يُقدَّم مايك هاكابي، السفير الأميركي لدى إسرائيل، على نطاق واسع باعتباره أحد أكثر الممثلين الدبلوماسيين تطرفاً في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية، فالرجل ليس مجرد سياسي محافظ سابق، بل هو إنجيلي ماسيحاني يرى في الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين التاريخية شرطاً لعودة المسيح المنتظر، ما يضع معتقداته الدينية في صلب خياراته السياسية والدبلوماسية. منذ بداياته في الحزب الجمهوري، اشتهر هاكابي بخطابه الديني المتشدد ومواقفه المؤيدة للمشروع الصهيوني بلا قيد أو شرط. بالنسبة له، الاستيطان وتهويد القدس وإخضاع كامل فلسطين ليست تجاوزات سياسية، بل خطوات "مقدسة" تعجّل بالتحقق النبوي لعودة المسيح. هذا الاعتقاد يفسّر قربه الشديد من أوساط المستوطنين اليهود الأكثر تشدداً، وزياراته المتكررة إلى البؤر الاستيطانية التي يصفها بأنها "الخطوط الأمامية للديمقراطية الإيمانية".
لم يتردّد هاكابي، سواء بصفته مرشحاً رئاسياً سابقاً أو سفيراً، في إطلاق تصريحات وصفت بالعنصرية والدينية الإقصائية، فقد هاجم كل فكرة لحل الدولتين باعتبارها "خيانة للتاريخ التوراتي"، ودافع عن كل الحروب الإسرائيلية في غزةوالضفة الغربية باعتبارها "حروباً دفاعية ضد الإرهاب"، حتى عندما بلغت حصيلة الضحايا عشرات الآلاف من المدنيين في غزة، كما انتقد الدول التي أوقفت مساعداتها العسكرية لإسرائيل بعد اتهامها بارتكاب جرائم حرب، واصفاً ذلك بأنه "مكافأة للإرهاب". "البقرة الحمراء" ورمزية العودة في سابقة لمسؤول أميركي بهذا المستوى، زار هاكابي برفقة زوجته مستوطنة "شيلو" شمال شرق رام الله، حيث التقى رئيس مجلس المستوطنات يسرائيل جانتس. اعتُبرت الزيارة خرقاً لنهج السفراء الأميركيين السابقين الذين امتنعوا عن زيارة الضفة الغربية. خلال جولته، توقف هاكابي في مزرعة تضم خمس بقرات حمراء، يراها متطرفو "الهيكل" مؤشراً دينياً على قرب بناء "الهيكل الثالث" في موقع المسجد الأقصى وظهور ما يسمونه "المسيح المنتظر". هذه البقرات كانت قد استُوردت من ولاية تكساس في 2022، وتُربى وفق شروط دينية صارمة وردت في نصوص "المشناه" التلمودية: أن تكون بلا عيب أو لون آخر، وألا تُستخدم في عمل، وألا يوضع على رقبتها حبل. وبحسب معتقداتهم، تُذبح البقرة بعد بلوغها عامين في طقس يُجرى على جبل الزيتون، ثم تُحرق ويُستخدم رمادها في "تطهير الشعب اليهودي من نجاسة الموتى"، ما يمهّد – وفق زعمهم – لصعود اليهود من كل أنحاء العالم إلى "بيت الرب"، أي المسجد الأقصى. ورغم أن الحاخامية الكبرى في إسرائيل لا تزال تحظر الاقتحامات لعدم تحقق شروط الطهارة، فإن جماعات "الهيكل" تسعى لتغيير الوضع القائم بدعم من سياسيين متطرفين. يُعرف عن هاكابي دعمه الصريح للمشروع الاستيطاني، حتى أنه يستخدم مصطلحات توراتية مثل "يهودا والسامرة" للإشارة إلى الضفة الغربية، تماشياً مع توجهات المستوطنين، لذلك لم يكن غريباً أن يتلقّى هاكابي إشادات علنية من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزرائه الأكثر تطرفاً مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، الذين يعتبرونه "السفير الصهيوني" الأكثر وضوحاً في ولائه لمشروعهم، فبالنسبة لهم، وجود سفير أميركي يرفض تماماً أي حل سلمي ويدعم الاستيطان بلا حدود يمثل مكسباً استراتيجياً لا يقدّر بثمن. هاكابي ليس حالة معزولة؛ فهو يُجسّد التيار الإنجيلي الأميركي الذي يشكّل قاعدة انتخابية صلبة للرئيس دونالد ترامب، هذا التيار يضم ملايين الإنجيليين الذين يرون في إسرائيل تحقيقاً للنبوءة، ويصوتون تلقائياً لمرشحين يرفعون شعارات حماية إسرائيل ورفض التنازلات السياسية. نائب ترامب الحالي، جاي. دي. فانس، يتبنى بدوره نفس الرؤية الماسيحانية، ما يجعل تأثير هذه العقيدة على دوائر القرار الأميركي مباشراً وحاسماً. وصفه مراقبون بأنه "أخطر سفير أميركي في تاريخ العلاقات مع إسرائيل"، ليس فقط بسبب آرائه المتطرفة، بل لأنه يضفي على الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين غطاءً دينياً وسياسياً مزدوجاً. هاكابي لا يرى في حرب الإبادة في غزة سوى "ضرورة أمنية"، ولا يتورع عن انتقاد أي صوت دولي يطالب بوقفها، فبالنسبة له، كل ذلك يقع ضمن خطة إلهية كبرى لا يجوز تعطيلها. مايك هاكابي ليس دبلوماسياً تقليدياً بل مبشر مسيحاني بلباس سفير. رؤيته الدينية تضعه في خط المواجهة الأول مع أي مسار تفاوضي أو تسوية سياسية، وتحوّله إلى رمز للتقاطع بين الصهيونية الدينية والإنجيلية الأميركية. في ظل تصاعد اليمين في إسرائيل ووجود إدارة متطرف في أمريكا بقيادة ترامب، فإن تأثير شخصيات مثله قد يكرّس أكثر فأكثر سياسة الانحياز الأعمى، ويبعد أي أفق لحل عادل للقضية الفلسطينية، ويهدد بإشعال حروب دينية في المنطقة.