يبدو أن مشروع قانون المالية الجديد في المغرب لعام 2026 يحمل بين طياته صدى غير مباشر لمطالب حركة "جيل زد" التي خرجت نهاية شتنبر الماضي إلى الشوارع احتجاجا على ضعف الخدمات العمومية في مجالي الصحة والتعليم. فوفق ما ورد في البلاغ الصادر عقب المجلس الوزاري المنعقد الأحد بالقصر الملكي بالرباط، فقد تقرر تخصيص غلاف مالي غير مسبوق قدره 140 مليار درهم لهذين القطاعين، مع إحداث أزيد من 27 ألف منصب مالي لفائدتهما، في ما اعتُبر "تحولاً نوعياً في المجهود الاجتماعي للدولة".
وسيُفتتح خلال العام المقبل المركزان الاستشفائيان الجامعيان بأكادير والعيون، مع استكمال بناء وتجهيز مستشفى ابن سينا الجديد بالرباط، ومواصلة بناء مراكز جامعية بكل من بني ملال وكلميم والرشيدية، فضلاً عن تأهيل وتحديث 90 مستشفى عبر التراب الوطني. أما في مجال التعليم، فسيتم تسريع تنزيل خارطة الطريق لإصلاح المنظومة التربوية، خاصة عبر تعميم التعليم الأولي وتحسين جودة التعليم ودعم تمدرس التلاميذ، وهي ملفات كانت في صلب مطالب الحركة الشبابية التي دعت، قبل أسابيع، إلى "مدرسة عمومية كريمة ومستشفى عمومي آمن لكل المغاربة". زيادة تفوق 21,8 مليار درهم يٌدكر أن الميزانية المخصصة لقطاعي الصحة والتعليم بلغت في مشروع قانون المالية لسنة 2025 ما مجموعه حوالي 118,2 مليار درهم، توزعت بين 85,6 مليار درهم لقطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، و32,6 مليار درهم لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية. ويعني ذلك أن مشروع قانون المالية لسنة 2026، الذي رفع الغلاف المالي المخصص لهذين القطاعين إلى 140 مليار درهم، يمثل زيادة تفوق 21,8 مليار درهم مقارنة بالعام الماضي، ما يعكس توجهاً حكومياً جديداً نحو تعزيز الاستثمار العمومي في الخدمات الاجتماعية الأساسية، استجابةً لمطالب الشارع الشبابي بمدرسة عمومية ذات جودة ومستشفيات توفر الرعاية اللائقة للمواطنين. نمو مرتقب وتوازن مالي وعلى الصعيد الاقتصادي، تتوقع الحكومة أن يسجل الاقتصاد الوطني نسبة نمو تبلغ 4,8% خلال السنة الجارية، مدعوماً بانتعاش الطلب الداخلي وحيوية الأنشطة غير الفلاحية، فيما تم التحكم في معدل التضخم عند 1,1% في نهاية غشت، مع الإبقاء على عجز الميزانية في حدود. ويهدف المشروع أيضاً إلى تسريع تنزيل إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، ومواصلة ورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي يشمل 4 ملايين أسرة، مع رفع قيمة إعانات الأطفال بين 50 و100 درهم شهرياً لكل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل. استجابة ضمنية لضغط الشارع ويرى مراقبون أن الإجراءات الاجتماعية التي تضمنها مشروع قانون المالية 2026 تمثل استجابة ضمنية لمطالب "جيل زد" التي هزت الشارع المغربي منذ أواخر شتنبر، في ظل شعور متزايد بالإقصاء الاجتماعي والاقتصادي لدى فئة الشباب. فالحكومة، التي واجهت انتقادات حادة بسبب "بطء تنزيل الدولة الاجتماعية"، تسعى اليوم إلى إظهار التزامها الفعلي بتحسين الخدمات العمومية وجودتها، لا سيما بعد دعوات الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش إلى جعل التعليم والصحة "في صلب العقد الاجتماعي الجديد".