في كلمة مطولة أمام أنصاره، أبدى عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تعاطفا مع مطالب الشباب المحتجين، قائلا: "لسنا ضد احتجاجات الناس، ولا ضد احتجاجات الشباب، فهم يطالبون بحقوق مشروعة. لكن مشكلتهم أنهم لا يرون مستقبلا أمامهم، بل يرونه مظلما". وأكد بنكيران أن "المكر والخداع والتعطيل السياسي هو ما أوصلنا إلى هذا الوضع، ولذلك الشوارع تشتعل من جديد". جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي التاسع لحزب العدالة والتنمية بطنجة، يوم الأحد 28 شتنبر الحالي.
وحذر بنكيران من خطورة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مشددا على أن "الشعب المغربي ليس شعبا يُرهب أو يُخدع بالدعاية، بل هو شعب أبي وواع، وقد وصفه الملك الراحل محمد الخامس بالأسد الذي يُقاد بسلسلة من حرير، لا بالعنف ولا بالخداع". وأضاف: "الحقيقة أن المواطنين في القرى والجبال يعانون أوضاعا صعبة، وعلينا أن نقول لهم الحقيقة لا أن نخدعهم ببرامج شكلية". وانتقد بنكيران بعض البرامج الحكومية مثل برنامج "فرصة"، معتبرا أنه "يدفع الشباب نحو الفشل وربما السجن، لأن الشاب الذي يحصل على عشرة ملايين سنتيم يُلزم باستئجار محل واستخراج الرخص، وفي النهاية يتراكم عليه الكراء ولا يستطيع إكمال المشروع". وبذلك، يُوفر بنكيران الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، من انتقاداته واعتبر أن الخلل الجوهري يكمن في طبيعة تدبيرها للشأن العام. وقال إن "السياسة شيء، والمال والأعمال شيء آخر"، مضيفا أن "الحكومة الحالية ليست حكومة سياسية، بل هي حكومة رجال أعمال، وهذا الأسلوب لا يصلح لتسيير البلاد". واعتبر أن منطق المقاولة يختلف جذريا عن منطق الدولة، موضحا أن "التاجر يبحث عن الربح السريع ويجيد الدعاية، أما السياسة فتعتمد على الصدق والالتزام مع المواطنين، ومن يستعمل الخداع لن ينجح في النهاية". وبنبرة حادة، تناول بنكيران ما وصفه بمحاولات استغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية، مستحضرا ملف الدعم الذي أثار الجدل في لجنة الاستثمار. وقال: "لقد حاول رئيس الحكومة الحصول على مليارين وستمئة مليون درهم دون وجه حق، وهذا خطأ جسيم". وأضاف: "صحيح أنه تراجع وقال إنه لن يأخذ الدعم، ولكن القرار الذي منح له هذا الحق لم يُلغ بعد. إن لم يتم سحب ذلك القرار فلن نثق به". وأردف موضحا: "أموال الدولة أمانة، ويجب أن تُصرف في محلها الصحيح، ولا يجوز التصرف فيها لمصالح ضيقة". وخلال كلمته، لم يخف بنكيران خيبة أمله من أسلوب تدبير رئيس الحكومة الحالي، قائلا: "هذا الرجل ليس شريرا، ولكنه يسمع كثيرا للآخرين وينفذ ما يُملى عليه دون تمحيص، والنتيجة هي ما نراه اليوم". وأوضح أنه رغم علاقته السابقة الجيدة مع أخنوش، إلا أن تدبير الشأن العام يتطلب "الحزم والوضوح والعدل"، مؤكدا أن "رئيس الحكومة ليس رجلا غنيا يوزع الأموال لإسكات المواطنين، بل هو مسؤول عن تدبير المصلحة العامة بعقلانية وعدل". وعاد بنكيران إلى تجربته الحكومية ليبرز اختلاف أسلوبه في التعيينات عن النهج الحالي، قائلا: "خلال خمس سنوات من رئاستي للحكومة عينت ما بين ألف وألفي مسؤول، ولم يكن بينهم من حزبي سوى عشرين أو أقل، لأنني كنت أعتمد الكفاءة وليس الولاء الحزبي أو القرابة". وأضاف منتقدا الوضع الراهن: "اليوم معظم التعيينات تتم بناء على القرابة، سواء العائلية أو الحزبية أو المهنية، وهذا أمر خطير". ودافع بنكيران عن حصيلة حزب العدالة والتنمية في الحكم، مؤكدا أن "الحزب قاد الحكومة لعشر سنوات ولم يسجل عليه أن وزيرا سرق مالا عاما"، مبرزا أن التجربة الحكومية لحزبه خلت من قضايا الفساد الكبرى. كما تحدث عن ممارساته الشخصية حين كان رئيسا للحكومة قائلا: "عندما كنت أسافر، كان المسؤولون يمنحونني ظرفا فيه مئة دولار أو أكثر قليلا، وكنت أعطيه لمرافقي وأرده فورا. لم آخذ درهما واحدا لنفسي، لأن أموال الدولة ليست ملكا لي". كما أعاد التذكير بموقفه الثابت من مسألة الجمع بين السلطة والثروة، قائلا: "قلت منذ سنوات إنه لا يجوز الجمع بين المال والسلطة. فإذا كان القائد يبيع الليمون في السوق إلى جانب تاجر بسيط، فالناس سيشترون من عند القائد لا من عند التاجر، وهذا إخلال بالمساواة". وأضاف: "في السياسة يجب أن يُفصل المال عن السلطة، لأن اجتماع الاثنين يفسد الحياة العامة ويضر بالديمقراطية".