سلطت ندوة "إفريقيا: تحديات التنمية والأجندة الجيوسياسية"، من تسيير السنغالي جورجي سيس، الضوء على الإمكانات الهائلة التي تمتلكها إفريقيا، من موارد طبيعية غنية وتربة خصبة وأنهار كبيرة، إلى جانب التركيبة السكانية الشابة والقوة العاملة الواعدة كما تناولت المداخلات الوضع الراهن للقارة الإفريقية، وخلال تدخله أوضح السنغالي جورجي سيس مسير الندوة أن قارة إفريقيا غنية بالموارد الطبيعية، لكنها من بين البلدان الأقل تقدما اقتصاديا، وأضاف أن إفريقيا رغم مواردها الكثيرة و الغنية إلا أنها لا تستفيد منها بالشكل الأمثل، بسبب نقص التنظيم والتنسيق بين بلدانها، مما يعيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة. وأشار سيس إلى أن القارة تواجه تحديات كبرى تتعلق بالتغيرات المناخية، ناهيك عن الجفاف وانعدام الأمن الغذائي، إلى جانب مشكلات متعلقة بالديمقراطية وانتشار الأمراض. وأكد أن أكبر ضعف يواجه إفريقيا يعود إلى تاريخها الاستعماري الطويل، الذي أدى إلى تقسيم البلدان واحتلال الأراضي لسنوات طويلة، وهو ما أثر على استقرارها السياسي والتنمية الاقتصادية. وختم مداخلته بالتأكيد على أن إفريقيا تمتلك مشاريع وقدرات كبيرة، لكن ما ينقصها هو التنظيم الفعّال والتعاون بين دولها لتحقيق التنمية المستدامة والاستفادة القصوى من مواردها الطبيعية. التفكير إفريقياً مسألة أساسية للتنمية والسلام أبرزت شانتال كامبيوا، المنسقة العامة للأممية الاشتراكية، أن أكثر من نصف سكان إفريقيا من النساء، وأن قارتنا تعاني منذ فترة طويلة من آثار الاستعمار الذي شكّل تشويشا على مسار الشعوب الإفريقية. وشدّدت على أن السلام ليس له ثمن، وأن التوترات السياسية هي أكبر ما يعيق الاستقرار والتنمية في القارة. مشيرة إلى أن هناك 17 هدفا للتنمية المستدامة، لكن التحديات الاقتصادية والسياسية تجعل كل تحد يمثل عقبة للوصول إلى هذه الأهداف. وقد ضربت مثالاً على واقع التجارة في القارة، موضحة أن إفريقيا تصدر منتجاتها خاما وتستوردها مصنّعة، كما هو الحال مع الشوكولاتة مثلا كأبسط مثال، ما يضعف اقتصادها ويزيد من اعتمادها على الخارج. وأكدت شانطال وجود اختلالات كبيرة على مستويات متعددة، تشمل الديمقراطية، البنية التحتية، الرقمنة، الطاقة، والعدالة في المشاركة السياسية. وأشارت إلى ضعف المؤسسات الديمقراطية، وتحديدا قوانين الانتخابات في بعض البلدان، الأمر الذي يزيد من هشاشة المشهد السياسي. ولفتت إلى أن إفريقيا لديها شركاء موثوقين، لكنها تواجه أيضا شركاء غربيين يسعون للسيطرة على العملة والاقتصاد، ويعوقون الوحدة بين الشعوب الإفريقية. لذلك، ختمت شانطال بالتأكيد على ضرورة التفكير إفريقياً بشكل شامل ومستقل. قضايا إفريقيا ليست قضية قارة، بل قضية إنسانية عمقتها الأزمات لفت عبد الحفيظ التاجوري ممثل حزب "المستقبل الليبي" بالمؤتمر الى أن التحديات المطروحة اليوم على القارة الإفريقية ليست إلا نتاجا لعقود من الاستعمار والاستغلال الذي أهدر ثرواتها ونهب مواردها. وهي القارة التي يمثل شبابها اليوم، الأقل من 30 سنة، ما يقارب 60 في المائة من سكانها، وتمتلك ثروة مائية هائلة تحتاج فقط الى حكامة وتدبير جيدين في ظل تحدي التغيرات المناخية وهواجس الأمن وغياب الديمقراطية داخل هياكلها التسييرية، وواقع الهشاشة الصحية الموروث عن الاستعمار، ثم خطر الإرهاب المتمركز في غرب افريقيا وجنوب الصحراء بالتشاد والنيجر ومالي الذي يمثل تهديدا حقيقيا لاستقرار القارة. كل هذه المعطيات عمّقَها جرح الصراعات القبلية والإقليمية والارتباط بالأجندات الخارجية التي تبحث عن مصالحها فقط. وأضاف التاجوري أن قضايا إفريقيا ليست قضية قارة، بل قضية إنسانية عمقتها الأزمات والحروب الأهلية التي أذكتها الثروات، مثلما يحصل اليوم في السودان والانقسام في ليبيا، في الوقت الذي تريدها أوربا أن تلعب دور الدركي الحارس لحدودها لإيقاف الهجرة دون أن يشارك في صناعة القرار الدولي. إن إفريقيا، رغم كل نزاعاتها وحروبها ونزعاتها الانفصالية، قدمت للعالم في مراحل تاريخية معينة، نماذج في المصالحة الوطنية بجنوب إفريقيا ورواندا والمغرب، وقدمت نموذجا في الإنسانية الراقية، لكنها اليوم تحتاج الى صوت جماعي موحد من داخل إطار مؤسسي إفريقي بعد أن عجز الإطار الحالي عن إسماع صوتها للعالم أو حل نزاعاتها الدائمة. أول بلد عربي يبني استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء في مداخلتها حول التحديات التي تواجه القارة الإفريقية اليوم، أكدت فدوى الرجواني، عضو المجلس الوطني للحزب وعضو لجنة العلاقات الخارجية، أن المغرب الذي يعتز بانتمائه للفضاء الإفريقي، جغرافيا وثقافيا، شكل منذ قرون ملتقى للهويات والروافد التي صهرها في هوية واحدة موحدة، ما منحه القوة ليصبح بلدا صاعدا في هذا الفضاء. وركزت الرجواني على أن هذا التموقع المتميز كان نتيجة لثلاثة مسارات: السيادة التنموية – الانخراط المسؤول في القضايا الإنسانية – الطموح الاقتصادي. كل هذه المسارات الثلاثة جعلت المغرب، حسب المتدخلة، يدرك مبكرا أن مستقبله مرتبط بعمقه الإفريقي من منطق الالتزام المشترك بمصير قارة بأكملها، وليس فقط بالمنطق الاقتصادي. منطق الالتزام هذا جعل المغرب يتقدم بعدة مبادرات نحو دول إفريقيا منها المبادرة الأطلسية لدول الساحل غير المطلة على المنافذ البحرية، ثم مبادرة أنبوب الغاز "المغرب نيجيريا"، كما كان للمقاربة الأمنية الإقيلمية دور في هذا التميز لوعي المغرب بتواجده في بيئة جهوية معقدة ومحاطة بتهديدات دائمة. ملمح آخر أوردته الرجواني من أوجه التعاون المغربي – الافريقي وريادته في هذا الباب، ويتعلق بتدبير ملف الهجرة حيث يعتبر المغرب أول بلد عربي يبني استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء تتأسس على الاندماج والكرامة وتسوية أوضاع المهاجرين الافارقة، واستفادتهم من التعليم وفرص العمل، ما ساهم في بناء نموذج إفريقي للهجرة الآمنة، نموذج يتأسس على الرؤية الاستشرافية والاستقرار والانفتاح الإنساني مع تحقيق "مطلب السيادة الغذائية الذي أصبح مطلبا ملحا داخل القارة ومن صميم أدوار الدولة الأساسية". وخلصت الرجواني إلى أن مشروع إفريقيا لا يتأسس فعليا الى على تعاون جنوب – جنوب والشراكة العادلة مع دول الشمال، مشروع يقوده الأفارقة وحدهم، ويستفيدون من عائداته ليقطعوا مع ثقافة الأسياد والعبيد. رسالة سلام ومحبة وتوحيد الجهود من تشاد أكد أدام مامادو دجيبرت من تشاد أن الرسالة الأساسية التي يود إيصالها هي السلام والمحبة والتطور. وشدّد على أن الاتحاد الاشتراكي قوة سياسية تشكل مصدر فخر، وأنه تعلم كيف يعمل ويتحرك ضمن المشهد السياسي، حيث انخرط في معارضة قوية منذ بداية الألفينات. وأضاف اداما أن التحالف من أجل مواجهة التحديات يمثل التزاما جماعيا، وأن هذا الالتزام الجماعي هو دعم لجميع القوى الاشتراكية. وشدّد على أهمية أن تصل هذه الجهود إلى توحيد الخطى بين مختلف الأطراف لتحقيق تأثير أكبر في المشهد السياسي والتنمية بالقارة. تعزيز الوحدة وإدماج النساء والشباب أكد باسكال ماصالو من تنزانيا، في معرض سؤال حول كيفية تعامل الدول الإفريقية مع التحديات الخارجية، أن بلاده تضم رئيسة دولة وهي الأمينة العامة لحزب CCM، بالإضافة إلى رئيسة البرلمان. وأضاف أنه شخصيا سفير لحركة" هي وهو"، مشيرا إلى تفهمه الجيد لمقاربة النوع الاجتماعي. وأوضح أن ما تعانيه إفريقيا هو التشرذم والانقسام، داعيا إلى جعل الفكرة الأولى مرتبطة بالوحدة، مع التأكيد على أن مواجهة التحديات تتطلب آليات سريعة للتعامل مع الأجندات المختلفة. وأشار إلى أن إفريقيا تزخر بالقوة العاملة والذكاء، ويجب استغلال الموارد المتاحة لاتخاذ القرار. وختم بالتأكيد على أن إفريقيا لديها القدرة على تغيير البوصلة العالمية من خلال إدماج النساء والشباب.