قال عبد السلام العزيز، الأمين العام ل"فدرالية اليسار الديمقراطي"، إن مشروع قانون التعليم العالي لا يمكن التعامل معه بوصفه تعديلا تقنيا هادئا، بل يمثل لحظة تراجع في مسار الجامعة المغربية؛ حيث يهدد ما تبقى من مكتسبات الجامعة العمومية، ويقوض دورها كمؤسسة عمومية ذات وظيفة مجتمعية ومعرفية. وأبرز العزيز في الندوة التي نظمتها الفدرالية نهاية الأسبوع بالدار البيضاء تحت عنوان "مشروع قانون التعليم العالي والبحث العلمي: بين رهانات الإصلاح وتحديات الاستقلال الجامعي"، أن المشروع لا يشكل إصلاحًا حقيقيًا بقدر ما يعكس توجها تراجعيا يهدد استقلال الجامعة العمومية ومكتسباتها الأكاديمية، ويفتح الباب أمام منطق الخصخصة وتسليع المعرفة.
وذكر بقانون التعليم العالي الصادر سنة 2000، مشيرا إلى أنه جاء في سياق تشاوري واسع، وضمن رؤية شاملة لإصلاح التعليم ارتبطت بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبنقاش سياسي ومجتمعي حقيقي. وفي المقابل، أكد العزيز على أن مشروع القانون الحالي أُعد في مكاتب مغلقة، بعيدا عن أي نقاش عمومي، واستند إلى تصورات تقنية مستوحاة من أجندات خارجية، محولا الجامعة من مشروع مجتمعي ديمقراطي إلى بنية إدارية محكومة بمنطق السوق. وسجل أن المشروع الجديد يُقلص من صلاحيات المجالس الجامعية المنتخبة، التي تضم الأساتذة والطلبة والموظفين، ويُنشئ مجلسا للأمناء يضم فاعلين من خارج الجامعة، من تقنيين وخبراء ورجال أعمال، إلى جانب حضور ممثلي السلطة الترابية، وهو ما يعد مساسا خطيرا باستقلال القرار الجامعي، وتغليبا للهاجس الإداري والأمني على حساب الحرية الأكاديمية. واستغرب العزيز كيف أن المشروع يروج لنموذج مشوّه من الاستقلالية، يقوم على ربط التمويل بعقود الأداء ومؤشرات السوق، بدل ضمان تمويل عمومي قار ومستقل، ضاربا المثل بتجارب دولية ناجحة، خاصة في بلدان شمال أوروبا، حيث يشكل التمويل العمومي غير المشروط ركيزة أساسية لحماية استقلال الجامعة وجودة البحث العلمي. وحذر الأمين العام ل"فدرالية اليسار الديمقراطي" من تكريس تعليم بسرعتين داخل الجامعة المغربية، عبر إحداث ما يُسمى ب"مراكز التميز"، بما قد يعمِّق الفوارق الاجتماعية والمجالية، ويمس بمبدأ تكافؤ الفرص، الذي شكل أحد ثوابت النضال الديمقراطي والحركة الوطنية. وخلص إلى أن التمويل العمومي الحالي للجامعة المغربية غير كاف، في ظل الارتفاع الكبير لأعداد الطلبة وضعف التأطير والبنيات التحتية، داعيا إلى البحث عن موارد بديلة، من بينها فرض ضرائب على الثروات الكبرى، وعلى القطاعات شبه الاحتكارية، مؤكدا أن الاستثمار في الإنسان يجب أن يكون أولوية الدولة.