حسم قرار مجلس الأمن، كصك سياسي بتأطير قانوني، في شرعية السيادة المغربية على اقليم الصحراء المطلقة، غير القابلة منذ يوم صدور القرار على المنازعة ولا الجدال القانوني ولا النقاش السياسي والاقتصادي .وفي ذات الوقت فان القرار الأممي حدد إطارا سياسيا وقانونيا لحل النزاع ، عندما حصر قاعدة المفاوضات بين الأطراف المغرب والجزائر وموريتانيا والبوليساريو في مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، وحدد سقف الحل للنزاع في إطار الحكم الذاتي الحقيقي. ولكي لا يبقى المفهوم عاما ومجردا، و خارج التأطير من نواحي متعددة بدءا؛ بأسباب النزول والتأصيل لفهم المعنى والمراد به وعدم التوقف عند مجرد العلم به، وعلاقته بمبادرة المغرب بالحكم الذاتي، وبوعد التحيين والتفاصيل و وبقرار مجلس الأمن الأخير، فقد آليت على نفسي الخوض في أمر الحكم الذاتي الحقيقي عبر تقديم هذه المحاولة المتواضعة، مساهمة منا في رفع الوعي العام به، و درءا لاستعمال المصطلح دون وعي بالمغزى والمعنى، و تصديا لقرائته من طرف الخصوم قراءات مغرضة ، واستغلاله عكس التوجه الأممي للحل في اطار مغربي خالص. أولاً: أسباب نزول مصطلح ومفهوم الحكم الذاتي الحقيقي: ورغم أن مصدر مفهوم الحكم الذاتي الحقيقي ناتج عن ردة فعل ناتجة عن توثر بين المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد ستيفان ديميستورا ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، اندلع منذ 2022 . عندما لم يحض الأول بتجاوب إيجابي على طلبه بتفاصيل وجزئيات أكثر عن مبادرة المغرب بالحكم الذاتي. و كيفه تهربا من المغرب. حيث بادر ديميستورا إلى استعمال المفهوم و العبارة لأول مرة بنوايا غير بريئة لنسف وتسفيه المبادرة والجهود المغربية. فان الحكم الذاتي الحقيقي، احتل موقعا ثابتا في قرار مجلس الأمن سواء من حيث هو الحل السياسي والتطبيق العملي والسياسي والقانوني لتقرير المصير . فهو مفهوم مستحدث لوضعية واتفاق يأتي نتيجة لمفاوضات، او حتى بمصادقة مجلس الأمن في حالة تعذر تلك المفاوضات او تخلف بقية الأطراف على الانخراط الجدي والإيجابي والمستعجل فيها. ثانيا : ما المقصود بالحكم الذاتي الحقيقي؟ و من تم فالحكم الذاتي الحقيقي هو إنشاء لبناء مؤسساتي بولاية واختصاص وإشراف وتسيير محلي لوضع وخلق لعلاقات وروابط داخلية . فهو اذن حالة جديدة ومتطورة في التدبير المحلي، وفي تنظيم العلاقة بين المركز والجهة فيما يشبه علاقة القلب بالأطراف او علاقة الأطراف بالقلب. فهو إذن أي الحكم الذاتي الحقيقي ؛و ضع جهوي تقدمي ومتطور عن الوضع القائم، ومختلف عن العرض والمبادرة الأولى، وقد يكون هو تفاصيل المبادرة نفسها أو أكثر منها بطابع جعله نهائي في إطار العلاقة مع المركز وبقية الأطراف، بحيث لا يتزحزح تغييرا بعد إدراكه والوصول اليه عن طريق التوافق. و داخل وعاء سيادي وطني مغربي موحد بضمانات أممية . و هو في جميع الأحوال أي الحكم الذاتي الحقيقي. ومن حيث المبدأ والأصل رغبة وعرض مغربيين مقدمين من طرف المغرب كأقصى ما يمكن القبول به من تنازلات. عندما جعل مبادرته بالحكم الذاتي المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة سنة 2007 منفتحة على المفاوضات بغية تطويرها بشروط اعتباره القاعدة والنهاية تحت سيادة المغرب، الذي عززه حاليا تعهد المغرب بتحيين مبادرته و تقديم تفاصيل عنها . ثالثا: علاقة مبادرة المغرب بالحكم الذاتي والحكم الذاتي الحقيقي؟ فمبادرة وعرض ومشروع المغرب بالحكم الذاتي والوعد بالتحيين وتقديم التفاصيل، و الذي تحول وأصبح أمميا؛ هو عرض مرن غير متصلب و منفتح غير مغلق، أصبح بريئا من مزاعم وادعاءات وتهم اعتباره وتكييفه شروطا مغربية في المفاوضات المطلوبة بدون شروط وبحسن نية بعد ان ارتقى وأصبح مشروعا أمميا لحل النزاع. و يبقى الشرط الوحيد الذي يطلبه المغرب مرتبط بالوضع النهائي والمستقبلي للاقليم في علاقته بالمركز وبقية، بمنح المغرب صكا باتا ومبرم لا يقيل أي طعن في وضع الاقليم الواقعي و طبيعته القانونية، وأن لا تشكل الحالة الجديدة في الحكم الذاتي الحقيقي لبنة ومرحلة لوضع أو طبيعة قد تخل او تتجاوز بثابت الوحدة في إطار السيادة الوطنية. فهي سيادة مغربية شرعنها بوضوح قرار مجلس الأمن، لأن ذلك من صميم حقوق المغرب المؤطرة بالشرعية التاريخية والرجحان القانوني والتأكيد القضائي والقبول الشعبي والحشد والتأييد الدوليين وحاليا بالشرعية الأممية رابعاً: الحكم الذاتي الحقيقي شأن داخلي مغربي محض داخل سيادة المغرب بضمانات أممية فمجلس الأمن بات يميز بين شرعية السيادة المغربية المطلقة والحل للنزاع الذي أصبح شأنا داخليا في نطاق سيادة المغرب المؤكدة. وهو ما يجعل موقع الحكم الذاتي الحقيقي داخل نطاق هذه ( السيادة المغربية) ولا يمكن أن يكون خارجها بأي حال من الأحوال، كما لا يمكن ان يمس بها ولا أن يخل بها بل يوجب احترمها ومراعاتها وصيانتها. وهي الضمانة الأولى التي يوفرها قرار مجلس الأمن 2797 بذاته وفي مضمونه . والضمانات الأخرى والتي ستتلوه عبر المفاوضات او بتنفيذ مغربي، او حتى بتدخل من مجلس الأمن في مرحلة أخيرة سواء في المصادقة على الاتفاق او في اقرار الحكم الذاتي حلا غير قابل للتفاوض، بفرضية رفض او تخلف بقية الأطراف، ستبقى في اقرار المغرب مخاطبا وحيدا على المستوى الخارجي. وفي تنظيم مستويات وحدة احتكار المغرب على المستوى المركزي مسؤولية تدبيره وإشرافه على الأمن الداخلي والخارجي وتحمل الأطراف تكاليفه. وتكريس قنوات الروابط الشرعية والقانونية والسيادية للبيعة وآثارها الروحية والوجدانية و الدينية والدستورية. وترسيخ وحدة مظاهر ورموز السيادة المغربية في المعاملات الاقتصادية، و تعدد الهوية في اطار الوحدة. خامسا: الحكم الذاتي صناعة قيد التبلور التنفيذي من أجل استدامة التنمية والأمن والاستقرار: فالورش والنقاش اذن سينصب حول التصور والإنشاء والكيف والعلاقة على عدة مستويات؛ بدءا بالهوية والسياسة والاقتصاد والدستور جعل التفكير في نموذج مغربي للحكم الذاتي حق وطني حيوي ومستعجل. وليس عيبا استلهام نماذج وتجارب دولية قائمة، أثبت فيها الحكم الذاتي نجاعته وفعالية. ولا يشكل إخضاع الحكم الذاتي الحقيقي لقواعد المراقبة و الملائمة في اطار مؤسسة او مؤسسات دستورية مختصة تنازعا ولا عداءً بل حق للمركز وواجب على الأطراف ليكون مطابقا في الإشراف عليه وتسييره لمبادئ ثوابت وحدة السيادة والهوية والوطن الذي يحترم، ويصون التعدد كمصدر غنى وقوة وليس عامل ضعف وهشاشة. والفعالية والنجاعة مطلوبتان من حيث توحيد وتعضيد اللحمة والانتماء الوطني عبر التضامن، وفي تعزيز مسارات التنمية بشكل موازي ومتساوي، بأفضلية وامتياز تسخير الموارد البشرية والمادية المحلية في صالحها ولصالح تنمية الاقليم وبما يضمن ديمومة الأمن الاستقرار، في ظل مؤسسات عامة جهوية تعطي الأولوية في السياسات العامة والعمومية لكل ما هو محلي وفقا لقراراتها باحترام الدستور والقوانين التي ستؤطر هذا الكيان في كافة أبعاده ومستوياته ودرجاته. سادسا: الحكم الذاتي الحقيقي هو الثقة في علاقة القلب بالأطراف؛ ومن تم فالحكم الذاتي الحقيقي في حقيقته هو طلب مغربي من أجل زرع وبقاء واستمرار الثقة ؛ ثقة القلب بالأطراف التي لن تغيرها معادلات الواقع الحالي ولا معادلات المستقبل، المفترض فيها الازدهار والرخاء أكثر، ذلك ان معادلات الحكم الذاتي الحالية لن تكون هي نفسها في المستقبل بأوضاع ووضع جديد، ولهذا سينهمك المغرب إلى توثيق ضمان بقاء الحال عبر الاهتمام والعناية بالإنسان، في انهاء معاناة سكان المخيمات وفي منحهم كل ضمانات المساواة في المواطنة دون تمييز او تهميش او انتقام. فالمغرب لكل المغاربة والملك ضامن للحقوق والحريات الفردية والجماعية، وهو ما يفسر تأكيد جلالة الملك في خطابة في 31 أكتوبر على هذه الضمانات للمغاربة في الجهة الأخري، في مخيمات تندوف لحثهم وتشجيعهم على اختيار العودة. فالحل للنزاع أصبح في نهاية المطاف مجرد شأن داخلي مغربي. وان محددات الواقعية كركن أساسي في توجيه مجلس الأمن، المتعلقة بثلاثي التنمية المغاربية والأمن والاستقرار المغاربيين بامتداداته حتى الساحل والصحراء، والذي وفر ويوفر المغرب شروطها ويساهم في تثبيتها بالحجة في الميدان أعطت ثمارها في تحديد قناعة المجموعة الدولية، وفي بناء اعتقاد مجلس الأمن ، الذي عبر عنها في قراره مجلس الأخير. محامي بمكناس خبير في القانون الدولي، قضايا الهجرة ونزاع الصحراء الرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي