أثار مقال سليمان الريسوني المنشور بموقع "لكم"، والذي تناول فيه جوانب متعلقة بأحمد الشرعي وعلاقاته ومواقفه، العديد من الالتباسات. ورغم أنني لن أخوض في الجوانب المرتبطة بمقال أحمد الشرعي الأخير، فهو وحده من يملك حق الرد أو عدمه، إلا أنني، بصفتي صحافية تعمل في المؤسسة التي يرأسها ونائبة لرئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أجد أنه من الضروري تقديم بعض التوضيحات، فيما يخص مقدمة مقال سليمان الريسوني التي أجد أني معنية بها مباشرة. إن ما يهمني، كصحافية ضمن مجموعة "غلوبال ميديا"، التأكيد أنني لم أتلقَّ يومًا أي توجيه أو أمر من الشرعي للدفاع عن مواقفه أو تبني أفكاره. وهذا ينطبق على جميع الصحافيين العاملين في المجموعة. فالعمل الصحافي داخل المؤسسة يخضع لخطها التحريري، الذي نحترمه كإطار ناظم، دون أي تدخل مباشر أو غير مباشر من المدير العام لفرض مواقفه ورؤاه حول قضايا السياسات العمومية، أو العلاقات الدولية.
بل على العكس، أؤكد أن الشرعي لم يتدخل مطلقًا في عملنا المهني أو في طريقة تعاطينا مع القضايا الكبرى. وإذا كان هناك من يزعم أن صحافيي "غلوبال ميديا" يتعرضون لأي نوع من الضغط للتماهي مع مواقف الشرعي الشخصية، فأدعوهم لتقديم حججهم وأدلتهم. أما، بصفتي نائبة لرئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أجد من الضروري الإشارة إلى أن النقابة تتمتع باستقلالية كاملة في مواقفها وقراراتها. ولم يحدث قط أن تدخل الشرعي في مواقف النقابة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، رغم أنني ورئيس النقابة نعمل في مؤسسة، هو عضو مجلسها الإداري. وحتى نتائج المؤتمر الأخير للنقابة لم يعلم بها إلا حين نشرت للعموم. فعلى سبيل المثال، موقف النقابة مما يحدث في غزة، والذي يعبر بوضوح عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني، ورفضها الصريح للإبادة التي يتعرض لها، قد لا يتطابق بالضرورة مع بعض ما يطرحه الشرعي. ومع ذلك، لم يبدِ أي تبرم أو اعتراض على هذه المواقف. بالعكس، كان دائم الالتزام بحدود علاقته بالنقابة كشريك ضمن القطاع الإعلامي، دون أي محاولة للتأثير على عملها أو فرض آرائه. خصوصا أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وباعتبارها عضوا في اتحاد الصحافيين العرب، وفي الاتحاد الدولي للصحافيين، تكيف مواقفها فيما يتعلق بقضايا مثل المأساة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مع التزاماتها الحقوقية، وخصوصا في الشق المتعلق بحرية الصحافة، وبالتالي فهي غيرمجبرة على مراعاة الحسابات السياسية أو التوازنات الدبلوماسية، ومن هذا المنطلق كانت واضحة في أن حرب الإبادة ضد الفلسطينيين كان من ضحاياها كذلك زميلات وزملاء لنا في المهنة، وجرت وسط محاولات للتعتيم، ومنع الصحافيين من أداء مهامهم باستقلالية، وهذه من الأمور التي استندت عليها محكمة الجنايات الدولية في الشق المتعلق بإخفاء آثار الجريمة. إنني أحس بألم كبير، حين أجد نفسي مجبرة على التذكير بمواقفي من قضية كنت ولا أزال أعتبرها قضيتي الإنسانية ، وذلك ما تعلمته في الأسرة، وصار ممزوجا بالوعي عند التحاقي بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يعرف سليمان الريسوني أنه من كان وراء شعار "القضية الفلسطينية قضية وطنية" في مجلة "فلسطين" التي كان يديرها باسم الحزب الشهيد عمر بنجلون. خرجت وما زلت أخرج في كل المسيرات الداعمة لفلسطين، وحق شعبها في بناء دولته الحرة والمستقلة وكاملة السيادة، ورافعت عنها وما أزال في أشغال المنظمات الإقليمية والدولية التي أنا عضو فيها: اتحاد الصحافيين العرب، الاتحاد الدولي للصحافيين، الأممية الاشتراكية للنساء، وما يخفف عني هذا الألم الذي استشعرته من مقدمة مقال الريسوني هو تذكر الاعتراف الذين نلقاه من زميلاتي وزملائنا الصحافيين في فلسطينالمحتلة، وهم الأدرى بما نقوم به في المحافل الإقليمية والدولية، مما لا أظن أن كاتب المقال قام به. ومن الجدير بالذكر أن مجموعة "غلوبال ميديا"، التي يديرها أحمد الشرعي، تحترم بشكل كبير حقوق الصحافيين/ات والعاملين/ت. وهي واحدة من المؤسسات القليلة التي تطبق الاتفاقية الجماعية والعمل النقابي، وهو ما يتخلف عن تطبيقه العديد من الناشرين الآخرين، وهذا الشق من الأولويات التي تقيم من خلالها النقابة الوطنية للصحافة المغربية علاقتها بالشركاء من الناشرين. وأعيد التذكير أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية لم تدافع يومًا عن أفكار الشرعي التي يطرحها في النقاش العمومي الوطني أو تلك التي يكتبها في الخارج، كما لم تعارضها، لأنه ليس من مهامها الرد على ما يكتبه الصحافيون أو المثقفون أو السياسيون، إلا إذا كان على تماس مع حرية الصحافة وشؤون المهنة، ويشكل تهديدا لهما. فمواقف النقابة تُبنى على أسس مستقلة تستند إلى قضايا حقوق الصحافيين والحريات الإعلامية. كما أن النقابة، عندما تضامنت مع الشرعي في وقت سابق، كان ذلك في سياق تعرضه للتهديد والتحريض، وهو موقف مبدئي مشابه لما قامت به النقابة تجاه صحافيين وناشرين آخرين تعرضوا لوضع مماثل. إن هذا التوضيح ليس ردًا على المقال بقدر ما هو تأكيد على حرية الصحافيين/ات داخل مجموعة "غلوبال ميديا"في إطار خط تحريري واضح ومعلن معه، وهو نفسه الخط الذي صاغته المؤسسة الأم " الأحداث المغربية" قبل مجيء الشرعي، الذي لا ننكر الإضافة النوعية التي قدمها، خصوصا على المستوى التدبيري، وتطوير المقاولة احترافيا ومهنيا. وهو كذلك تأكيد على استقلالية النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وغياب أي تدخل من الشرعي في العمل النقابي. والاختلاف مع أحمد الشرعي كما الاتفاق معه في بعض القضايا الوطنية أو الدولية لا يعني وجود ضغوط أو محاولات لإخضاع الصحافيين، بل يعكس التنوع الطبيعي في الاراء والمواقف، وهو ما يجب أن يكون أساسًا لأي نقاش صحي. على من يطلق الادعاءات أن يقدم أدلته، وإلا فإنها تظل مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، لا يليق إطلاقها من صحافي يجدر به أن يسلك كل السبل الممكنة لتقديم المعلومة الصحيحة، لا التي يريد أن يجعلها صحيحة عنوة، وخصوصا إذا كان ما يروجه مما لا دليل عليه، فيه إساءة لزميلاته وزملائه في المهنة، حين يصورهم بلا إرادة حرة، و"محتجزين" من طرف ما. في النهاية، يبدو أن مقاربة الكاتب في مقدمة مقاله التي استدعى فيها عنوة ودون مبرر صحافيي مؤسسة "غلوبال ميديا" وقيادة النقابة الوطنية للصحافة المغربية،تركز على شخصنة القضية، بدل تحليل الإشكاليات البنيوية التي تعيق الإعلام المغربي. فالنقد الموجه لأي صحافي أو للنقابة يجب أن يكون مبنيًا على حجج وأدلة واضحة، لا على اتهامات فضفاضة. كما أن معالجة قضايا حساسة مثل العلاقة بين الإعلام والسلطة أو الإعلام والسياسة الخارجية للدولة، تتطلب نقاشا عقلانيًا منتجا، يدفع في اتجاه تصحيح المسارات، وتثمين الإيجابيات والمكتسبات، والقطع مع الاختلالات سواء المهنية أو الأخلاقية، في جو من الاحترام المتبادل بين الزميلات والزملاء، بدل الانزلاق نحو تجاذبات "نفسية" لا تسهم في حل الإشكاليات الجوهرية. بل تهرب النقاش المفترض الذي يضع يده على الإشكالات الحقيقية للمشهد الإعلامي ببلادنا، نحو متاهات المزايدات الشخصية بين الصحافيين/ات أنفسهم على إيقاع نغمة: نحن الأخيار والآخرون شياطين. — نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية مكلفة بالحريات. وكاتبة المكتب النقابي لمؤسسة "الاحداث المغربية".