولية ومحلية واسعة    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مَنْ سَبَقَ إلى إكتشاف العَالَمَ الجَدِيد: الفايكينغ، كُولُومْبُوس أم الفِنيقِيُّون؟!
نشر في لكم يوم 28 - 04 - 2022

يبدو أنّ العِلم قد أمكنه أن يقدّمَ الدّليلَ من جديد على أنّ أميركا لم تُكْتَشَف للمرّة الأولى من طرف المغامر الجِنْوي (نسبةً إلى مدينة جِنْوَة الإيطالية ) كريستوفر كولومبوس، على ما يظهر، بل ربّما يكون الفايكينغ Vikings قد سبقوه إلى هذا الإكتشاف، وذلك حسب ما أكّدته مؤخّراً مجموعة من العلماء الأركيولوجيّين من جامعة ميشيغان الدّولية الأميركية، الذين عثروا على آثار، وبصمات، ومُخلّفات ،وبقايا قبائل الفايكينغ جنوب جزيرة بوفين الواقعة في الجزء القطبي لكندا.
وإستناداً إلى ما نشرته مجلة أخبار العلوم الأميركية، فإنّ هذه البقايا تمّ العثور عليها ضمن عملية تنقيب طويلة إنطلقت منذ عام 1960، وبعد خمسين سنة من بدء هذه الحفريات، أمكن للباحثين العثور على أواني، وعلى أوعية لصهر البرونز، ويعود تاريخ هذه الموجودات إلى القرنين الثامن، والرابع عشر الميلادي، ممّا يرجّح أو يثبت من جديد أنّ شعوبَ الشّمال الشّرسة هذه ربما تكون قد وصلت إلى القارة الأميركية قبل وصول كريستوفر كولومبوس إليها، أو إكتشافه لها.
ومن الموجودات التي تكتسي أهميةً، بخاصّة التي تمّ العثور عليها، أوعية من حجر بداخلها بقايا شظايا صغيرة من البرونز والزجاج، ربما تكون قد إستُعملت لتذويب وصهر أسلحة أو حِليّ أوأدوات الزينة العائدة لشعوب الفايكينغ القديمة، علماً أنّ الشعوب الأصلية في أميركا الشمالية لم تكن تمارس عمليات صهر المعادن بَعْدُ في ذلك الحين. ويشير العلماء الأركيولوجيّون المشرفون على هذا المشروع أن هذه الموجودات، والأدوات، التي تمّ العثور عليها، ذات صلة وثقى بقبائل الفايكينغ، لأنّ شعوبها إستعملت أواني وأوعية شبيهة إلى حدّ كبير بتلك التي عُثِر عليها في كندا، بل إنّ العلماء وجدوا أوعية مطابقة تماماً لها في أوسلو.
قبل كولومبُوس كان هناك الفايكينغ !
هذه الموجودات، أوالإكتشافات جعلت بعضَ العلماء والمؤرّخين يتشكّكون ويرجّحون أنّ قبائلَ الفايكينغ الإسكندنافيين، هم أوّلُ الأوروبييّن قبل كولومبوس، الذين وصلوا إلى القارّة الجديدة، أو العالم الجديد، أو إسبانيا الجديدة كما أطلق عليها الإسبان والتي سمّيت في ما بعد ب أميركا، على إسم واضع أوّل خريطة لهذه القارة، وهو الإيطالي Amerigo Vespucci أميركو فيسبوتشي.
وللأستدلال على أنّه كانت هناك إتّصالات بين الفراعنة وسكّان أميركا اللاتينية قام العالم السّويدي تول هايير داليدا Toll Hoyer Da lida، في الستينيات من القرن المنصرم بمغامرة على متن مركبٍ مصنوعٍ من وَرَق البَردي Papyrus، الذي أنطلق به عام 1969من سواحل مدينة آسفي المغربية نحو شطآن أميركا اللاتينية، وقطع المحيط بالفعل إلى أميركا، وبرهن بذلك أنّ قدماء المصرييّن ربما ذهبوا كذلك إلى أميركا!
ويحدّثنا العالم السّبتي المغربي الشريف الإدريسي ولد 1099 – وتوفّي 1160 صاحب نُزهة المشتاق فى إختراق الآفاق في كتابه الممالك والمسالك عن الفتية المغرورين من الغُرّة وليس من الغرور الذين ركبوا بحرَ الظلمات المحيط الأطلسي ليعرفوا حدودَه ويكتشفوا غرائبَه… أين وصلوا…؟ ناهيك عن المؤرّخ أبو الحسن المسعودي 871 – 957، الذي جاء في كتابه مروج الذهب ومعادن الجواهر: أنه في حكم الخليفة لإسبانيا عبد الله بن محمد 888 – 912 أبحر ملاّح عربي قرطبي إسمُه الخشخاش بن الأسود من دلبا بالوس في عام 889 واجتاز المحيط الأطلسي إلى أن بلغ أرضاً مجهولة، وعاد بكنوز غالية ثمينة. وأشار عالم المحيطات البريطاني كيفين مانزيس، في كتابه: 1412، سنة إكتشاف الصّين لأميركا أنّ الأميرال الصيني المسلم سينغ هي، هو مَنْ إكتشف القارة الأميركية قبل الرحّالة الإيطالي كريستوفر كولومبوس. وأنّ الخريطة التي رسمها البحارة الذين كانوا ضمن أسطول هذا الأميرال الصيني تعود إلى عام 1423. ودعّم مانزيس نظريته بالتشابه الكبير في الحمض النووي بين سكان أميركا الجنوبية الأصليّين، والصّينيين، فضلاً عن دلائل أخرى.
ماذا ترك الفِينِيقيِّون هناك ؟
كما يرجّح بعضُ العلماء والمؤرّخين من جهة أخرى أنّ الفنيقييّن هم الذين ظفروا بقصب السّبق بالفعل في الوصول إلى هذه القارة، منهم العالم المكسيكي خوسّيه إيبيزاير لامارنيا، الذي أكّد في هذا السبيل أنّ الفنيقييّن هم أوّل من وصل إلى أميركا قبل كريستوفر كولومبوس، وكان إكتشافهم للعالم الجديد من باب الصّدفة، كذلك قبل 26 قرناً.
يؤكّد هذا العالم أنّ الفنيقيين أقاموا ردحاً من الزّمن في تلك البلاد قبل الإستعداد لرحلة العودة من جديد من حيث أتوا، إلاّ انّهم قبل أن يعودوا أمر ربّان السفينة التي أقلّتهم كاتباً بأن يختار صخرة ويكتب عليها ما يمكن إعتباره أثراً لهم، أو دليلاً على وجودهم في تلك الأراضي النائية. وهكذا، بينما كانت السّفينة تتأهّب للإقلاع، بدأ في كتابة الرسالة التالية :" نحن أبناء كنعان من صيدا مدينة الملك التاجر، عصفت بنا الرّياح إلى هذا السّاحل البعيد من أرض الجبال، لقد ضحّينا بشاب منّا وقدّمناه قرباناً لآلهة السّماوات في العام 19 من عهد ملكنا العظيم حيرام لقد ركبنا البّحرَ في البحر الأحمر، وأبحرنا في عشر سفن، ومكثنا في البّحر مدّة سنتين ندور حول أرض حام إفرقيا، إلاّ أننا تعرّضنا لعاصفة هوجاء على يد بعل إله العواصف والشّتاء عند الفينيقييّن فافترقنا عن أصدقائنا، وهكذا وصلنا إلى جزيرة النحاس البرازيل، لكثرة ووفرة هذا المعدن فيها في 12 رجلاً وثلاث نساء. حاشية: يزعم البعض ان إسم البرازيل اساسه براس إيل، أي رأس الإله إيل. ويضيف العالم المكسيكي: ولا يعرف أحد إذا ما كانوا قد عادوا إلى أراضيهم الأصلية أم لا".
وكان المؤرّخ الإغريقي هيرودوت قد سجّل في تاريخه القديم مغامرة قامت بها جماعة من الفينيقييّن على متن عشر سفن تحت إمرة أمير البحركُودُومُو، مؤسّس أثينا ومرافئ جزيرتي قبرص وكريت، حيث هبّت عليهم عاصفة بحرية في السّاحل الإفريقي قبالة البرازيل. وتشير الأخبار التي أوردها المؤرّخ هيرودوت في تاريخه الشهير إلى مختلف البطولات والمآثر التي قام بها كودومو، حيث قام في مناسبتين إثنتين بالدّوران حول الأرض بعدما عبر بحرين ونزل وأصحابُه عدّة مرّات في العديد من السّواحل. وبطولات ومغامرات من هذا القبيل معروفة عند الفنيقييّن خصوصا في البحار.
مَدىَ صِحَّة وَثيقة الفنيقيين ؟
ظلّت هذه الوثيقة، أو تلك الصخرة، التي كتب عليها الفنيقيّون هناك في ساحل بارايبا في البرازيل مدّة 25 قرناً من الزّمان ، حتى 11 أيلول من عام 1872، عندما إكتشفها أحدُ أبناء تلك المنطقة، وعندما أخرجوا هذه الوثيقة المتمثلة في صخرة عجيبة متناسقة، التي كانت تحتوي على كتابات غريبة تمّ تنظيفها، ثمّ قام الشّخص الذي عثر عليها في أرضه، إعتقاداً منه أنّها وثيقة ذات قيمة كبرى، فبعث بها إلى أكاديمية العلوم التاريخية في ريّو دي جانيرو التي كان يرأسها العالم البرازيلي بيسكونتي دي سابواكايّي، حيث شكّ الأركيولوجيّون في البداية في صحّتها، فالحروف المكتوبة بها هي حروف فينيقية، إلاّ انّه بعد أن كلّف الإمبراطور بُطرس الثاني أحدَ أعضاء الأكاديمية المذكورة للإتصال بالعالم الفرنسي إيرنست رينان، الذي كان متخصّصاً في الحضارة الفينيقية، والذي قام بترجمة الكتابة التي كانت على الصخرة، إلاّ أنّه إتّضح في ما بعد أن هذه الترجمة لم تكن دقيقة ولا صحيحة. وكان رينان وباقي علماء الأكاديمية البرازيلية قد شكّوا في البداية حسب إعتقادهم أنّ الأسلوب الذي كُتبت به هذه الوثيقة لم يكن من خصائص الأسلوب الفينيقي في تلك الحقبة. وظلّ حُكم العلماء البرازيليين سرّاً من 1872 إلى عام 1899 حين نُشرت نتيجة أبحاثهم التي ترى أنّ الوثيقة-الصخرة مزوّرة .
ومرّ زهاء قرن من الزمان، ثمّ عبّر العالم الأميركي الدكتور سيروس غوردون مدير الدراسات المتوسطيّة من جامعة برانديس الأميركية عن إهتمامه في تحليل الصخرة التي تمّ العثور عليها في منطقة بارايبا في البرازيل، وكانت مفاجأة كبرى عندما أعلن هذا الباحث الأركيولوجي الأميركي الكبير أنّها حقيقية ووثيقة أصليّة.
وقال غوردون: إنّ الملك المذكور في هذه الكتابات لا يمكن أن يكون سوى حيرام الثالث 552-532 قبل ولادة السيّد المسيح، ممّا يرجّح أن هذه الكتابات كتبت عام531 قبل الميلاد.
وقد توّجت نتائج هذا الباحث بفضل بعض المخطوطات الفينيقية القديمة التي عثر عليها في كهوف أو مغارات البحر الأحمر، ففي هذه المخطوطات وُجدت تعابير شبيهة جدّا بتلك التي كانت مسجّلة على تلك الصخرة وأسلوب أدبي شبيه بها، كذلك يطابق تماماً الأسلوب الذي كُتب بها. وقد قدّم الدكتور غوردون الدليل قائلاً إنّ التعابير التي كانت مسجّلة على الصخرة هي فعلاً من سمات، وخصائص الأسلوب الذي إستعمله الفينيقيّون في القرن السادس قبل الميلاد.
وفي ما يتعلّق بحكم العلماء الأركيولوجييّن البرازيليّين التابعين لأكاديمية العلوم في ريّو دي جانيرو، قال الدكتور غوردون إنّ إستنتاجه يقوم على تحليل علمي دقيق، ذلك أنّه في عام 1872 لم يكن كثير من الوثائق والمخطوطات الفينيقية معروفاً بعد، وكانت تعابير أسلوبهم مجهولة بالنسبة لهؤلاء العلماء الأركيولوجيين الذين أصدروا حكمَهم منذ قرن من الزّمان ، بل ظهرت وثائق أخرى جديدة بعدهم عزّزت نتائجه، ممّا يجعل من حجرة بارايبا وثيقة حقيقية لا يرقى إليها الشكّ – في نظره – إذ لو أنّها فرضاً زُوّرت عام 1872 فسيكون مستحيلاً ذلك، لأنّ أسلوب الكتابة الفينيقية كان ما زال مجهولاً في ذلك الوقت .
دلائل على وجود الفنيقيّين بالبرازيل
ويشير الباحثُ المكسيكي خوسّيه إيبيزاير لامارنيا إلى أنّه بعد صخرة بارايبا تمّ العثور في تواريخ غير بعيدة على دلائل أخرى تؤكّد وجود الفينيقيين في البرازيل، ففي مصبّ نهر الأمازون تمّ إكتشاف أشكال خزفية وفخارية عليها عدّة رسوم فينيقية، التي يمكن للعالم أجمع أن يراها ويتأمّلها في متحف غويلدي دي بليم في البرازيل، كما تمّ العثور على عدّة معالم في مناطق الغابات في أدغال ماتو غروسّو، ذات خصائص تشبه إلى حدّ بعيد البقايا، والآثار الأركيولوجية، التي إكتشفت في نواحي صيدا.
إلاّ أنّ الباحث المكسيكي يلفت الأنظار بإمعان إلى أهميّة وثيقة حجرة بارايبا في البرازيل التي تؤكّد وجود الفنيقيين في هذه البلاد النائية منذ عهد سحيق، وأنّ هذا الأمر جدير بالدّراسة،والبحث، والتحليل، والتمحيص والإعتراف بالجميل لهؤلاء البحارة المغامرين الفينيقيين.
وتؤكّد الباحثة الإسبانية لْوِيسَا أَلْفَارِيسْ دِي طَولِيدُو دُوقة مدينة شذونةLa duquesa de Medina Sidonia إقليم مدينة قادس بالأندلس في كتابها الكبير إفريقيا مقابل أميركا الصّادر بإسبانيا عام 2000: أنّه في بعض الخرائط العثمانية تبدو سواحل أميركا الجنوبية قبل رحلة كولومبوس إليها، كما تؤكّد:أنه في بعض مناطق أميركا اللاتينية هناك أسماء لأنهار ومدن مغربية مثل سلا، وفاس، وأنّ الإمبراطورية المُرابطية قد إمتدّت حتى الأراضي التي تشكّل جزءاً من البرازيل، وغوايانا، وفينزويلا ، وتقول الباحثة إنّ هذا الموضوع قد عُنيت به منظمة اليونسكو العالمية، ونشرت دراسات بشأنه. ويؤكّد العالم الأميركي سيروس غوردون من جهته الذي أثبت صحّة كتابات الصخرة الفينيقية التي عثر عليها في البرازيل ، يؤكّد في دراسات له متعدّدة منشورة حول هذا الموضوع، أنّه: إضافةً إلى ذلك، فقد تمّ العثور على كنوز تتألّف من نقود رومانية مختلطة بمسكوكات عربية في أعماق البحار في السّواحل المحاذية لفنزويلا.
وأكّد عالم أميركي آخر، وهو الدكتور مارك ماكناماين، أستاذ الأركيولوجية في جامعة مونت هوليوك بماساشوسيتس، بدوره، وجود مسكوكات فينيقيّة تحمل خرائطَ العالميْن الجديد والقديم، كما أشار إلى أنّ نقوداً ومسكوكات نحاسية أيقونية فينيقية تمّ إكتشافها أيضا في أميركا الشمالية.
ويقول الباحث محمد عارف : لا يمنع أن يكون الفينقيّون قد وصلوا أميركا، فأهل قرطاج الذين نافسوا الرومانَ في البحر، وكادوا القضاء على الحضارة الرّومانية لولا خطأ هنيبعل القرطاجي وتركه حصار روما والعودة الى قرطاج حين علم بمحاصرة الرّومان لقرطاج، الذي أدّى الى ضعف جيش هنيبعل أو حنبعل 247 ق.م – 182 ق.م وإنهياره، وإنهيار دولته بل إمبراطورية قرطاج، حيث وصل إلى جعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة قرطاجيّة.
رِحلة حديثة نحو العالم الجديد
وبعد مرور خمسة قرون على رحلة كريستوفر كولومبوس التاريخية، كان المواطن البريطاني الضابط السّابق في البحرية البريطانية فيليب بيل قد أبحر في رحلة ملحميّة على متن قارب من خشب يزن 50 طناً حول أفريقيا في عام 2010 على غرار المراكب الشراعيّة التي إستعملها الفينيقيّون منذ 2600 سنة. وكان قد تعاقد مع علماء الآثار، والنجّارين التقليديين المتخصّصين في تشييد القوارب لهذه الغاية، وهو يحكي لنا هذه المغامرة في كتابه الإبحار قريباً من الرّياح، وما فتئ هذا المغامر البريطاني يتحدّى التاريخ مرّة أخرى وينوي القيام بمغامرة جديدة فريدة، ليقدّم الدليل مرّةً أخرى للعالم أنّ الفينيقيين سبق لهم أن قاموا بهذه الرّحلة قبل كولومبوس بقرون، وليُبرهن كذلك أنّه كانت لديهم القدرة على تطويق القارّة الجنوبية قبل 2000 سنة من البرتغالي بارتولومي ديّاس، الذي كان له الفضل في هذا الإنجاز عام 1488. وقد إستوحى المغامر البريطاني فيليب بيل فكرة هذه المغامرة الكبرى من جرّاء سردٍ للمؤرّخ الإغريقي هيرودوت، الذي يؤكّد في تاريخه أنّ الفينيقيّين قد أبحروا حول إفريقيا عام 600 قبل الميلاد. وكان هذا المغامر قد أشار إلى وسائل الإعلام العالمية أنّ رحلته ستكون إحدى أكبر الرّحلات التي قامت بها البشريّة عبر التاريخ، لذا فإنه يؤكّد أنه إذا كان هناك شعب آخر قام بهذه الرّحلة قبل كولومبوس، فلابدّ أن يكون هذا الشعب همُ الفينيقيّون. وكان متحف نيويورك متروبوليتان للفنون، قد وجّه الدّعوة إلى هذا المغامر البريطاني للمشاركة بمركبه الفينيقي الفريد ضمن المعرض التاريخي الذي نظمه المُتحف حول الحضارة الفينيقية في موسم إفتتاحه الجديد عام 2014 .
ويضافُ هذا الإفتراض الجديد لوجود الفينيقيين في أميركا قبل كريستوفر كولومبوس إلى سلسلة الإفتراضات الأخرى التي تشير إلى رحلات قامت بها شعوب أخرى عبر القارات مثل الفايكينغ، واليابانيين، الذين يُقال إنهم وصلوا إلى هذه البلاد عام 2500 سنة قبل الميلاد، والصّينيين الذين يُقال أنهم وصلوا إلى المكسيك عام 495 قبل الميلاد، يُضاف إلى تلك الإفتراضات كذلك إفتراض وصول لايف أريكسون، الذي يقال أنه وصل إلى هذه الأرض الجديدة عام 1000 قبل الميلاد، وتتزايد الفروضات، والتخمينات عن وصول أقوام، وقبائل، وشعوب إلى أميركا قبل كريستوفر كولومبوس، إلاّ انّ مغامرة هذا الأخير تظلّ مفخرة ودرّة في جبين هذه الرّحلات جميعِها، إذ بعد رحلته المثيرة والشّهيرة ظهر هذا العالم النّائي الجديد بالفعل بالشّكل الذي نعرفه اليوم.
*كاتب من المغرب ،عضو الأكاديمية الإسبانية- الأميركية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.