في سياق الدينامية السياحية التي تعرفها جهة سوس ماسة، تتجه السلطات الجهوية إلى تعزيز السياحة القروية باعتبارها إحدى الدعائم الصاعدة للتنمية المحلية. فبعد سلسلة برامج همّت دعم وتأهيل الوحدات الفندقية بمدينة أكادير، أطلقت شركة التنمية الجهوية للسياحة بالجهة برنامجاً جديداً يهدف إلى تجديد وتأهيل مؤسسات الإيواء السياحي القروي، في خطوة ترمي إلى الرفع من جودة الخدمات داخل المناطق النائية وربطها بالسوق السياحية الوطنية والدولية بشكل أكثر تنافسية. وتشرف شركة التنمية الجهوية للسياحة، بتكليف من مجلس الجهة، على تنفيذ البرنامج الذي رُصدت له ميزانية تبلغ 10 ملايين درهم. ويستهدف، قبل كل شيء، تحويل الإيواء القروي غير المصنف إلى منشآت سياحية مصنفة وفق المعايير الرسمية، في ما تعتبره الجهة "عنصراً حاسماً لبناء عرض سياحي ثابت وقادر على تلبية الطلب المتزايد على التجارب الأصيلة والهادئة".
حوافز مالية ومواكبة تقنية وبحسب المعطيات التي حصل عليها موقع "لكم"، يتضمن البرنامج تحفيزات مالية تصل إلى 50 في المئة من كلفة التجديد، على ألا يتجاوز الدعم 400 ألف درهم لكل منشأة. ولا يقتصر التدخل على الدعم المالي، بل يشمل مواكبة تقنية متخصصة من مرحلة التصميم إلى التنفيذ. ويشير فاعلون سياحيون واقتصاديون استقت "الصحراء المغربية" آراءهم إلى أن هذا النموذج من الدعم يعكس رغبة الجهة في تحسين جودة العرض دون إثقال كاهل المستثمرين القرويين، خصوصاً وأن جزءاً كبيراً منهم يعتمد على بنيات عائلية صغيرة أو متوسطة يشكل العنصر البشري المحلي ركيزتها الأساسية. ويأتي إطلاق البرنامج منسجماً مع توجه المغرب نحو تعزيز السياحة المستدامة، إذ يشكل الإيواء القروي رافعة لتنشيط الاقتصاد المحلي وإبراز المؤهلات البيئية والثقافية للمنطقة، من خلال دعم السياحة الجبلية والرياضات الطبيعية ومسارات المشي والأنشطة المرتبطة بالتراث اللامادي في مناطق مثل تافراوت وطاطا واشتوكة آيت باها وتيزنيت. كما يسعى البرنامج إلى الحفاظ على فرص الشغل الحالية ودعمها، عبر تنشيط المقاولات الصغيرة المتصلة بالقطاع، من وحدات النقل المحلي إلى الصناعات التقليدية والإرشاد السياحي والخدمات الفلاحية المرتبطة بمجال الضيافة. سياق جهوي يعرف زخماً متزايداً وتتزامن هذه المبادرة مع إطلاق مشاريع هيكلية أخرى في الجهة، أبرزها برنامج إعادة تأهيل المحطة السياحية لأكادير، وتثمين المواقع التاريخية مثل قصبات أيت باها وتيزنيت، وتعزيز مسالك السياحة الجبلية بالأطلس الصغير، إلى جانب فتح خطوط جوية جديدة وتقوية برامج تكوين الموارد البشرية العاملة في القطاع الفندقي والسياحي. ويرى مهنيون أن الاستثمار في الإيواء القروي "خطوة استراتيجية"، لأنه يتيح بناء شبكة عرض تربط الساحل بالجبل والواحات، وتشجع السائح على تمديد فترة إقامته بالجهة. وتراهن جهة سوس ماسة على هذا البرنامج لبناء نموذج سياحي يقوم على تنويع الوجهات بدلاً من التركيز على أكادير وحدها، وعلى الرفع من جودة الخدمات لضمان تنافسية أكبر، وتشجيع الاستثمار المحلي داخل القرى، وزيادة الطاقة الإيوائية المصنفة لمواكبة ارتفاع الطلب، وتعزيز موقع الجهة في سياحة الطبيعة والراحة والاستكشاف. ويعتبر خبراء أن نجاح المشروع يظل مرهوناً بمدى انخراط الفاعلين المحليين في الحفاظ على الهوية المعمارية الأصيلة وإعطاء البعد الثقافي والبيئي مكانته داخل مؤسسات الإيواء، بما يجعل كل منشأة "تعكس روح المكان وتروي جزءاً من ذاكرته".