كشف تقرير لمجلة "جون أفريك" أن البنك الرقمي البريطاني Revolut بدأ في غشت الماضي محادثات مع بنك المغرب لبحث دخوله السوق المغربية، في خطوة قد تهدد مواقع البنوك المحلية التي راكمت أرباحاً ضخمة من العمولات خلال السنوات الماضية. وفقاً للتقرير، جمعت البنوك المغربية نحو 10 مليارات درهم (قرابة مليار دولار) من العمولات في عام 2024، ما يمثل حوالي 14% من صافي ناتجها البنكي. وتفرض المؤسسات المحلية رسوماً سنوية على الحسابات والبطاقات والمعاملات تتراوح بين 1000 و2000 درهم، وهو عبء ثقيل على الأسر والمغتربين الذين بلغت تحويلاتهم نحو 117 مليار درهم العام الماضي.
تعتبر بنك Revolut الأسرع نمواً في أوروبا، حيث تجاوز عدد مستخدميها 40 مليوناً، تأسست عام 2015 على يد نيكولاي ستورونسكي وفلاد ياتسينكو، وتُقدر قيمتها السوقية بأكثر من 33 مليار دولار، ما يجعلها من أبرز شركات التكنولوجيا المالية في أوروبا. وتراهن الشركة على استراتيجية تقوم على خدمات مصرفية أساسية مجانية عبر تطبيق رقمي متطور، مع إيرادات إضافية من خيارات مدفوعة. لكن دخول السوق المغربية يواجه عقبات تنظيمية، إذ يفتقر الإطار القانوني الحالي لآليات فعالة لحماية المستهلكين. فالقانون رقم 31-08 المتعلق بحماية المستهلك ما يزال غامضاً بشأن تعويضات ضحايا الاحتيال البنكي، بينما يُعتبر القانون رقم 09-08 الخاص بحماية البيانات (الصادر في 2009) متقادماً في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي والتهديدات السيبرانية. هذا النقص في الضمانات لا يضر فقط بثقة المستهلك، بل يعكس أيضاً ما يعتبره خبراء "تواطؤاً تشريعياً" لحماية مصالح الأبناك المحلية عبر إقصاء منافسين جدد، ويعكس تردداً رسمياً في فتح القطاع أمام المنافسة، في وقت يترقب فيه ملايين العملاء المغاربة الغاضبين من ممارسات البنوك التقليدية مثل التجاري وفا بنك والبنك الشعبي وبنك إفريقيا، وصول بديل رقمي يقدم خدمات أكثر شفافية وأقل تكلفة. إصافة إلى ذلك، فإن دخول السوق المغربية ليس بهذه السهولة. القطاع البنكي يخضع لهيمنة حفنة من "الحيتان الكبيرة"، هي التجاري وفا بنك: الذراع المالي للهولدينغ الملكي "المدى"، أكبر مؤسسة مالية في البلاد، وبنك أفريقيا: مملوك لرجل الأعمال عثمان بنجلون، أحد أبرز المقربين من دوائر الحكم، وفي السنوات الأخيرة، دخلت أسماء جديدة من العائلات النافذة إلى القطاع، منها عائلة مريم بنصالح (المعروفة بمجموعة "هولماركوم") وعائلة حفيظ العلمي التي باتت تملك "سهم بنك"، حيث أنشأ كل منهما بنكاً خاصاً، ما عزز الطابع الاحتكاري للسوق. هذه التركيبة تجعل أي منافس أجنبي، خصوصاً إذا كان يعرض خدمات مجانية أو منخفضة التكلفة، مرفوضاً ضمنياً من قبل هذه المؤسسات التي ترى في السوق المغربية "ريعاً مضموناً". وحتى في حال حصلت Revolut على الضوء الأخضر من بنك المغرب، يتوقع خبراء أن تواجه حملة مضادة قوية من المؤسسات المحلية. هذه الأخيرة قد تلجأ إلى استخدام نفوذها السياسي والاقتصادي لعرقلة الترخيص، أو فرض شروط تنظيمية تجعل نشاط Revolut غير مربح. "المشكلة ليست تقنية، بل سياسية بالأساس"، يقول خبير اقتصادي في الرباط. "الأبناك الكبرى في المغرب مرتبطة مباشرة بالملكية والنخب الاقتصادية. إدخال فاعل أجنبي قوي يهدد نموذجاً قائماً على الريع، وهذا أمر لا يروق لهم." رغم هذه العراقيل، فإن السوق المغربية تُظهر طلباً متزايداً على حلول مالية رقمية. فعدد مستخدمي الهواتف الذكية تجاوز 30 مليوناً، ومعاملات الأداء عبر الهاتف تضاعفت في السنوات الثلاث الأخيرة. كما أن شريحة واسعة من الشباب، التي اعتادت على التطبيقات الرقمية، تبحث عن بدائل أكثر شفافية وأقل كلفة من البنوك التقليدية. إلى جانب ذلك، فإن جزءاً كبيراً من الاقتصاد المغربي لا يزال غير مهيكل، ويُتوقع أن تعزز الخدمات الرقمية الشمول المالي وتفتح الباب أمام إدماج شرائح واسعة في النظام البنكي. وصول Revolut إلى السوق المغربية يثير سؤالاً أوسع حول مستقبل القطاع المالي: هل سيفتح المغرب سوقه لفاعلين جدد يقدمون خدمات عصرية وميسورة التكلفة، أم سيواصل حماية الأوليغوبول البنكي المحلي؟ القضية إذن أبعد من كونها منافسة تجارية. بقدر ما هي اختبار للإرادة السياسية: هل تريد الدولة الانفتاح على نماذج رقمية عصرية تعزز الشفافية وتقلل التكاليف على المستهلكين؟ أم تفضل الإبقاء على نظام يراكم الأرباح لفائدة قلة من الفاعلين المقربين من السلطة؟