تشير أحدث المعطيات الواردة في تقرير البنك الدولي الصادر بعنوان "تحول في المسار: القطاع الخاص كمحرك للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" إلى أن المملكة المغربية، رغم ما حققته من تطورات اقتصادية، لا تزال تواجه تحديات كبيرة في تعزيز دور القطاع الخاص، الذي يعد محوريا في دفع عجلة النمو وخلق فرص الشغل، خصوصا في سياق إقليمي يتسم بتقلبات اقتصادية ومناخية متزايدة. فحسب التقرير، من المنتظر أن يطالب حوالي 300 مليون شاب في المنطقة بفرص عمل بحلول عام 2050، ما يفرض على المغرب، كسائر دول المنطقة، ضرورة إصلاحات هيكلية تعزز إنتاجية القطاع الخاص وتجعله أكثر قدرة على الاستيعاب والتوسع. وأبرز تقرير البنك الدولي أن ديناميكية القطاع الخاص بالمغرب لا تزال دون المستوى المطلوب، حيث تظهر التحليلات المستندة إلى بيانات تسجيل المؤسسات وتعداداتها الاقتصادية، وهي من الأدوات النادرة التي يوفرها المغرب بالمقارنة مع دول المنطقة، أن معدلات دخول وخروج الشركات من السوق لا تعكس بيئة اقتصادية مرنة أو محفزة على المنافسة. فمعدل دخول الشركات في المغرب لا يتجاوز 6 بالمئة سنويا، مقارنة ب 11 بالمئة في كولومبيا، بينما تبلغ نسبة الخروج نحو 6 إلى 8 بالمئة، وهو ما يعكس، بحسب البنك الدولي، صعوبات هيكلية تعيق قدرة السوق المغربي على التجديد والتأقلم مع التحولات الاقتصادية.
وفي سياق تحليل إنتاجية العمل، أوضح التقرير أن القطاع الخاص المغربي سجل نموا سنويا لم يتعد 2.2 بالمئة، وهو معدل منخفض بالنظر إلى الإمكانات البشرية والبنية التحتية المتوفرة. ويرجع البنك الدولي هذا الأداء الضعيف إلى انخفاض الديناميكية الداخلية للشركات، حيث فشلت المؤسسات ذات الإنتاجية العالية في توسيع حصتها السوقية لصالح شركات أقل كفاءة، ما أدى إلى إهدار جزء مهم من الإمكانات المتاحة لتحسين الناتج الإجمالي للإنتاجية. ولا يقتصر التحدي على الجوانب الهيكلية، إذ يسلط التقرير الضوء على المخاطر المناخية التي تؤثر مباشرة على أداء الشركات في المغرب. فاستنادا إلى بيانات أقمار صناعية وجيولوجية، يظهر التقرير أن موجات الجفاف، التي تقاس بانخفاض معدل التساقطات عن المتوسط التاريخي، تؤدي إلى انخفاض في مبيعات الشركات المغربية بنسبة تصل إلى 40 بالمئة، وانخفاض في إنتاجية العمل بنحو 42 بالمئة، نتيجة اعتماد الشركات المتضررة على العمالة المؤقتة وتزايد نسب الغياب لأسباب صحية، وهو ما يعمق هشاشة القطاع أمام الصدمات الخارجية. وأكد التقرير أيضا أن هذه الصدمات المناخية تؤثر سلبا على قدرة الشركات المغربية على الاستثمار، إذ يسجل تراجع بنسبة 9 نقاط مئوية في نية الاستثمار لدى الشركات بعد حدوث موجات جفاف، ويرجع ذلك إلى صعوبات في الولوج إلى التمويل البنكي وارتفاع معدلات الفائدة نتيجة ازدياد المخاطر المرتبطة بالأداء المالي للمؤسسات، إضافة إلى تدهور الوضع المالي نتيجة انخفاض الإيرادات وزيادة الديون. كما يشير التقرير إلى أن المغرب، رغم امتلاكه قاعدة بيانات مهمة على غرار التسجيلات الاقتصادية الرسمية والتعدادات، إلا أنه، كسائر دول المنطقة، بحاجة إلى تعزيز انفتاحه على البيانات وتحسين جودة ونشر الإحصاءات الاقتصادية، بما يتيح تحليلا أدق لأداء السوق وتوجيه السياسات العمومية نحو أكثر المجالات إنتاجية. ويسجل التقرير أن من بين 19 اقتصادا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقط سبعة أجروا تعدادا اقتصاديا شاملا منذ عام 2014، والمغرب من بينها، وهو ما يجعله في موقع متقدم نسبيا لكن بحاجة إلى مزيد من التطوير في هذا المجال. في جانب آخر، يشير التقرير إلى أحد أبرز الإشكالات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المغربي، والمتمثلة في التنافس غير المتكافئ بين القطاعين العام والخاص على الكفاءات. فحوالي 8.25 بالمئة من إجمالي العاملين في المغرب يشتغلون في القطاع العام، وهو مستوى أدنى من نظيره في بلدان مثل العراق (37.4 بالمئة) أو جيبوتي (52.8 بالمئة)، لكنه لا يزال يضع ضغطا على السوق الخاصة ويجعل من القطاع العام جاذبا للطاقات البشرية بسبب الاستقرار والامتيازات، على حساب تنمية المهارات والمنافسة في القطاع الخاص. ويخلص التقرير إلى ضرورة إعادة التفكير في دور الدولة في الاقتصاد، لا كفاعل مباشر وإنما كمنظم ومحفز على المنافسة، عبر تحسين مناخ الأعمال وتكافؤ الفرص أمام الشركات، وتمكين النساء والشباب من دخول سوق العمل، وتخفيف البيروقراطية، وتوسيع نطاق الإصلاحات الضريبية والمالية التي تسهل حصول الشركات على التمويل، لا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعد العمود الفقري للاقتصاد المغربي.