في الشمال الريفي، حيث تمتد الخضرة على مدى معانقة الجفاف، وتتنفس الجبال عبير البحر سيما بحر اجمل الجهات الحسيمة، هناك جهة اسمها اجزناية، تُشبه كنزاً منسيّاً في صندوق الوطن. أرضٌ غنية بترابها، بأهلها، بطبيعتها وتاريخها والتي تفيض خيراً، لكن ملامح الفقر تكسوها كما يكسو الغبار وجه المرايا. اجزناية ليست فقيرة لأنها لا تملك عدا ما قدمناه وباقتضاب في ما سبق ذكره، بل لأنها تُحرم مما تملك. ثرواتها الطبيعية في سبات، وطاقات شبابها مبددة بين الهجرة والانتظار لا تحتميهم الى المقاهي حيث تفريغ ما خفي. هناك مدارس شبه خاوية من الأمل، ومشاريع توقفت عند صور التدشين الحسيمة تموذجا مما جعلها تنتفض الى أن عدت خارجة على النظام وتاريخهم قمة في الوطنية والصبر الذي يفوق صبر أيوب..، وهناك الطرقات التي تعرف الحفر أكثر مما تعرف الإصلاح. أناسها طيبون ومقامون وجنود شهد بهم الحروب الى درجة نراها خائفة منهم لقساوة ما يخبئون في انفسم من كراهية في الغالب لا يعرفون منبع هذه الدوانية ولا حتى البرانية.. وفلاحون ، يعملون بجدّ، يزرعون ويتعبون، لكن ما يُزرع لا يُثمر في جيوبهم، بل في حسابات أولئك الذين يتقنون فنّ التمثيل السياسي. وفي اجزناية، لا تنقص الكفاءات ولا النيات الطيبة، لكن الوجوه التي تتقدم المشهد تلبس أقنعة: قناع المسؤول حين يكون المشهد رسمياً، وقناع الحزبي حين يحين موسم الانتخابات، وقناع اللامبالاة حين يئنّ الناس من الحاجة. كم من فرصة ضاعت لأن "المسؤول" لا يرى إلا الكاميرا، وكم من مشروع وُئد لأن القرب من المواطن لم يكن مكسباً انتخابياً. وهكذا، تظل اجزناية الغنية بالثروات، الفقيرة في التدبير، غارقة في صمتها الجميل الحزين. لكن رغم كل شيء، تبقى اجزناية أرض العناد الجميل، الأرض التي تلد الرجال والنساء الأحرار، الصابرين الذين ينهضون كل يوم على أمل جديد. فربما يأتي يوم تُكسر فيه الأقنعة، ويُسمع صوت الحقيقة، وتُستعاد الثروة إلى من يستحقها. فاجزناية ليست بحاجة إلى صدقات، بل إلى ضميرٍ حيّ، وإرادة صادقة، تُعيد للجهة مكانتها التي تستحقها في جسد الوطن.