قال لاجئ فلسطيني مُهجّر من مخيم طولكرم لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" أواخر مارس الماضي: "جاء الجنود وأمرونا بالمغادرة. لم يخبرنا أحد إلى أين نذهب. أخشى أن يتكرر ما حدث عام 1948. أشعر أننا لن نعود أبداً". شهادة واحدة ضمن عشرات الشهادات التي يتضمنها تقرير موسع للمنظمة الحقوقية، صدر هذا الأسبوع بعنوان: "ضاعت كل أحلامي – تهجير إسرائيل القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية". ويخلص التقرير، الواقع في 105 صفحات، إلى أن القوات الإسرائيلية نفّذت تهجيراً قسرياً لسكان ثلاثة مخيمات للاجئين في الضفة الغربية بين يناير وفبراير 2025، في عمليات تشكّل، وفق المنظمة، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ووفقاً للتقرير، لم يُسمح لنحو 32 ألف شخص من المُهجَّرين بالعودة إلى منازلهم التي دُمّر الكثير منها "عمداً"، بحسب المنظمة.
عملية "السور الحديدي": اقتحامات، أوامر إخلاء، ودمار واسع وتوثّق المنظمة بالتفصيل عملية عسكرية إسرائيلية حملت اسم "السور الحديدي"، شملت مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وبدأت في الأول من يناير 2025، عقب وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة. وأمرت القوات الإسرائيلية السكان بمغادرة منازلهم عبر مكبرات صوت ركّبت على طائرات مسيّرة. وشهدت تلك المخيمات، بحسب شهادات جمعتها المنظمة من 31 لاجئاً، اقتحامات واسعة النطاق، ونهباً للممتلكات، واستجوابات، وصولاً إلى طرد جميع العائلات بالقوة. واستخدم الجيش مروحيات "أباتشي"، وجرافات، ومدرعات، ومئات الجنود. وقال سكان إنهم رأوا الجرافات تهدم منازل بينما كانوا يُبعدون عنها. وتشير صور الأقمار الصناعية التي حلّلتها المنظمة إلى تدمير أو تضرر أكثر من 850 مبنى بعد ستة أشهر على الاقتحامات. وأظهر تقييم موازٍ لمركز "يونوسات" التابع للأمم المتحدة أن 1,460 مبنى تعرضت لأضرار، بينها 652 مبنى تضررت بشكل متوسط. وتؤكد المنظمة أن الجيش الإسرائيلي لم يوفر أي مأوى أو دعم إنساني للمهجرين الذين اضطروا للجوء إلى منازل أقارب أو إلى مدارس ومساجد. وقالت امرأة في الرابعة والخمسين إن الجنود "كانوا يصرخون ويرمون الأشياء في كل مكان... قال أحدهم: لم يعد لديكم منزل هنا. عليكم المغادرة". حرمان من العودة وإغلاق المخيمات ومنذ انتهاء العمليات، منعت السلطات الإسرائيلية المهجّرين من العودة إلى المخيمات الثلاثة، وأطلقت النار على أشخاص حاولوا دخول مناطقهم، وفق التقرير. كما عمد الجيش إلى تجريف مساحات واسعة داخل المخيمات لتوسيع الممرات، وأغلق جميع المداخل، ما حوّل المناطق إلى "مناطق عسكرية مغلقة". في المقابل، قالت السلطات الإسرائيلية في رسالة إلى "هيومن رايتس ووتش" إن العملية جاءت "في ضوء التهديدات الأمنية المتزايدة" داخل تلك المخيمات، من دون تقديم أي توضيح حول أسباب منع السكان من العودة. ولم تُجب السلطات كذلك عن سؤال مباشر طرحته المنظمة حول موعد السماح بعودة اللاجئين. ونقلت المنظمة تصريحات لوزير المالية ووزير الدفاع في الحكومة الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش، قال فيها في فبراير الماضي إن سكان المخيمات "قد يضطرون للبحث عن حياة جديدة في بلدان أخرى" إذا "استمروا في الأعمال الإرهابية". وترى المنظمة أن هذا الخطاب، إلى جانب الإجراءات العسكرية، يدخل في إطار "التطهير العرقي". "جريمة لا تزال مستمرة"... ومسؤولون مطلوبون للتحقيق وتعتبر المنظمة أن ما جرى في المخيمات جزء من سياسة أوسع "للفصل العنصري والاضطهاد" ضد الفلسطينيين، تشمل الاعتقال الإداري، وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات، وتصاعد عنف المستوطنين. وتشير إلى أن القوات الإسرائيلية قتلت نحو ألف فلسطيني في الضفة الغربية منذ أكتوبر 2023. وحددت المنظمة عدداً من المسؤولين الذين، برأيها، يجب التحقيق معهم أمام القضاء الدولي أو المحلي بموجب الولاية القضائية العالمية، بينهم: قائد القيادة المركزية اللواء آفي بلوط، رئيس الأركان هرتسي هاليفي، الرئيس السابق للأركان إيال زمير، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وزير الدفاع يسرائيل كاتس، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ودعت المنظمة الحكومات إلى فرض عقوبات تستهدف هؤلاء، وتعليق الاتفاقيات التفضيلية مع إسرائيل، وفرض حظر أسلحة عليها، والامتناع عن أي تعاون مع المستوطنات غير القانونية. "نكبة ثانية"... ومناطق لا يدخلها أحد وفي مقابلة مع "القدس العربي"، قالت ناديا هاردمان، الباحثة الأولى في حقوق اللاجئين والمهاجرين في "هيومن رايتس ووتش"، إن أكبر عقبة واجهت التحقيق هي "عدم القدرة على دخول المخيمات بعدما حوّلتها إسرائيل إلى مناطق عسكرية مغلقة". وأكدت هاردمان أن اللاجئين الذين قابلتهم المنظمة "يشعرون بأنهم يعيشون نكبة ثانية"، مضيفة أن عملية التهجير شملت "32 ألف شخص، وهي أكبر عملية تهجير جماعي في الضفة الغربية منذ 1967". وأضافت: "جرى تنظيف المخيمات من سكانها الفلسطينيين بالكامل، ولا يوجد أي إعلان رسمي حول متى سيُسمح لهم بالعودة". وتحدثت الباحثة عن "تغيير جغرافي وديموغرافي دائم" داخل المخيمات، بعد توسيع الطرق وتمهيد المساحات الداخلية. وقالت إن كثيراً من المنازل دُمّرت من دون أوامر هدم، وإن المحكمة العليا الإسرائيلية صادقت مراراً على قرارات الجيش بذريعة "الضرورة العسكرية". "يجب وقف التهجير فوراً" وترى هاردمان أن أمام الدول خيارات متعددة للضغط على إسرائيل، تشمل العقوبات وحظر التجارة مع المستوطنات وتنفيذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أن "أول خطوة يجب أن تكون إيقاف التهجير القسري والسماح للسكان بالعودة". وتختم بالقول: "طالما تُرتكب هذه الفظائع بلا محاسبة، ستستمر السياسات نفسها. القانون الدولي ليس مثالياً، لكنه يوفّر اللغة التي يمكن بها وصف الجرائم والدفع نحو المساءلة".