شهد فضاء جمعية بن سليمان الزيايدة وسط الغابة المجاورة للمدينة، يوم الأحد 23 نونبر 2025، لقاءً ثقافياً مع الروائي محمد إدريس بويسف الركاب، خصص لتقديم روايته الجديدة "باكيتا في بلاد الموروس"، وذلك بمبادرة من جمعية مبدعات بلا حدود التي ترأسها الكاتبة ليلى الشافعي، وبحضور عدد من المثقفين والمهتمين بالسيرة الذاتية وتاريخ الذاكرة المغربية. وتتناول الرواية، الصادرة سنة 2024 بترجمتها العربية، سيرة والدة الكاتب فرانشيسكا، المعروفة بلقب "باكيتا"، وهي امرأة إسبانية ارتبطت بزوج مغربي وعاشت تجربة اجتماعية معقدة بين حي "الباريو" بتطوان والتحولات السياسية التي شهدها المغرب من الخمسينات إلى السبعينات.
وخلال اللقاء، قدّم الناقد عبد اللطيف البازي قراءة للرواية، معتبراً العمل امتداداً لسيرة الكاتب الأولى "تحت ظلال لالة شافية" (1991). وقال إن الرواية الجديدة تمثل "حداداً متأخراً واعترافاً شخصياً"، بعدما استعاد الركاب علاقة مزقتها سنوات الاعتقال والمنفى. وأوضح أن العمل يبدأ بصيغة حكائية تقليدية لكنه يتحول إلى شهادة إنسانية عن امرأة واجهت الفقر والاختلاف الثقافي وقسوة الواقع، وعن تطوان تحت الاحتلال الإسباني وفي بدايات الاستقلال. وأشار البازي إلى أن الكتاب يحمل بعداً "شفائياً"، إذ اعتمد الكاتب على أحاديث مطولة مع والدته بعد خروجه من السجن، مسجلاً تفاصيل حياتها ومقاومتها اليومية، معتبراً أن السيرة تشكل وثيقة أدبية وتاريخية تستعيد ملامح المجتمع المغربي خلال عقود مضطربة. وفي مداخلته، أوضح يوسف الركاب أن اختياره لكلمة "مورو" جاء لتفكيك دلالتها القدحية في الذاكرة الإسبانية. وروى بداياته مع الكتابة منذ سن الثالثة عشرة، قبل أن يمزق مذكراته الأولى "لأسباب سياسية"، ثم يعود إلى الكتابة داخل السجن بعد اعتقاله سنة 1976 على خلفية انتمائه لحركة "إلى الأمام". وقال إن تجربته السجنية كانت دافعاً لتوثيق القمع ونقد الذات السياسية، مؤكداً أن "الصدق شرط أساسي في كتابة السيرة". وأضاف أن الرواية تشكّل امتداداً لسيرته السابقة، لكن من زاوية جديدة. وعند سؤاله عن حضور والدته في العمل، أوضح أن باكيتا كانت امرأة إسبانية تعلمت الاندماج في وسط مغربي شعبي، وتمسكت بزوجها رغم الفوارق الثقافية. وأكد أن والدته لعبت دوراً محورياً في تعليمه وتعليم إخوته، وأن تجربته بين أطفال الإسبان والمغاربة أسست وعيه المبكر بالعنصرية والعدالة الاجتماعية. وتخللت اللقاء معزوفات موسيقية للفنان عزيز رشيد، بينما طغى حضور "باكيتا" على الأمسية باعتبارها محور الرواية وذاكرتها الحية، في عمل يواصل فيه الركاب "مصالحة الزمن بالكتابة".