استمرارا لما دأب عليه النظام العسكري الجزائري من إنكار لهزائمه السياسية والدبلوماسية، خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، حيث حاول رئيس الدبلوماسية الجزائرية أحمد عطاف التعتيم مرة أخرى عن حقائق الأمور بخصوص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2797 الصادر مساء يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025، والقاضي بمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية، بعد أن صوتت لفائدته 11 دولة وامتناع ثلاث دول فقط روسيا والصين وباكستان، بينما أحجمت الجزائر عن المشاركة في التصويت الجزائر، علما أنها تعتبر الطرف الرئيسي في النزاع المفتعل. ولا أدل على هزيمة الجزائر النكراء أكثر مما ورد في تقرير لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا"، الذي أكد بأن المغرب حقق انتصارا سياسيا بارزا داخل أروقة مجلس الأمن الدولي، إثر تبني هذا الأخير يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 قرارا تاريخيا يعترف من خلاله بخطة الحكم الذاتي التي قدمتها الرباط سنة 2007، باعتبارها الإطار الأنسب والواقعي لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. ولم يخف ذات التقرير اندهاش إيران الحليفة الرسمية للجزائر من الموقف الجزائري، معتبرا أن عدم دفاعها أثناء التصويت عن مشروعها الانفصالي، ومطالبة حليفها الاستراتيجي روسيا باستخدام حق النقض "الفيتو"، يعد حجة قوية على فشلها وهي التي ظلت لسنوات طويلة تنفق مليارات الدولارات على دعم جبهة "البوليساريو" وتمويل تحركاتها في المحافل الدولية… فإن المغرب على عكس ذلك، شعر بانشراح وارتياح كبيرين بمضامين هذا القرار التاريخي، الذي ما كان ليتحقق لولا الرؤية الملكية المتبصرة التي جعلت من الدبلوماسية الهادئة والرصينة لغة راقية في بلوغ الهدف المنشود، وما تم تقديمه من تضحيات جسام على مدى خمسة عقود من الصبر والمثابرة، وتحمل لكل مناورات وتعنت كابرانات العسكر الجزائري، الذين يدعون الحياد في الوقت الذي لا يتوقفون عن دعم ميليشيات البوليساريو الانفصالية، كما صرح بذلك عبد المجيد تبون الواجهة المدنية للنظام العسكري في مقابلة مع القناة الجزائرية العامة، حيث قال بأن بلاده أنفقت ملايير الدولارات في دعم "الشعب الصحراوي"، الذي يطالب بإجراء "استفتاء" لتقرير المصير. ذلك أنه وفي خضم الحزن الذي خيم على ألاف الجزائريين عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي، الداعم للمبادرة المغربية المتعلقة بالحكم الذاتي في إقليم الصحراء تحت السيادة المغربية، خرج المغاربة قاطبة عن بكرة أبيهم إلى الشوارع الرئيسية والساحات الكبرى بمختلف مدن المملكة من طنجة إلى لكويرة، للتعبير عن مشاعر النصر واعتزاز بمغربيتهم، مرددين الأناشيد الوطنية وأهازيج الفرح، رافعين الأعلام الوطنية وصور ملك البلاد محمد السادس وسط أصوات الزغاريد وأبواق السيارات، وما إلى ذلك من مظاهر الاحتفال بمغربية الصحراء، فضلا عن "خطاب النصر" الذي وجهه الملك محمد السادس للأمة بعد دقائق قليلة من صدور القرار الأممي التاريخي، واستهله بقوله تعالى "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" وتجسيدا لعمق الإحساس بلذة هذا النصر المبين، سارعت المملكة المغربية إلى تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي المشار إليها أعلاه، والتي قال بخصوصها في خطابه السامي بمناسبة صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم: 2797 إنه " في سياق هذا القرار الأممي سيقوم المغرب بتحسين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي وسيقدمها للأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق". وهي المبادرة التي ما فتئت تحظى بزخم هائل من الدعم الدولي المتزايد، بما في ذلك ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي: الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا وبريطانيا، وتتلخص في كونها ستمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا واسعا تحت سيادة المغرب، حفاظا على وحدته الترابية، مع مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية محلية منتخبة، لتدبير الشؤون الجهوية، فيما تحتفظ الدولة المركزية باختصاصات السيادة من قبيل الدفاع، الخارجية، العملة والدين. ففي أوج الشعور بالفخر والانتشاء بالنصر، أبى جلالة الملك محمد السادس إلا أن يعبر عن تقديره لما راكمته الدبلوماسية الرسمية بقيادته والدبلوماسيات المتوازية وعموم المجتمع المغربي من انتصارات متوالية في ملف الصحراء المغربية، ولاسيما بعد أن أصبحت ساعة الحسم جد وشيكة للطي النهائي لهذه القضية التي عمرت طويلا، وذلك من خلال صدور بلاغ عن الديوان الملكي يوم الاثنين 4 نونبر 2025، للإعلان عن القرار الملكي البهيج الذي يقضي بإقرار يوم 31 أكتوبر من كل سنة، عيدا وطنيا جديدا لاستحضار الملاحم الوطنية والانتصار للمرتكزات والثوابت الوطنية، اختار له اسم "عيد الوحدة"، اعتبارا للتحول التاريخي الذي شهدته قضية الصحراء المغربية، وما تكرسه من وحدة وطنية وترابية راسخة. على النظام الجزائري العودة إلى جادة الصواب واستخلاص العبرة من ملف الصحراء المغربية، لأن الرجوع إلى الحق أفضل من التمادي في الباطل، وأن يسارع إلى تلبية نداء "اليد الممدودة" للعاهل المغربي محمد السادس، من أجل طي الخلافات والشروع في بناء المستقبل المشترك في أجواء من الوئام والاحترام، لاسيما أن ما يجمع بين الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي من قواسم مشتركة عميقة كاللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد، يتجاوز بكثير جميع الخلافات السياسية….