خسر رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو، الاثنين، اقتراعا على الثقة في الجمعية الوطنية بعد تسعة أشهر فقط من توليه منصبه، ما يفرض عليه تقديم استقالته ويفتح أمام الرئيس إيمانويل ماكرون تحديًا جديدًا لاختيار خامس رئيس وزراء خلال أقل من عامين. وصوّت 364 نائبا لصالح حجب الثقة، مقابل 194 مؤيدًا للحكومة، في جلسة استثنائية هيمنت عليها أزمة الدين العام والجدل حول خطط الحكومة لكبح العجز المتفاقم. وبموجب المادة 50 من الدستور الفرنسي، يتعين على بايرو تقديم استقالة حكومته، وهو ما أكده مصدر حكومي لوكالة فرانس برس، مشيرًا إلى أن الاستقالة ستُرفع رسميًا إلى ماكرون الثلاثاء.
وأكد قصر الإليزيه أن الرئيس سيسمي "في الأيام المقبلة" رئيسًا جديدًا للوزراء. ويُعد بايرو، البالغ من العمر 74 عامًا، رابع رئيس وزراء في عهد ماكرون خلال ثلاث سنوات، والثاني الذي يُطاح به منذ الانتخابات المبكرة لصيف 2024، بعد سقوط سلفه ميشيل بارنييه إثر اقتراح لحجب الثقة عنه بعد ثلاثة أشهر فقط من تعيينه. وخلال جلسة البرلمان، دافع بايرو عن سياسته محذرًا من "الواقع القاسي" المتمثل في دين عام بلغ 113.9% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ضعف السقف الأوروبي المحدد في 3%، قائلا: "يمكنكم الإطاحة بالحكومة لكن لا يمكنكم محو واقع الرزوح تحت عبء الدين". لكن قوى المعارضة، وعلى رأسها الحزب الاشتراكي وحلفاؤه من اليسار والخضر، اعتبرت أن الحكومة فشلت في مواجهة الأزمة الاقتصادية. وقال رئيس الكتلة الاشتراكية بوريس فالود: "نحن مستعدون لتولي الحكم إذا طلب منا الرئيس ذلك"، واصفًا سياسات بايرو بأنها "فشل أخلاقي" وتعبير عن "الإهمال والمماطلة والوعود الكاذبة". وبخروج بايرو من المشهد، تطرح الأزمة ثلاثة سيناريوهات على طاولة الرئيس ماكرون: تعيين رئيس وزراء جديد، الدعوة إلى انتخابات مبكرة، أو استقالة الرئيس نفسه، وإن كان الإليزيه قد استبعد سريعًا هذا الخيار الأخير. ويرى مراقبون أن ماكرون قد يتجه إلى شخصية من يسار الوسط قادرة على بناء تحالف يضمن تمرير إصلاحات مالية صعبة، أبرزها فرض ضرائب إضافية على الأثرياء وتقليص العجز العام. وتترقب الأسواق المالية عن كثب التطورات السياسية، وسط مخاوف من أن تؤدي حالة عدم الاستقرار إلى تعميق أزمة الثقة في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. وتعمّق إطاحة بايرو صورة عدم الاستقرار التي تطبع الولاية الثانية لماكرون، إذ تعاقب على رئاسة الحكومة منذ 2022 خمسة رؤساء وزراء، بعضهم لم يعمّر أكثر من أشهر قليلة. ويرى محللون أن هذا الإيقاع غير المسبوق في تغيير الحكومات يضعف موقع الرئاسة ويعكس صعوبة ماكرون في إيجاد توازن سياسي برلماني مستدام، في وقت تواجه فيه فرنسا واحدة من أعقد أزماتها الاقتصادية والاجتماعية منذ عقود.