"جيل زد".. هذه المعادلة التي تعجز النخبة السياسية عن حلّها    "الأسود" يبحثون عن تعزيز الانسجام    تصفيات إفريقيا المؤهلة لمونديال 2026: المنتخب المغربي يفتح أبوابه للإعلام قبل مواجهة الكونغو    كأس أمم إفريقيا المغرب 2025.. انطلاق بيع التذاكر يوم 13 أكتوبر وإطلاق تطبيق "يالا" لهوية المشجعين    خمسة قتلى في انقلاب سيارة نقل مزدوج بإقليم ورزازات وسط تصاعد مقلق لحوادث السير في المغرب    بروفايل: لاسلو كراسناهوركاي.. كاتب الخراب الجميل صاحب نوبل الأدب لعام 2025    مدرب أمريكا: "الأشبال" موهوبون    مصر تحتضن قمة دولية حول غزة    إحباط محاولة تهريب كمية من الحشيش بساحل المضيق    "الأشبال" يختتمون الإعداد للقاء أمريكا    أصيلة: نقاد وباحثون يقاربون مفهوم وأدوار المؤسسات الفنية وعلاقتها بالفن (فيديو)    وفاة الممثلة الأمريكية ديان كيتون عن 79 عاما في كاليفورنيا    حماس لن تشارك في مراسم التوقيع على اتفاق إنهاء الحرب في غزة وتتوقع مرحلة من المفاوضات أكثر صعوبة    حزب التقدم والاشتراكية يثمّن مضامين الخطاب الملكي ويدعو إلى قفزة إصلاحية نوعية    فيضانات تجتاح مدينة العروي بإقليم الناظور بعد أمطار غزيرة (فيديو)    رفض السراح المؤقت لمتابعين احداث على خلفية مواجهات امزورن    الخطاب الملكي الذي أوجد للجميع ضالته    "مال القدس" تدعم شركات فلسطينية    حين يتكلم العرش… تستيقظ الحقيقة و يتنفس الوطن    بلال الخنوس.. الموهبة المغربية التي وجدت نفسها في "البوندسليغا"    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد        مسؤول في حماس: نزع سلاح الحركة "غير وارد وخارج النقاش"    أعمو ينتقد ضعف أداء رؤساء الجهات ويدعو إلى تنزيل فعلي للاختصاصات الجهوية    رياض السلطان في النصف الثاني من شهر اكتوبر    الحسيمة تثمن الإبداع والتمكين النسائي‬    حفظ الله غزة وأهلها    قبل مواجهة المغرب والكونغو.. اللجنة المنظمة تحدد موعد ومكان سحب تصاريح وقوف السيارات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع بأداء سلبي    أزمة القراءة... ما بين النص والتناص    من الاحتجاج إلى الإصلاح.. كيف حوّل الخطاب الملكي غضب الشباب إلى أمل جديد؟    ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في غزة إلى 67 ألفا و682 منذ بدء الحرب    "تخريب ليلي" يستنفر شرطة البيضاء    "بورشه" الألمانية تبحث تشديد السياسة التقشفية            الأمم المتحدة... متدخلون يحذرون من التواطؤ الثابت بين "البوليساريو" والجماعات الإرهابية    خطاب جلالة الملك في افتتاح البرلمان : مناشدة التنمية عبر الآلية الديمقراطية    اعتقال حوالي 30 من شباب "جيل Z" خلال افتتاح البرلمان    بعد 55 عاماً من العلاقات الدبلوماسية.. بكين وروما تجددان التزامهما بالحوار والانفتاح    الصين وتايلاند والولايات المتحدة يتفقون على تعزيز التعاون في مجال مكافحة المخدرات    تبون و«الدولة التي لا تُذكر»... عندما يتحول الحقد إلى سياسة رسمية في الجزائر    سحب بطاقة الصحافة من مدير موقع خالف أخلاقيات المهنة    للاطلاع على الخبرة المحاسبية.. غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بمراكش تؤجل جلسة المتابعين في ملف "كوب 22"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    السنغال: ارتفاع حصيلة ضحايا حمى الوادي المتصدع إلى 18 وفاة    الصيد البحري... تسويق حوالي 8,2 مليارات درهم من المنتجات حتى نهاية شتنبر 2025    بورصة الدار البيضاء تغلق على تراجع    طنجة تحتضن نقاشا إفريقيا واسعا يغذي أمل "استدامة حياة بحار القارة"    الخزينة.. مركز "التجاري غلوبال ريسورش" يتوقع عجزا متحكما فيه بنسبة 3,5% من الناتج الداخلي الخام سنة 2025    أطعمة شائعة لا يجب تناولها على معدة خاوية    دراسة: الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تغير أعداد البكتيريا المعوية النافعة    لأول مرة في العالم .. زراعة كبد خنزير في جسم إنسان    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بسبب عوامل وراثية    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيل 212 Z والجمهور الوهمي: كيف يصنع عدد محدود من النشطاء ثورة افتراضية على ديسكورد
نشر في الجديدة 24 يوم 05 - 10 - 2025

في فضاء رقمي على منصة ديسكورد أنشأ حساب مجهول يقوم بتغيير اسمه يوميا سيرفر افتراضي قسمه الى غرف للدردشات المكتوبة والحوارات، ويضم السيرفر ثلاثة أنواع من الغرف، هناك غرف مناطقية، نسبة الى المناطق الموجودة بالمغرب، وهناك غرف تهتم بقضايا التعليم والصحة والدردشات العامة، والمثير في هذا الفضاء الذي يسيره الزعيم الصامت، كما يحب أن يصف نفسه، ومجموعة من المشرفين والمٌعزِّزون boosters، أن عدد المنضمّين يزداد يوميًا بوتيرة غير طبيعية، إذ تلتحق بخادم ال Server آلاف الحسابات بطريقة غامضة ومثيرة للشك، ولنأخذ مثلا غرفة الشات العام الموجودة هناك، فهي مكتظّة بالرسائل الفورية القصيرة والتنبيهات، حيث تتشكّل ثورة جديدة من نوع آخر — ثورة بلا جماهير، بلا تنظيم، ولكن بزخم لغوي ومشهدي يخلق وهم الحشود الرقمية.
وعند التصفّح الأول لقنوات "ديسكورد" المرتبطة بنشاط سياسي، يبدو المشهد كأنه غليان شعبي؛ حيث تظهر مئات من الرسائل المتتابعة، والرموز، والنداءات والاحتجاج، وأوامر التشغيل عبر الشبكة الافتراضية، غير أن التدقيق يكشف العكس تمامًا: فالمحادثات لا تتفاعل، والرسائل لا تتحاور، بل تُلقى دفعة واحدة كما لو كانت حملة رقمية آلية مصمَّمة لمحاكاة التجمهر.
* وهم الجماعة الرقمية
ما يبدو كمشاركة جماهيرية واسعة ليس سوى محاكاة رقمية للفاعلية الاجتماعية، فعدد محدود جدًا من النشطاء — قد لا يتجاوز العشرات— يدير مئات الحسابات الوهمية أو المتعددة، يضخّون من خلالها رسائل سياسية قصيرة ومكررة لإيهام المتصفّح بوجود حركة جماهيرية واسعة. هذه التقنية تُعرف ب التأطير الاصطناعي للجمهور (Astroturfing)، أي صناعة تفاعل زائف لإيهام الرأي العام بأن هناك حراكًا تلقائيًا.
يتمّ تضخيم هذا الوهم من خلال بنية "ديسكورد" نفسها، حيث تعمل خوارزميات الإشعارات والمحادثات المتزامنة على تضخيم الإحساس بالزخم والتفاعل، حتى وإن كان مصدره شخصا واحدًا يدير عشرات المعرفات.
* الخطاب المفكك والتأطير الانفعالي
إن اللغة المستعملة ليست عشوائية، بل محسوبة بعناية: فوضوية، ومشحونة بالعاطفة، ومتقطعة الإيقاع. إنها استراتيجية تواصليّة هدفها تفكيك المعنى وإشباع الفضاء الخطابي بالضجيج. لا يهم أن تكون الرسالة مفهومة، المهم أن تثير إحساسًا جماعيًا بالاحتقان. هنا قد يتحول المستخدم إلى ترول، وقد يتحوّل "الترول" من سلوك عبثي إلى وظيفة تنظيمية، دوره إبقاء الفضاء في حالة انفعال دائم، ومنع أي نقاش عقلاني أو نقدي من الاستقرار.
المؤسسة الظلية
ورغم المظهر الفوضوي، هناك تنظيم خفي واضح. إن المشرفين يصدرون أوامر، ويحذفون الرسائل، ويوجهون النقاشات، ويوزعون المهام. خلف الستار، فتعمل بنية مؤسسية مصغّرة: بمسؤولين، ومنسقين، ومراقبين، وقنوات فرعية متخصّصة.
إنها ليست فوضى، بل بيروقراطية رقمية ذات طابع ديني-أخلاقي، تحافظ على الانضباط من خلال مفردات الإيمان، والولاء، والتضحية.
* التعبئة العاطفية بدل الفعل الاجتماعي
ما يجري هنا في فضاء جيل z212 ليس حركة اجتماعية، بل ما يمكن تسميته ب "الجمهور العاطفي" (Affective Publics) — جماعة تتوحّد حول انفعال مشترك، لا حول مشروع سياسي أو مطالب اجتماعية/سياسية واضحة. وفي هذا السياق، يصبح الانفعال بحدّ ذاته رأسمالًا رمزيًا يُستثمر في إنتاج الانقسام والتعبئة. إنها ليست ثورة، بل مسرحة للثورة (Dramatization of Revolt) — عرض رمزي يتغذّى من صور الاحتجاج دون أن يملك أدواته الواقعية.
* من الشات إلى الشارع؟
لا يكمن الخطر الحقيقي في انتقال هذه الحملات إلى الواقع فقط، بل في إعادة تشكيل الإدراك الجمعي. فحين يتكرّر الخطاب ويُعاد تداوله عبر آلاف الحسابات، يُصبح الوهم حقيقة إدراكية. وهكذا، تتحول المنصات الرقمية إلى مختبرات لتجريب السخط، تُدار فيها العواطف كأنها موارد سياسية.
الخلاصة
إن ما نراه على منصة "ديسكورد" ليس جمهورًا بالمعنى السوسيولوجي للكلمة، بل بنية خطابية مبرمجة تهدف إلى إنتاج مظهر الجماهير . هذا جيل جديد من الثورات لا يبدأ من الشارع، بل من الأكواد البرمجية، ومن النصوص القصيرة، ومن الإيقاع الصناعي للغضب على غرار ما يقع في غرف الصدى الجهادية على المنصات المشفرة. وفي زمن "الذكاء الاصطناعي"، يمكن لخمسة أفراد أن يبدوا كوطن غاضب.
ذ. محمد معروف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.