تابعت مداخلة رئيس الحكومة عزيز أخنوش والتي تم بثها على قنوات القطب العمومي القناة الأولى والثانية يوم 10-09-2025 ، لمدة تقارب الساعة ونصف، بحضور محاورين "كيوت" و ظرفاء جدا ومن المؤكد أن الرجل جاء و هو يعلم، نوعية الأسئلة لكن مع ذلك لم ينجح طيلة المقابلة من تقديم أجوبة مقنعة، في العديد من الملفات الساخنة المطروحة، بدءا بالتعليم، ثم التشغيل، مرورا بقطاع الصحة، وصولا إلى قضايا شائكة أخرى مثل أزمة صناديق التقاعد وقضية مليون منصب شغل التي وعد بها خلال الحملة الانتخابية السابقة، وقال إنه خلق منها 600 ألف منصب والباقي (أي 400 ألف)، سيتم إستحداثها بنهاية الولاية الحالية .. وبصدق شديد السيد أخنوش لم يكن موفقا في خروجه الإعلامي، والأغرب أن المعطيات التي يقدمها للجمهور لا تتناسب مع معطيات مؤسسات رسمية أخرى مثل الأرقام التي قدمها بنك المغرب حول التضخم والنمو الاقتصادي الذي توقع رئيس الحكومة أن يصل إلى حوالي 13 في المائة، أو تلك التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط حول الشغل ونسبة البطالة والركود الاقتصادي. لكن أغرب رقم سمعته هو القول بأن معدل النمو الاقتصادي سيصل ل 13 في المائة ؟ و لا يسعني إلا أن أقول لسيد عزيز المديونية هل تعلم ما تقول ؟ * اقتصاد مقنبل بالريع تحقيق معدل نمو بهذا الحجم يحتاج جملة من المؤشرات الأولية، وحتى توقع رقم بهذا الحجم الخرافي يقتضي الكثير من المعطيات الإيجابية .. وقد ناقشنا هذا الموضوع بتفصيل في حلقة برنامج "إقتصاد في سياسة" والتي حملت عنوان الاقتصاد المغربي مقنبل بالريع ، أنصح القراء الأفاضل بالعودة لمشاهدتها حتى نستطيع فهم عما نتحدث وفيما يلي رابط الحلقة : https://youtu.be/FwhJ2fOhDWM?si=Rj6lBhvs8eMhihh3 * عزيز المديونية وعلاقة بمداخلة السيد أخنوش أو "عزيز المديونية " وليس في ذلك سب أو قذف للرجل، بل على العكس فإسم عزيز مذكور في القرأن الكريم وتحديدا في قصة يوسف عليه السلام الذي تقلد منصب عزيز مصر، لكن عزيز مصر تبنى إستراتيجية فريدة و متميزة شرحناها بالتفصيل في الحلقة الثامنة و التي تحمل عنوان " رؤيا الملك و برنامج الوزير" أدعوكم للرجوع إليها وفيما يلي رابط الحلقة : https://youtu.be/6559-AuW_RY?si=V-EpoL3lvvzqzyqo * تضارب المصالح وتعليقي على المقابلة سيركز على محور أساسي وهو تضارب المصالح الواضح والفاضح في صفقة تحلية مياه البحر .. ففي رد السيد أخنوش على قضية نيل شركته لصفقة ضخمة تقدر بالملايين، لتحلية الماء بالدار البيضاء، عمل على تحوير النقاش واتهم الحكومة السابقة بعدم إنجاز المشروع، قائلا أنه لولى هذا المشروع فإن سكان العاصمة الاقتصادية و الإدارية سيبقون بلا ماء شروب. قبل أن يعود، بعد إصرار محاوريه، ليقول إن الصفقة تمت بشكل قانوني وشفاف ، متناسيا أن المسألة وما فيها هي تضارب المصالح بين أخنوش كحكم (رئيس السلطة التنفيذية)، وبين فائز (أخنوش المستثمر). لكن ذلك لا يلغي حقيقة تضارب المصالح فالسيد أخنوش حاول إستغفال المغاربة، ووقف عند " ويل للمصلين" ، فصفقة تحلية الماء بالدار البيضاء نموذج عملي لما يصطلح عليه بتضارب المصالح ، ولا يهم إن كان فعله مشروع أو غير مشروع ، ولتوضيح الصورة ينبغي تحديد ماهية المفهوم ، فماذا نعني بتضارب المصالح ؟ * ماهية المفهوم "تضارب المصالح" وضع يمكن هيئة أو شخصا ما من تحقيق مصلحة مادية أو معنوية على حساب الواجبات الوظيفية. وتسعى الحكومات والهيئات إلى مكافحته بقوانين وسياسات عملية، حفاظا على الحكامة الرشيدة وسمعة الهيئة ونزاهة الموظفين ومصالح الآخرين. وتبعا لذلك يمكن تعريف "تضارب المصالح" بأنه كل تصرف أو موقف يحقق مصلحة مادية أو معنوية لهيئة ما -أو من يمثلها رسميا- بأي شكل من الأشكال، ويكون متعارضا مع أداء واجباتها أو واجبات ممثلها الرسمية. * تجريم و منع: المشرع المغربي خص تنازع المصالح بمزيد من الاهتمام فقد نص دستور 2011 بصريح العبارة في (الفصل36)أن القانون يعاقب على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، واستغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي، وكل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية، واستعمال الأموال الموجودة تحت تصرفها، وإبرام الصفقات العمومية وتدبيرها، والزجر عن هذه الانحرافات. كما يعاقب القانون على الشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز، ووضعيات الاحتكار والهيمنة، وباقي الممارسات المخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والمشروعية في العلاقات الاقتصادية. أما في (الفصل87) فقد أشار إلى القانون التنظيمي الذي يحدد حالات التنافي بالنسبة لأعضاء الحكومة، وقواعد الحد من الجمع بين المناصب، والقواعد الخاصة بتصريف الحكومة المنتهية مهامها للأمور الجارية. فيما نص (الفصل109) على منع التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، سواء أكانت عبارة عن أوامر أو تعليمات، أو أي ضغط من شانه أن يهدد استقلالية القضاة، كما يعتبر كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة. وتجدر الإشارة هنا، إلى كون دستور 2011 أول وثيقة قانونية تضمنت بصريح العبارة "تنازع المصالح" بهذا المصطلح، ذلك أن الدستور جاء بمقتضيات مهمة تهدف إلى المعاقبة على بعض حالات تنازع المصالح واستغلال النفوذ، وحالات التنافي، غير أنه وبالنظر إلى تعدد حالات تنازع المصالح وتداخلها مع أشكال الفساد الأخرى، كان من الأجدر بالمشرع الدستوري وضع ومقاربة مفهوم تنازع المصالح كإطار عام وشامل، وترك مسألة تجزيئ وتفسير حالات تنازع المصالح لمجال القانون. * الوظيفة العمومية: كما أن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، تطرق لبعض حالات تنازع المصالح ضمن مقتضياته وإن لم يكن بشكل صريح، إذ ينص على منع كل موظف من مزاولة نشاط مهني حر أو تابع للقطاع الخاص يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته، باستثناء الأعمال الأدبية والعلمية والفنية والرياضية، ثم التدريس والخبرات والاستشارات، شريطة أن تمارس لمدة محددة وألا يطغى عليها الطابع التجاري، ولا يجوز الجمع بين هذين الاستثناءين إلا بعد تقديم تصريح بذلك لرئيس إدارته، والذي يمكن له الاعتراض عليه متى تبين أن هذه الأعمال تتم أثناء أوقات العمل النظامية أو تخضعه لتبعية قانونية أو وضعية منافية مع الوظيفة، ويلزم الموظف بتقديم تصريح لإدارته، حينما يكون له زوج يزاول مهنة حرة أو نشاطا تابعا للقطاع الخاص ويدر عليه دخلا. كما يمنع كل موظف مهما كانت وضعيته، من أن تكون له مباشرة أو بواسطة ما أو تحت أي اسم كان، في مقاولة موضوعة تحت مراقبة الإدارة أو المصلحة التي ينتمي إليها أو على اتصال بهما، مصالح من شأنها أن تمس بحريته.. وقد حرص المشرع المغربي على وضع العديد من الضوابط التي تحول دون تنازع المصالح لدى المسؤولين الإداريين، وذلك في العديد من التشريعات التي تجد أساسها في قانون الوظيفة العمومية لمختلف مناصب المسؤولية. * تسير أشغال الحكومة: المواد (32-33-34 ) من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، التي تمنع أعضاء الحكومة من مزاولة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، ولاسيما عبر مشاركتهم في أجهزة تسيير أو إدارة إحدى المؤسسات الخاصة. * مجلسي البرلمان: المواد (13-14-18) من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، والمواد (14-16-18) من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، تجعل العضوية في مجلسي البرلمان متنافية مع مهام رئيس مجلس الإدارة أو متصرف منتدب، وكذلك مهام مدير عام أو مدير وعند الاقتضاء مهام عضو في مجلس الإدارة الجماعية، أو عضو في مجلس الرقابة المزاولة في شركات المساهمة التي تملك الدولة بصفة مباشرة أو غير مباشرة أكثر من نسبة 30% من رأسمالها. * تسيير الجهات و الجماعات : المادة (68) من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، والمادة(66) من القانون التنظيمي المتعلق بالعملات والأقاليم، والمادة (65) من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات. تمنع أعضاء المجالس من ربط مصالح خاصة مع الجماعة أو مجموعاتها، أو مجموعات الجماعات الترابية، أو مع المؤسسات العمومية أو شركات التنمية، أو إبرام عقود الكراء أو الاقتناء أو التبادل، وكل معاملة تهم أملاك الجماعة، أو إبرام عقود الصفقات العمومية، أو عقود الامتياز أو الوكالة، وكل عقد يتعلق بطرق تدبير المرافق العمومية، أو ممارسة كل نشاط يؤدي إلى تنازع المصالح، سواء كان بصفة شخصية أو بصفتهم مساهمين أو وكلاء أو لفائدة أزواجهم أو أصولهم أو فروعهم. والغاية من إستحضار هذا الكم من المواد القانونية هو التأكيد على أن تضارب المصالح قائم و واضح و مكشوف، صحيح أن المشرع المغربي لم يعطي تعريفا محددا لتنازع المصالح، ولكن حدد حالاته ، و سن مجموعة من القيود والضوابط للحلول دون الوقوع في تنازع المصالح، ويتبين هذا التعدد من خلال استقراء مختلف النصوص القانونية، التي يهيمن عليها طابع الجزاء والمنع، خصوصا فيما يتعلق بحالات التنافي أو الجمع بين الوظائف ومزاولة الأنشطة التجارية والمهنية في القطاع الخاص، وتهم هذه الحالات مختلف أصناف المسؤولين العموميين، الذين يعاقبون في حالة ارتكابهم لإحدى هذه الأفعال بعقوبات تتراوح بين التجريد والإعفاء من المهام، والاستقالة التلقائية والعزل وبطلان المقرر موضوع التضارب، وكذا العقوبات الحبسية والمالية. * علة الحظر : والغاية من حظر "تضارب المصالح" سواء أكان فعليا أو محتملا، هو منع تشكل أو إحداث ضرر بمصالح الآخرين أو المس بسمعتهم ونزاهتهم، سواء أكانوا أشخاصا طبيعيين أم هيئات ومؤسسات حكومية أو خاصة. وذلك عبر الالتزام بالمتطلبات التشريعية والآليات الإدارية المتبعة في هذا الشأن. ومع أن حالات تضارب المصلحة لا تعني بالضرورة ارتكاب خطأ فإنها يمكن أن تضر بعمل ونزاهة من تصدر منه وما يمثله، خاصة أن من أهم أسبابها الميل لتحقيق مصلحة شخصية، أو المحاباة والمحسوبية الناتجة عن علاقة قرابة أو صداقة أو شراكة، أو التأثر بعلاقة عداوة أو كراهية للآخر..سأتوقف عند هذا الحد على أن أتناول في المقال الموالي هوس السيد أخنوش بالمؤشرات وقدرته الفائقة على لي عنق المؤشرات الكمية و النوعية .. إلى اللقاء في المقال القادم لا تنسوا متابعة حلقات برنامج "إقتصاد في سياسة" ويتم بثها كاملة كل إثنين و خميس على الساعة 20.00 مساءا بتوقيت المغرب والساعة 19.00 بتوقيت غرينتش و 22.00 مساءا بتوقيت القدس الشريف، على منصة اليوتيوب.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. كاتب و أكاديمي من المغرب