من الجميل أن تتحرك السلطات العمومية والمحلية في مدينة القنيطرة استجابة للمطالب الشعبية الداعية إلى إعادة الاعتبار للفضاءات العمومية الخضراء التي تدهورت بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة. فالمدينة التي كانت تُعرف بغطائها النباتي الغني والمتنوع، تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى نفَس بيئي جديد يرمم علاقتها الممزقة بالطبيعة ويعيد التوازن إلى نسيجها الحضري. لكن، في مقابل هذا التفاعل الإيجابي، يظل التخوف قائماً لدى جزء كبير من الساكنة من أن تتحول أوراش التهيئة إلى صفقات ربحية ضيقة على حساب البيئة والذاكرة الجماعية للمدينة. فأي تهيئة حقيقية لا يمكن أن تقوم على منطق اجتثاث ما هو أصيل واستبداله بما لا ينسجم مع الخصوصية الإيكولوجية للقنيطرة. وهنا يطفو على السطح النقاش حول غرس أشجار النخيل في غير موضعها، واستبدال أصناف تاريخية من الأشجار – مثل الأكاليبتوس وغيره – بأصناف لا تحمل القيمة البيئية نفسها. القنيطرة ليست في حاجة إلى المزيد من النخيل. هذا النوع من الأشجار، رغم جماليته في بعض المدن والمناطق، لم يعد يضيف شيئاً للنسيج البيئي المحلي، بل أصبح في العديد من الحالات رمزاً لمشاريع تجارية تستنزف المال العام وتثقل كاهل المجال الحضري. النخلة لا تظلل، ولا تُنعش الهواء برحيقها، ولا تخلق ذلك التوازن الميكرو–مناخي الذي توفره أصناف أخرى من الأشجار الوارفة مثل السرو، الكاليتوس، أو الصنوبر. إن الغابة الحضرية للقنيطرة، ومعها الغابة الصغيرة المحاذية لمسجد محمد السادس، ليست مجرد فضاءات طبيعية، بل هي خزائن ذاكرة بيئية تتوارثها الأجيال. أي مساس بها أو اقتلاع لأشجارها العتيقة هو بمثابة جريمة بيئية تمحو جزءاً من هوية المدينة. الإصلاح الحقيقي يبدأ من الأرضية والبنية التحتية، وليس من اجتثاث الأشجار التي ترعرعت في وجدان الساكنة. ولنا في فضاء ممشى الحدادة وفضاء ممشى ولاد واجيه ( رغم نواقصهما) مثال حي على إمكان تحقيق توازن جمالي وبيئي من خلال اعتماد أصناف متنوعة من الأشجار تُضفي على المكان رونقاً مريحاً للعين والروح، وتؤكد أن البدائل موجودة، وأن النخيل ليس قدراً محتوماً. المدينة اليوم تحتاج إلى رؤية بيئية تستحضر البُعد الإيكولوجي في التخطيط الحضري، رؤية تنحاز إلى الأشجار التي تُظلّل، وتُنعش الهواء، وتحتضن الطيور، وتزرع في النفوس طمأنينة خضراء. أما الرهان على مشاريع قصيرة الأمد تُحوّل الطبيعة إلى صفقات مربحة، فذلك مسار يقود لا محالة إلى إفقار الذاكرة البيئية للمدينة وإلى تكريس نموذج حضري هش. إن المحافظة على الفضاءات الخضراء في القنيطرة، بما تحمله من تاريخ طبيعي وبيئي، ليست ترفاً جمالياً، بل ضرورة وجودية لمستقبل المدينة. والتحدي الحقيقي أمام السلطات المحلية اليوم هو الإنصات بوعي إلى أصوات الساكنة، واحترام هوية المكان، واختيار ما يخدم البيئة والإنسان قبل أي اعتبارات أخرى.