عندما نتحدث عن التغيير فنحن لا نتحدث عن إقالة الحكومة أو استقالتها، لا نتحدث عن رحيل أخنوش أو دفعه للرحيل.. تلك قضايا هامشية لا علاقة لها بعمق التغيير الذي يحتاجه المغرب أو الذي على الأقل يتصوره من خرجوا للاحتجاج على مدار السنوات التي تلت الاستقلال. أي أن الأمر في شموليته أكبر بكثير من مجرد شباب نسب نفسه لحرف Z وخرج ليطالب بصحة جيدة وتعليم محترم وحياة كريمة. فهؤلاء الشباب سيتوهمون تحقيقهم لحلم التغيير بمجرد إقالة أو استقالة السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ما دام تصويره، حقيقة أو افتراء، كالمسبب الرئيسي لكل الويلان التي يعيشها المواطن المغربي خلال السنوات التي أعقبت مرحلة كوفيد 19. والحقيقة أن حكومة أخنوش تزامنت ومرحلة كان من المتوقع أن تكون الأسوء في التاريخ الاجتماعي للمغرب لذلك فما كان سيفرق تواجد أخنوش عن تواجد لشكر أو بن كيران أو منيب أو غيرهم…لذلك نعتقد أن نهاية أخنوش السياسية التي باتت قريبة لن تشكل لحظة فارقة في مسار التنمية بالمغرب بقدر ما ستكون ورقة لتهدئة الوضع الراهن. حديثنا عن التغيير مرتبط بعمق ما جاء به محمد عابد الجابري: "لا يمكن للمغرب أن يعرف تحولا حقيقيا دون إصلاح العقلية السائدة التي ورثت تقاليد سلطوية..". نقصد القول أن المواطن المغربي، وبفعل التراكمات، قد أصبح يفكر بنفس الطريقة التي تفكر بها السلطة مع فرق الآليات المتوفرة لكل طرف. فبين الرغبة في "التسلط" وثقافة "الطاعة" تحول المواطن المغربي إلى كائن هجين لا يفهم حقيقة ما يريد لكنه يدرك عمق احتياجه ما يجعله يسقط بين فينة وأخرى وسط ما يمكن أن نصطلح عليه 'مستنقع الرفض المرحلي'.. لأن التواجد في الشارع والتعبير عن الاحتياج سرعان ما يتم ردعه من قبل المواطن نفسه بسبب الرغبة في أن يكون الصوت المتزعم وليس الأوحد وأيضا بسبب الحاجة في العودة ما تشبع به من ثقافة طاعة للمسؤولين مهمن كانوا. الأمر الثاني الذي يقف حجر عثرة أمام التغيير في المغرب هو أيضا مرتبط بالعقلية السائدة. فالإنسان المغربي عموما يجد صعوبة في مغادرة منطقة راحته لذلك هو ميال إلى اختيار الحلول السعلة والبسيطة بل وأحيانا يختار التقصير في مهامه وواجباته. لذلك، فمثلا، عندما نتحدث عن بؤس المستشفيات المغربية فنحن لا نتحدث فقط عن تقصير الوزارة في القيام بدورها في التقصي ولكننا نتحدث عن تقصير الطبيب، والممرض، والاداري، ورجل الأمن، والكهربائي، وحتى المسؤول عن تلميع زجاج المستشفيات. هذا التقصير الفردي الذي سيبدو مجرد جزئية صغيرة لن ينتبها لها صاحبها ستتحول إلى فوضى لحظة تنضاف إليها باقي الجزئيات، لنصل إلى ما وصلنا إليه بأكادير مؤخرا. نقصد القول أن التغيير في المغرب غير ممكن إلا إذا ارتبط بمشروع حقيقي على المدى البعيد يكون هدفه الإنسان وفقط الانسان. فنحن بحاجة ملحة لبناء العقل المغربي من جديد وهو ما لا يمكن أن يتم بالمهرجانات والملاعب… بقدر ما سيتم بمدارس تحترم كرامة التلميذ منذ الصغر حتى لا تتشكل بداخله تراكمات الحقد. أما أن نكدس 45 تلميذ وسط قسم يشبه مطاعم السجون وتوقف أمامهم أستاذ ليراقب شغبهم، فإننا نصنع جيلا حاقدا وناقما.