كشف تقرير استراتيجي حديث بعنوان "سوق الشغل المغربي: هشاشة الحاضر وفرص الغد" أن المغرب يواجه تحديات عميقة في سوق العمل، تتجلى في معدلات بطالة مرتفعة بين الشباب والنساء، واعتماد اقتصادي مفرط على الخارج، مقابل فرص مستقبلية واعدة مشروطة بإصلاحات مؤسسية شاملة. وبحسب التقرير، صادر عن "المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمية"، بلغ معدل البطالة الوطني مطلع 2025 نحو 12.8 بالمئة، لكنه يرتفع إلى 37 بالمئة بين الشباب و20 بالمئة بين النساء. كما لا يتجاوز معدل النشاط الاقتصادي 43 بالمئة، مع مشاركة نسائية لا تتخطى 18 بالمئة. ويعمل ثلثا الأجراء في القطاع غير المهيكل، ما يعني غياب حماية اجتماعية لملايين المغاربة.
وحذر التقرير، الذي حمل عنوان "سوق الشغل المغربي: هشاشة الحاضر وفرص الغد"، من هشاشة قطاعات اقتصادية أساسية، إذ تذهب أكثر من 80 بالمئة من صادرات السيارات نحو فرنسا وإسبانيا، ما يجعل الصناعة المغربية رهينة للسياسات الأوروبية، خاصة مع صعود السيارات الكهربائية وضريبة الكربون. وفي قطاع الخدمات، يشغّل نشاط مراكز الاتصال نحو 90 ألف شاب، 80 بالمئة منهم مرتبطون بالسوق الفرنسية، المهددة بتشريعات جديدة بحلول 2026. أما الاستعدادات لاحتضان كأس العالم 2030، فرغم أنها توفر نحو 250 ألف وظيفة مؤقتة في البناء و100 ألف في السياحة والضيافة، فإن التقرير يحذر من "فقاعة" تشغيل قد تنفجر بعد انتهاء الحدث إذا لم توضع خطط لإعادة إدماج اليد العاملة. إلى جانب هذه التحديات، يرصد التقرير فرصاً في التحولات الرقمية والبيئية، مثل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الأخضر، الذي يمكن أن يخلق 500 ألف وظيفة جديدة طويلة الأمد. لكنه يربط هذه الإمكانات بإصلاحات في التعليم والتكوين المهني وربط المهارات بحاجات السوق. وعلى صعيد الحركة النقابية، يلفت التقرير إلى أن نسبة الانخراط لا تتجاوز 3 بالمئة من اليد العاملة، داعياً إلى تطوير نقابات "4.0" قادرة على تمثيل عمال المنصات والمستقلين، ومواجهة قضايا جديدة مثل الحق في الانفصال الرقمي وحماية البيانات. وطرح التقرير ثلاثة سيناريوهات لمستقبل التشغيل: الأول متفائل يقوم على دمج التحول الرقمي والبيئي مع إصلاح التعليم بما قد يخلق مليون وظيفة عالية القيمة بحلول 2040، والثاني تشاؤمي يرتبط باستمرار الاعتماد على أوروبا، والثالث وسطي يبقي الاقتصاد في حالة هشاشة مزمنة. واختتم بالتحذير من أن المغرب يقف عند مفترق طرق: إما الاستمرار في الارتهان لتقلبات الخارج، أو بناء مناعة اقتصادية عبر تنويع الشركاء والاستثمار في رأس المال البشري لإقامة سوق عمل أكثر صلابة واستدامة. تأتي نتائج التقرير في سياق يطغى عليه توتر اجتماعي وارتفاع سقف المطالب الشعبية، سواء عبر احتجاجات مرتبطة بالصحة والتعليم والماء، أو عبر نقاشات حادة حول العدالة الاجتماعية. إن وضع سوق الشغل كما ورد في التقرير يعكس هشاشة مزدوجة: اقتصادية مرتبطة بالارتهان الخارجي واجتماعية مرتبطة بضعف إدماج الفئات الأكثر دينامية. كما أن الاعتماد على أوراش ظرفية كالمونديال 2030 يعكس مقاربة قصيرة الأمد لا تعالج جذور الخلل البنيوي. يمثل التقرير مساهمة مهمة لأنه يجمع بين المؤشرات الرقمية الدقيقة والتحذيرات الاستباقية، ويطرح سيناريوهات بديلة قابلة للنقاش. قوته تكمن في شمولية الطرح وربط سوق الشغل بالتحولات البيئية والرقمية العالمية. غير أنه يظل أقرب إلى وثيقة تشخيصية/توجيهية، إذ يفتقر إلى تقديرات كمية معمقة حول كلفة الإصلاحات أو تمويلها، ولا يقدّم تحليلًا سياسياً لمعادلات القوة التي قد تعيق تنفيذ توصياته. ومع ذلك، يوفر التقرير أرضية موضوعية لإطلاق نقاش وطني حول مستقبل العمل في المغرب في مرحلة دقيقة.