رغم توالي المطالب منذ أسابيع لعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية على القضاء الدستوري، لتنقيته من المقتضيات المخالفة لوثيقة 2011، وضمان ممارسة تشريعية تنهل من روح الدستور، إلا أن الحكومة أصرت على تهريبه من مقص الرقابة الدستورية، ونشرته بالجريدة الرسمية على أن يدخل حيز التنفيذ في 8 دجنبر المقبل. فبعدما أسقط القضاء الدستوري أزيد من 30 مادة من المسطرة المدنية على إثر إحالة من مجلس النواب، بشكل وضع الحكومة ووزارة العدل في موقف محرج، لم تقم أي جهة من الجهات المخول لها قانونا بإحالة المسطرة الجنائية على القضاء الدستوري، لمراقبة مدى دستورية عدة نصوص تؤكد أصوات حقوقية وسياسية وأكاديمية أنها مخالفة للدستور.
الحكومة وعلى لسان وزارة العدل سارعت بإصدار بلاغ عقب قرار المحكمة الدستورية حول المسطرة المدنية اعتبرت فيه القرار "محطة دستورية هامة في مسار البناء الديمقراطي وتعزيز الضمانات القانونية داخل المنظومة القضائية الوطنية"، ونقلت قول الوزير عبد اللطيف وهبي "نحن لا نخشى الرقابة الدستورية، بل نشجعها ونراها ضمانة حقيقية لدولة القانون"، لكنها زاغت عن هذا النهج وعن مضمون هذه التصريحات بحجبها المسطرة الجنائية عن الرقابة الدستورية. ولا تتحمل الحكومة المسؤولية وحدها في عدم إحالة هذا النص الهام على القضاء الدستوري، بل إن الفصل 132 من الدستور ينص على أنه "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور". وأثار نشر المسطرة الجنائية في الجريدة الرسمية، موجة من الاستنكار، والتنديد بإصرار الحكومة على ضرب الوثيقة الدستورية بالحائط، وإخراج مقتضيات قانونية في جنح الظلام، تكرس للتمييز وتداخل السلط، مستغلة أغلبيتها العددية. محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، اعتبر أن المسطرة الجنائية تكرس الفساد والريع التشريعي، وانتقد بشدة تمريرها في الظلام ونشرها في الجريدة الرسمية، خوفا من مقصلة المحكمة الدستورية، ليجد المغاربة أنفسهم وضدا على الدستور أمام قانون يشرعن التمييز والامتياز ويضفي الشرعية على الفساد والريع التشريعي. وأوضح الغلوسي في تدوينة له أن المواد 265-266-267-268 من قانون المسطرة الجنائية والتي تحدد كيفية البحث والتحقيق في الجنايات والجنح التي ترتكب من طرف "مستشاري الملك، عضو من أعضاء الحكومة أو كاتب دولة، قاض بمحكمة النقض، قاض بالمجلس الأعلى للحسابات، قاض بالمحكمة الدستورية، والي، عامل، الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، الوكيل العام للملك، قاض بمحكمة الإستئناف، قاض بمحكمة ابتدائية، باشا، قائد، ضابط شرطة…"، حددت مسطرة استثنائية وخاصة للتحقيق مع المذكورين في صلبها، وهو ما يمكن تسميته بالامتياز القانوني والقضائي خلافا لقاعدة الناس سواسية أمام القانون. واعتبر المتحدث أن المادة 3 التي تمت المصادقة عليها ضمن قانون المسطرة الجنائية، أضافت فئة أخرى من الأشخاص إلى المواد أعلاه، ويتعلق الأمر بفئة المسؤولين أو المنتخبين الذين يوضع المال العام تحت سلطتهم وتصرفهم، وتهم هذه المادة بالدرجة الأولى فئة المنتخبين والتي ستلتحق بالفئة الأولى ليتمتع المنتخبون بدورهم بنفس الامتياز أو ربما أكثر وقال الغلوسي إن المعيّنين والمنتخبين يتوفرون اليوم على مسطرة استثنائية وخاصة تتعلق بتحريك الأبحاث والمتابعات ضدهم بخصوص ما يرتكبونه من أفعال توصف بالجناية أو الجنحة، في حين أن عامة الشعب يخضعون للمسطرة العادية "الكوميساريات " (أي مخافر الدرك والشرطة) ودون أي استثناء أو امتياز في الأفعال التي يرتكبونها وتوصف بالجنحة أو الجناية. واعتبر أن هذا الأمر يشكل انتهاكا سافرا للدستور، وتقنينا للتمييز في إعمال القانون وقواعد العدالة، وشرعنة لامتياز غير مقبول مع تكريس الفوارق الاجتماعية والوظيفية بتوظيف السلطة والمؤسسات، وهو ما يعد فسادا ريعيا وتشريعيا بالقانون.