لنعد قليلا للخلف وبالضبط للسابع والعشرين من يوليوز 2008 حينما تفاجأ المغاربة بولادة حزب سياسي جديد باسم الأصالة والمعاصرة . كان للأمر أن يكون مسألة عابرة وعادية لو أنها مرتبطة بمجرد حزب جديد ينضاف للأحزاب الكثيرة التي لا دور لها إلا انتظار ما تجود به الدولة عليها من دعم، إلا أن الحزب الجديد كان أكبر من كل ذلك لأنه مرتبط باسم فؤاد عالي الهمة، رجل القصر ومستشار الملك، بل وأيضا لأن الحزب ضم إليه الكثير من الأسماء الكبيرة والقوية التي قضى بعضها سنوات طويلة بين أسوار حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، أي أنها أسماء تعي جيدا عمق اللعبة السياسية. لذلك فقد من البديهي أن الحزب الجديد لم يتأسس ليتدرج في المشهد السياسي المغربي بل جاء ليتصدر هذا المشهد وهو ما تأكد خلال الانتخابات الجماعية 12 يونيو 2009 بعدد مقاعد تجاوز 6000 وهو ما شكل صدمة للمهتمين بالشأن السياسي في المغرب، فليس من الطبيعي أن يتصدر كيان سياسي أية انتخابات، مهما كانت قيمتها وجغرافيتها، بعد تأسيسه بعام واحد. هذا التفوق الصادم كان من المتوقع أن يتكرر خلال الانتخابات التشريعية اللاحقة إلا أن التحولات الجذرية التي حدثت سنة 2011 أجلت طويلا حلم الأصالة والمعاصرة برئاسة الحكومة المغربية. فالربيع العربي، وحركة 20 فبراير التي رفعت شعارات مناهضة للحزب، مرفوقة بصور لزعمائه الذين تم وصفهم بزعماء الفساد المقربين من السلطة.. قلت كل ذلك جعل الحزب يتقهقر نسبيا للخلف ليتموقع رابعا في انتخابات 25 دجنبر 2011 التي تزعمها حزب العدالة والتنمية. ما حدث لاحقا هو نوع من صراع خطابي طويل ومتواصل بين زعماء الأصالة والمعاصرة والحزب الاسلامي أضر بالحزب الأول أكثر مما فعلت حركة 20 فبراير. فلا أعتقد أن هناك من مكون سياسي قادر على مجابهة القدرة التواصلية والخطابية للعدالة والتنمية. وهو الأمر الذي فهمه البام فبدأ بتغيير جلده تدريجيا ليتصدر نتائج الانتخابات الجماعية 2015 وأن يحل ثانيا بعظ العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية 2016 بعدد مقاعد تجاوز المائة، وهي نفسها المرتبة التي حافظ عليها خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة لكن بعدد مقاعد توقف عند 82. هذه المحطات والتحولات التي مر بها الحزب مكنته من اكتساب، ليس فقط مرونة التفاعل مع المتغيرات، ولكن أيضا أكسبته فهم عميق ووعي أعمق بالطريقة التي يجب أن تلعب بها السياسة في المغرب والأهم من كل ذلك هو أن الحزب تفرد بهويته الخاصة البعيدة عن توجه حزبي الاشتراكي والاستقلال. فمن لا هوية له لا يمكن أن يمنح للآخرين هوية. لقد تمكن الحزب من خلال قطعه مع ماضيه أن جعل المغاربة يتناسون الصخب الذي ارتبط بتأسيس الحزب لأنه ببساطة ما عاد حزب السلطة. لكن هل تنسى السلطة أبنائها؟ يعتقد كثيرون أن تواجد الحزب ضمن مكونات حكومة أخنوش قد أضر كثيرا بصورته، وأن خرجات وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد ضاعفت حجم هذا الضرر… ما قد يؤثر على تموقع الحزب خلال الانتخابات التشريعية القادمة التي ستتمخض عنها "حكومة المونديال" التي أخذت حجما أكبر مما تسحق من خلال الصخب الاعلامي الموجه نحوها. فالمونديال فضية دولة وليس قضية حكومة. قلت أن الاعتقاد بكون تواجد الحزب بالحكومة الحالية وخرجات وهبي سيؤثر سلبا على موقع الحزب قهذه الانتخابات هو اعتقاد مؤسس على قراءة سطحية للكيفية التي تجرى بها العملية الانتخابية. فنتائج الانتخابات التشريعية في المغرب لا تخضع لمنطق حصيلة الحكومة السابقة في شموليتها بقدر ما تخضع لمنطق التأثير المحدث من الشخص المرشح ضمن محيطه الصغير( الدائرة).. فضلا عن مؤثرات أخرى، نعتقد أنها ستجعل من حزب الأصالة والمعاصرة رقم واحد خلال انتخابات السنة القادمة خاصة في ظل تقهقر الأحزاب التقليدية وتذمر رجال الأعمال من تواجدهم في الحكومة بعدما أثر ذلك سلبا على أعمالهم برغم من استفادة بعضهم من صفقات كثيرة ما كانوا ليحلموا بها وهم خارج الحكومة. في الأخير نقول أن حزب الأصالة والمعاصرة مستعد ليقود الحكومة القادمة لكنه لن يقود المونديال. ربما حان الوقت لتترأس امرأة الحكومة المغربية..