نشرت مجلة "تيّارات يهوديّة" Jewish Currents الأمريكية، ملفاً مطوّلاً من أربع مقالات لكتّاب مغاربة وأكاديميين دوليين، يرصد حياة وإرث الناشط اليساري المغربي اليهودي سيون أسيدون، الذي توفي في 7 نونبر عن عمر 77 عاماً بعد ثلاثة أشهر من الغيبوبة. ويقدّم الملف قراءة معمّقة في مسار إحدى أبرز الشخصيات المناهضة للصهيونية في المغرب، وفي موقعه داخل الذاكرة السياسية والإنسانية للبلاد. وبحسب المجلة، التي أشارت إلى أن الرواية الرسمية حول سبب وفاته (سقوط أثناء العمل في حديقة منزله بالمحمدية) لا تزال محلّ تشكيك، فقد شُيِّع أسيدون في التاسع من نونبر بمقبرة الدارالبيضاء اليهودية بحضور حاشد من اليهود والمسلمين ورفاقه في العمل السياسي وحقوق الإنسان. واعتبرت المجلة أن تشييع الجثمان تحت رايات فلسطين شكّل "آخر فعل مقاومة" في مسيرة رجل ربط حياته بالدفاع عن القضية الفلسطينية. من جيل يهودي يساري نادر في المغرب يضع الملف، االصادر يوم يوم 21 نوفمبر 2025، أسيدون ضمن جيل مؤسس من اليهود المغاربة اليساريين الذين عايشوا الهجرة المنظمة ليهود المغرب نحو إسرائيل منذ الخمسينيات، ويرون فيها "عملاً تطبيعياً مبكراً" شاركت فيه السلطات المغربية، ما أدى إلى إفراغ البلد من مكوّن أساسي من تعدديته التاريخية. وتشير النصوص الأربعة إلى أن أسيدون، مثل إدمون عمران المالح وأبراهام السرفاتي وسيمون ليفي، ظل يعتبر أن "تهجير اليهود" كان أحد أوجه "الجريمة المزدوجة" التي سمحت بترسيخ مشروع استعماري في فلسطين على حساب النسيج الاجتماعي المغربي. ويرصد الملف الخلفية الفكرية والسياسية لأسيدون، مؤسس حركة BDS المغرب سنة 2010، الذي ظلّ يرى في القضية الفلسطينية "قضية عدالة إنسانية لا تقبل أنصاف الحلول". وتوضح المجلة أنه كان يرفض تسمية إسرائيل باسمها، مفضّلاً مصطلح "الدولة القائمة بالاحتلال"، ويستعمل توصيف "مجتمعات يهودية متعددة" بدلاً من "الشعب اليهودي"، انسجاماً مع أطروحات المفكر شلومو ساند حول الأسس الأسطورية للرواية الصهيونية. وتشير المقالات إلى أن أسيدون كان يعتبر التطبيع المغربي الإسرائيلي "إفلاساً أخلاقياً"، ووجهاً آخر لارتباط الاستبداد الداخلي بالاستعمار الخارجي. يستعيد الملف أحداثاً حاسمة في حياة أسيدون: من نشأته في أكادير، ثم انتقاله إلى الدارالبيضاء بعد زلزال 1960، مروراً بتجربته في فرنسا أواخر الستينيات، قبل انخراطه في المعارضة اليسارية بالمغرب ضمن تنظيم 23 مارس والتيارات الماركسية اللينينية. اعتُقل أسيدون سنة 1972، وتعرّض للتعذيب في معتقل دار المقري، قبل الحكم عليه ب15 سنة سجناً بتهمة "المس بأمن الدولة". ولم يُفرج عنه إلا سنة 1984 بعد حملة دولية واسعة، ليستعيد نشاطه السياسي والحقوقي بتأسيس ترانسبارنسي المغرب والانخراط في الحركات التضامنية مع فلسطين. جسر بين الهويات... ورمز للالتزام الأخلاقي تشدّد مقالات"تيّارات يهوديّة" على أن أسيدون كان يجسّد "نقطة التقاء" بين الهويات المغربية المتعددة: أمازيغية ويهودية وعربية وإسلامية، وأنه ظلّ نموذجاً للجسر الممكن بين اليهود والمسلمين في المغرب، في مواجهة السرديات التبسيطية حول موقف اليهود من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وتصف المجلة جنازته بأنها "حدث استثنائي"، شارك فيه مناضلون يساريون، حقوقيون، أعضاء في حركات المقاطعة، وناشطون إسلاميون، ورجال دين يهود، في مشهد رأت فيه "دليلاً على وجود شعب مغربي موحّد بقيم العدالة".