أحدث تسريب مشروع مسودة قرار مجلس الأمن المرتقب صدوره بعد أيام بشأن الوضع في الصحراء، والذي تقدمت به واشنطن، حاملة القلم لأعضاء هذا المجلس الأممي، زلزالا سياسيا مدويا داخل مخيمات تندوف، خاصة بعدما بدّد المشروع حلم "الدولة الموعودة" التي طالما خدّرت بها قيادات جبهة "البوليساريو" عقول السكان المحتجزين في هذه المخيمات لعقود من الزمن. وحاولت قيادات في جبهة "البوليساريو" الانفصالية التقليل من أهمية الوثيقة المسربة، التي أنكرتها في البداية قبل أن تعود لتعتبر أنها تعكس فقط موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية وليس المجتمع الدولي، في محاولة لامتصاص هذه الصدمة التي قوّضت سردية الجبهة حول "تقرير المصير"، وكانت بمثابة إعلان غير مباشر عن نهاية وهمٍ دام نصف قرن من الزمن. وتنص الوثيقة المسربة على تمديد ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء حتى ال31 من يناير المقبل، خلافا لما جرت عليه العادة، وعلى دعم مجلس الأمن الكامل لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي في تيسير المفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي الجاد والموثوق والواقعي، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم للنزاع. مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي العسكري السابق في جبهة "البوليساريو"، قال إنه "من الطبيعي جدا أن يثير مشروع مسودة قرار مجلس الأمن المرتقب حول الصحراء، الذي تقدمت به واشنطن، الذعر والهلع في صفوف ساكنة المخيمات الذين كانوا يصدقون، وعلى مدى عقود، أنهم يعيشون فعلا في ما يسمى الجمهورية الصحراوية". وأضاف ولد سيدي مولود، في تصريح لهسبريس، أن "هذه المسودة المزلزلة تنسف كل ما كان يحلم به الصحراويون في المخيمات، خاصة أن قيادة "البوليساريو" رفعت سقف المطالب والأحلام وجعلتهم يصدقون أنهم يعيشون في دولة خاصة بهم، قبل أن يختفي كل شيء ويتبخر في مجرد مشروع قرار أممي؛ وهذه صدمة لا يمكن لسكان المخيمات أن يتحملوها". وأوضح القيادي العسكري السابق في جبهة "البوليساريو" أن هذه الأخيرة كانت مفوَّضة من قبل من كانوا يناصرونها في مهمة تحرير الصحراء، وهي مهمة جماعية، أما موضوع تقرير المصير فهو قرار فردي؛ وبالتالي فإن الجبهة الآن في ورطة حقيقية، لأن اسمها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وليس جبهة تقرير مصير الصحراويين، وعليه، إذا أقرت الجبهة بفشلها في مهمة التحرير، سيسهل اقتناع سكان المخيمات بمخطط الحكم الذاتي". وفي سياق ذي صلة، أكد محمد الغيث ماء العينين، نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، أن "المسودة من حيث المبدأ لم تخرج عن التوقعات التي كانت سائدة منذ أشهر، خاصة في ظل تشبث وإعادة تأكيد واشنطن، في أكثر من مناسبة، موقفها الداعم لمخطط الحكم الذاتي كأساس وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي". وتابع ماء العينين، في تصريح لهسبريس، أن "الأمر يتعلق بتوجه أمريكي فرنسي بريطاني مشترك؛ فحتى روسيا، الحليف التقليدي للجزائر، لا يُتوقع أن تستخدم حق النقض ضد أي مشروع قرار يهم الوضع في الصحراء، خاصة في ظل تقاربها الأخير مع المغرب، وتعبير وزير خارجيتها مؤخرا عن استعداد بلاده لدعم الحكم الذاتي إذا تم التوافق بشأنه. كما أن الصين بدورها غير معنية بهذا النزاع إلى حدٍّ ما، وتربطها علاقات اقتصادية قوية مع المغرب". وزاد نائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات شارحا: "حتى لو تم إدخال تعديلات على مسودة القرار، فلن تمس هذه التعديلات الجوهر، ولا يمكن أن تلغي كل الإشارات الواضحة إلى الحكم الذاتي، وإنما ستحاول فقط تلطيف العبارات الدبلوماسية مع الانتصار لسمو المبادرة المغربية للحل". وخلص تالمتحدث عينه إلى أن "التوجه نحو حسم ملف الصحراء المغربية سيضع الجزائر في وضع حرج على المستوى الداخلي، لأن سكان المخيمات غالبيتهم جزائريون وأجانب؛ بينما لا يشكل السكان من أبناء الأقاليم الجنوبية إلا نسبة قليلة.. وبالتالي فإن هذا الحسم سيسائل الهوية الجزائرية المبنية على شرعية الحدود الموروثة عن الاستعمار، وستدفع الجزائر ثمن سياستها ورفضها الدعوات المغربية لفتح صفحة جديدة في العلاقات"، مبرزا أن "القيادات التاريخية المتبقية لل"بوليساريو" لديها اليوم فرصة أخيرة للاعتراف بأن الجبهة أجرمت في حق سكان المخيمات، وأنها على استعداد لإصلاح هذا الخطأ وتسوية هذا المشكل".