وجّه عشرات المثقفين والسياسيين والإعلاميين المغاربة رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس، دعوه فيها إلى اتخاذ "إجراءات عاجلة وجذرية" استجابةً للاحتجاجات المتواصلة التي يقودها شباب حركة "جيل زد 212″، معتبرين أن "البلاد تمرّ بمرحلة خطيرة تتطلب تحركاً في العمق". الرسالة التي حملت عنوان "آن الأوان للتحرك في العمق" وجرى تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي وعبر منصة "Change.org" ابتداءً من 8 أكتوبر، جاءت في سياق استمرار المظاهرات منذ أكثر من عشرة أيام في عشرات المدن المغربية، للمطالبة بإصلاحات في الصحة والتعليم ومحاربة الفساد.
وقال الموقعون، وعددهم نحو ستين شخصية من بينهم عبد اللطيف اللعبي الشاعر المعروف، ونبيلة منيب أستاذة جامعية وأمينة عامة سابقة لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، وأحمد بنشمسي الصحافي والناشط الحقوقي، وعمر بروكسي ومعطي منجب وفؤاد عبد المومني، إنهم يخاطبون الملك باعتباره "صاحب السلطة والمسؤولية النهائية في البلاد"، محذرين من "انزلاق خطير نحو المجهول" إذا استمر التعامل الأمني مع الحراك الشبابي. ثلاث أولويات ومطالب عاجلة الرسالة شددت على أن معالجة الأزمة تتطلب "إصلاحاً عميقاً" يرتكز على ثلاثة محاور: مأسسة محاربة الفساد والريع والزبونية، وربط ممارسة السلطة بالمساءلة السياسية والقضائية. إعادة توجيه أولويات الدولة نحو الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة وفرص الشغل بدل "الإنفاق على المشاريع الرمزية والمكلفة" مثل الملاعب الضخمة والقطارات السريعة. استعادة مصداقية المؤسسات عبر ربط السلطة بالمسؤولية أمام الشعب. وطالب الموقعون الملك باتخاذ خطوات "فورية" منها: تقديم تعازٍ رسمية لعائلات الضحايا في الاحتجاجات الأخيرة وفتح تحقيقات شفافة. الإفراج عن جميع معتقلي حركة جيل زد والمعتقلين السياسيين بمن فيهم سجناء حراك الريف. ضمان حرية التعبير والإعلام وإصلاح القانون الجنائي لإزالة القيود على الحريات. إطلاق إصلاح دستوري يعزز السيادة الشعبية والفصل الحقيقي بين السلط. فتح حوار وطني شامل يعيد ترتيب أولويات الإنفاق العام ويوجه الموارد إلى القطاعات الاجتماعية رسالة تتقاطع مع نداء شباب "جيل زد" تزامن نشر الرسالة مع استمرار مظاهرات "جيل زد" التي رفعت شعارات تطالب بإسقاط الحكومة ومحاسبة الفاسدين، وهي المطالب التي سبق أن وجهها نشطاء الحركة أنفسهم في رسالة مفتوحة إلى الملك قبل أيام، دعوه فيها إلى "الاستماع لصوت الشارع وإنقاذ البلاد من الانسداد السياسي". ويرى مراقبون إن تشابه المطالب بين رسالة المثقفين ورسالة شباب "جيل زد" يعكس "تقاطُعاً غير مسبوق" بين جيلين من الفاعلين الاجتماعيين في المغرب، رغم اختلاف الأساليب والخلفيات. فالرسالة الجديدة، وإن كتبت بلغة نُخبوية، تتبنى الكثير من شعارات الحراك الشبابي، وتطالب بإجراءات ملموسة بدل الخطابات. جدل داخل النخبة الرسالة أثارت انقساماً داخل الوسط الثقافي والسياسي؛ إذ اعتبر بعض المثقفين أن توجيهها إلى الملك "يكرّس الوصاية على الشباب ويبرئ المؤسسة الملكية من مسؤوليتها السياسية"، فيما رأى آخرون أنها "صرخة تحذير مخلصة لتجنب المواجهة المفتوحة بين الدولة والمجتمع". ويأتي هذا الجدل فيما لا تزال السلطات تواجه انتقادات بسبب تعاملها الأمني مع الاحتجاجات، التي أسفرت عن سقوط قتلى واعتقالات واسعة بحسب منظمات حقوقية. بغضّ النظر عن المواقف المختلفة، تكشف الرسالة عن عودة الملتمسات الملكية كأداة سياسية في المغرب، بعد أن كانت قد تراجعت منذ حراك 20 فبراير عام 2011. كما تؤشر إلى أن حراك "جيل زد" بات يفرض نفسه ليس فقط كحركة احتجاجية، بل ك"مرآة لضمير جيل جديد" أعاد فتح النقاش حول علاقة السلطة بالمجتمع داخل نظام ملكي تنفيذي مركز القرار داخله شبه مغلق.