عمالة طنجة-أصيلة : لقاء تشاوري حول الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية يثمن الاعتراف الأممي بمغربية الصحراء ويدعو لتسريع التنمية والاستثمار في الأقاليم الجنوبية    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبية مفتوحة امام وسائل الاعلام المعتمدة بملعب طنجة الكبير    وسط مطالب بحريتهم.. أحكام الإدانة في حق شباب "جيل زد" متواصلة وصدور عقوبات بديلة في تازة    حموشي يتقلد وساما إسبانيا رفيعا    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يستأنف تداريبه استعدادا لسدس عشر كأس العالم    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    الدون "كريستيانو رونالدو" يعلن عن موعد اعتزاله    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    كريم زيدان يعلن عن تفاصيل وشروط استفادة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة من دعم المشاريع    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رهبان وأحبار في خدمة دين الفساد والاستبداد
نشر في لكم يوم 20 - 07 - 2011


تمهيد
تحدث الجزء الأول من مقال " رهبان وأحبار في خدمة دين الفساد والاستبداد " عن علامات الزيغ العيسوي الذي حرك الآلاف من مريدي بعض الزوايا، للتسويق لقول “نعم" يوم الاستفتاء للدستور المفروض. وكان بعضهم قد استولى عليه حال الرهبانية المبتدعة، بتأثير ذلك السماع العجيب: “لا عشرين لا ياسين والدستور هو اليقين". وتوسع المقال في تحليل مكامن زيغهم. وعلمت لاحقا أن شيخ الطريقة النقشبندية، وهي الطريقة الأكثر انتشارا في العالمين القديم والجديد، قد تبرأ من موقف البوتشيشيين. واستشهادي بحكم الشيخ النقشبندي، لا أبتغي منه سوى أستخلاص نتيجة واحدة: الرجوع إلى رهبانية أمة المصطفى هي من آكد الواجبات في هذه الفترة من تعطيل الدين في المعاملات. ورهبانية المصطفى صلى الله عليه وسلم هي بالضبط مقاومة دين العلمانية المحنط لأحكام القرآن.
الجزء الثاني من المقال يحاول تحليل علامات الزيغ الموسوي المحتمل عند الفريق الثاني المنتسب للتيار السلفي، والذي ساهم بدوره في التسويق للدستور المفروض.
أعذار أكبر من زلات أم أصغر؟
الحكم على فريق بالحبرية المغضوب عليها، هو فعل خطير... فما ذم الله فرقة مثل ما ذم أحبار السوء. يسارعون في الفتوى المشبوهة، أحيانا بالتكفير دون الرجوع إلى حكومة شرعية أو استتابة. بل يفتون بقتل الرسل والأنبياء والمصلحين... ويوقظون النعرات الداعية لسفك الدماء وحروب الإبادة، “يكتمون الحق وهم يعلمون"، و"يُحَرِّفون الكَلِم عن موَاضِعه"، و"يلبسون الحق بالباطل"، و"يشترون بآيات الله ثمنا قليلا" من متاع الدنيا، “لا يتناهون عن منكر فعلوه"، “كثيرا منهم يتولون الذين كفروا"... وغيرها من الصفات الجالبة لغضب الله ولعنة الرسل والناس أجمعين.
من أجل ذلك ينبغي التريث طويلا قبل الخوض في موضوع " الزيغ الموسوي" المنتج لأحبار السوء. وقبل ذلك لابد من مراعاة واجب التماس الأعذار للفرقاء الذين لا يتورعون في سلوك دربهم، وفي دخول جحور التبعية لهم.
وهم في الحقيقة طوائف وشيع شتى، حشروا أنفسهم في خندق واحد، خندق شهادة مشبوهة في دستور مفروض على شعب مسلم مقهور، ومن أجل ذلك القهر، نال رضا أعداء الدين، فنوهت به الخارجية الأمريكية، وكذلك رئيس فرنسا وغيرهما من زعماء الغرب المتصهين.
ربما جمعهم الله من أجل الزيال، الذي يتميز عبره أنصار الزيف والكذب، من أنصار الحق والصدق. و القوم يبدون أو يخفون أعذارا لتبرير فعلهم... هل سيقبلها الشباب الثائر أم سيرفضها؟ وعلى أية حال، هناك من متطرفي القوم من أفتى بتحريم ما يقوم به الشباب من تظاهرات سلمية ضد الفساد والاستعباد، كأتباع فقيه الإسهال الفتوي المثير للغثيان، الزمزمي هداه الله. هؤلاء لا كلام معهم، ويبقى الآخرون على ذمة التحقيق من أعذار نلتمسها لهم: محن أو منح، أو إكراه أو تلبيس...
أعذار لفريق الفزازي والمغراوي، وهم حديثو عهد بالاكتواء بنار محن دين الفساد والاستعباد. ولايزال بعضهم يقبع ظلما وعدوانا في غيابات السجون. ولربما الشيخ البوتشيشي كان على علم بالمكيدة التي نصبت لهم يوم 16 ماي 2003 حسب رسالة كتبها أحد مريدي الزاوية نشرتها الصحافة أخيرا؛
أعذار لحزب بن كيران وعلمائه. ربما ظنوا أن منصبا متقدما في الحكومة المقبلة، هو من جملة المنح السلطانية التي سوف ينعم بها عليهم، فيمكنهم ذلك من إصلاح الفساد والاستبداد! حلم إصلاح الدولة من الداخل! وهل هضم الشباب بسهولة تغافل قادتهم عن طبيعة الدولة ومكائدها المكيافالية!
أعذار لعلماء الإدارة في وزارة الأوقاف وفي المجالس العلمية : كمثل عذر إغوائهم لطرق باب الحيل في صياغة الفتاوى حسب الطلب. وعذر إكراههم على التسويق للدستور الجديد. ولقد كانت قمة الإكراه والاستخفاف بحملة كتاب الله ما شهدناه من إهانة لهم لما جيء بهم لقراءة القرآن في ضريح الحسن الثاني يوم الأحد 17 يونيو، فإذا بهم يحشرون أمام البرلمان لمواجهة المسيرة التي دعت لها حركة 20 فبراير !!
يكتمون الحق وهم يعلمون
والزلة الظاهرة الكبرى التي هم فيها مشتركون هي زلة كتم الحقيقة على الشعب، فهم متفقون مع النظام على احتقار ذكاء الشباب القائم ضد الفساد والاستبداد.
ربما تفاوض أصحاب الفزازي والمغراوي على شيء ما مع الحكام... فرجع بعضهم من المنافي وخرج بعضهم من السجون. ولسنا بلائميهم على السعي في رفع الظلم عنهم، ولكن اللوم يرجع إلى كتمهم لتفاصيل الصفقة التي أبرموها. ربما كانت على حساب دين ومصلحة المغاربة أجمعين...هل كانت عن موعدة وُعِدوا بها؟... فلولا بينوا الصفقة بكل شفافية. فإن قبلها الشباب الثائر، فبها ونعمت، وإن رفضها فلزوم الشيوخ بيوتهم بعيدا عن الساحة السياسية هو أولى لهم من المساهمة في مساندة دين الفساد والاستبداد.
وإن كان ولابد من تدخلهم في الشأن العام بهدف بسط العدالة القرآنية، فأحرى بهم أن يتساءلوا بينهم: ما نصيب الأيتام في مأدبة اللئام؟ هل يمكن أن يكون لهم نصيب في الحكم يستطيعون عبره النفوذ إلى مواقع القرار، كمثل المناصب التي أسندت لحفنة أنصار اليسار اللاييكي المفروضة من الغرب على المغاربة؟ هل يدركون أن ذلك مستحيل في دولة دبر توزيع الأدوار فيها بليل؟
ربما نفس التفاوض السري حصل مع أصحاب بن كيران. ولقد فهم شباب الثورة ملامح الصفقة انطلاقا من حراك بن كيران وتأطيره لمهرجانات تسويق الدستور... حتى إذا مر الدستور بأمن وسلام بالطرق العتيقة، استدرك هو وأصحابه الأمر، وعضوا على أناملهم، وتخافتوا بينهم واستنكروا دوام تقاليد تزوير صناديق الانتخاب. وفقد بعضهم الأمل في منصب في مراكز القرار نظرا لاستمرار أساليب التزوير. فقام بن كيران يهدد ببلادة واضحة النظام بحركة الشباب الثائر. وقد كان من السياسة الحكيمة، مصارحة المغاربة بالصفقة المبرمة مع مفاوضي القصر، ليكونوا عليها من الشاهدين... وقبلها كان من الأسلم لبن كيران أن يبقى بعيدا عن طلب الإمارة التي لن ينالها في ظل حكم العلمانية، إلا إذا تنازل عن المبادئ التي تعاقد مع أنصاره عليها. وهي الصيغة التي يطبقها الحكام من أجل تجريد الخصم من كل مصداقية شعبية. فيهرب عنه المنتخِبون. فيقبل ما تجود به الصناديق الانتخابية المحبوكة نتائجها سلفا، كما قبلتها الأحزاب الخربة. فيصبح من المدافعين عن الزور. فيخسر الدنيا والآخرة. ولقد صرح بن كيران بنفسه في مهرجان التسويق للدستور المزور، إنه يغامر بمستقبله في السياسة، وبمصيره في الآخرة. وتلك هي خطوات شيطان السياسة الفاسدة التي أمرنا ربنا أن نحطات منها .
أما علماء الرسوم والطقوس داخل الحقل الديني “المهيكل" ليصبح أداة تنفيذية في الإدارة اللاييكية، وظيفتها إصدار الفتاوى تحت الطلب، فلا يستحق منا عناء بحث عن دلائل ركونه إلى دين الفساد والاستعباد. حسبنا ما ذكره في حقهم أولئك الفقهاء الذين جاءوا من الجبال المحرومة من التنمية، عقابا لهم على مقاومة آبائهم للاحتلال الفرنسي والإسباني، جاءوا للتظاهر أمام البرلمان ضد قهر وتسلط الجهاز التيوقراطي...
يلبسون الحق بالباطل
تراهم على اختلاف مشاربهم ينصبون أنفسهم حماة للناس من الفتن المهددة عوارضها المظلمة في الأفق. نعم ما صرحوا به. لكن إذا قيل لهم ما تعريفكم للفتنة؟ وما رأيكم في قوله تعالى : {{... حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله...}} ؟ أليست الفتنة هي كون الدين لغير الله؟ أو شطره لله وشطره لقيصر؟ وهو بالذات دين العلمانية الذي يحكمهم؟ ربما رد بعضهم بملء شدقيه:"الخضوع إلى دين العلمانية واجب لأنه يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. فما لا يدرك الواجب إلا به فهو واجب"!! فتكون دعوة صريحة إلى البرغواطية الجديدة التي لا تخفي خطتها في تعطيل أحكام القرآن!! لكن ألم ينتفض المغاربة ضد البرغواطية القديمة رغم أنف أحبار السوء الحابكين لشرعتها، والرعاع المنافحين عن سلطانها؟
ومنهم من نكس على رأسه وركبه الغرور فأتى بمنكر الرأي: إن لم يطع العلماء الرسميون دين الفساد والاستبداد، فسوف يحل مكانهم من هم أسوأ منهم. فهم في منصبهم تحت وازع ترجيح مصلحة بقائهم! هم من يرجح، وهم من يتشبت بالمناصب، فهم الخصم والحكم!
ومنهم من نصب نفسه خبيرا في فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد. لا يخشون من تلبيس إبليس عليهم فيه. فإذا قيل لهم: " وأي مصلحة ترجى من استمرار تعطيل أحكام القرآن في المعاملات؟ وأي مفسدة تترتب عن التظاهرات السلمية لدفع الفساد والاستعباد وهضم الحقوق؟ فإن كان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالشباب الثائر ضد الفساد هو صاحب الحق؟ وبلطجية “حزب الإدارة الأوفقيرية" المهددة بالحرب الأهلية، هي التي تستحق فتوى تجريم فعلها السيء... أليس كذلك؟ الحق واضح وضوح الشمس في النهار... لكن لا حياة لمن تنادي!
ولأن “الضرر يزال، والضرر لا يزال بالضرر" حسب القاعدة الأصولية المعروفة في علوم الشريعة، فالضرر الصادر عن قمع التظاهرات السلمية وسفك الدماء فيها، لا يصلح لهضم حق التظاهر السلمي، بل الأولى أن يفتي علماؤنا بوجوب إزالة ضرر الفساد والاستبداد، من أصله ومنبعه. والأصل والمنبع هو الوثيقة الدستورية التي لم تُصَغ لكي تلزم الحكام بإصدار قوانين تطبيقية لأحكام القرآن فقط، لا السماح لهم بالتشريع العلماني، متعللين بالخزعبلات من كل نوع، كالخوف من اليهود والنصارى ومعاهداتهم وقوانينهم الدولية المستمدة من التلمود.
كثيرا منهم يتولون الذين كفروا
وفي الحقيقة لا خوف هناك من أعداء الأمة كما يدعون. مشايخنا هداهم الله، هم أقرأ الناس لكتاب الله الذي يطمئن أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم من تسلط أعدائهم، قوله جل وعلا: {{ لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون}} “سورة آل عمران : 111 “.
وحتى الإذاية نكون نحن السبب فيها. وقراءة مقتضبة في طبيعة الدولة العربية الحديثة توضح لنا الأمور، كي لا يتزايد علينا أحد أنه أشد الناس حرصا في طلب الأمن والعافية لهذا البلد، ولهذه الأمة.
فلقد كان السبب في الإذاية زلة الاستغاثة بأعداء الأمة لتطويع الشعوب المسلمة، التي كانت في بداية القرن الماضي، لا تعرف من الحكم المركزي إلا الجباية والتطويع والترحيل من ناحية إلى أخرى، عوض سلك نهج التحديث والتصنيع والنهضة العلمية التي شهدها الغرب آنذاك... لقد عجز القصر في حل تلك المشاكل الداخلية، فاستعان بالجيش الفرنسي والإسباني لقتال المسلمين. وتوسل فتاوى أحبار الوهابية الذين يبيحون الاستعانة بالكافر على المسلم، أفتوا بها للعرب المنتفضين ضد الخلافة العثمانية بزعامة “لاورانس العرب" الأنجليزي، فيسروا لهم تمزيق بلاد المسلمين، وساهموا في ضياع فلسطين.
وأثناء مفاوضات الاستقلال الصوري في إيكس ليبان، تحددت طبيعة الدولة التي ستسلم لها مهام الإدارة الترابية بعد الاستقلال. تم فيها تقسيم النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري، بين سلطات الاستعمار، والمخزن، والنخب المتغربة، التي تبنت النهج العلماني المعطل للدين في المعاملات وصرحت بذلك علانية في الصحف آنذاك، ووقعت عليه في المعاهدات، غير عابئة بتحريم الشرع لذلك. ولازالت تلك القسمة الضيزى سارية المفعول إلى يومنا هذا.
تلك هي طبيعة الدولة المغربية. وذلك هو السبب المانع لها من المضي في أي إصلاح للفساد الهيكلي الذي يفرضه الغرب على الشعوب المسلمة. فلا أمل من نهجها لسياسات اقتصادية أو اجتماعية أو قضائية أو أمنية تصب في صالح الشعب. موازين القوى أو ما يسمونه “التوازنات الكبرى" هو الفيصل في تسيير البلد. الشعب المسلم لا يعتد به في ميزان القوة. لذا فلا نصيب له في ثروات البلد، ولا في التحديث التكنولوجي، ولا في أي وسيلة من وسائل الكرامة إلا بالقدر الذي يبقي رأسه فوق الماء، أو القدر الذي يزيت عضلاته للعمل المضني. وحتى العمل تهضم حقوق الشباب فيه، لكي ينشغل الشعب بفتنة الفقر، فلا يبقى له قدرة على المطالبة بحقوق العدل والكرامة، فضلا عن انتزاعهما المشروع من المحتكرين لها. وقد أحسن عبد الأحد السبتي في تحليله لطبيعة الدولة المغربية حين قال : " السيادة الشكلية للدولة المخزنية ... ظلت في واقع الأمر جهازا ينقص من تكاليف السيطرة الاستعمارية. فقد تم الاحتلال العسكري باسم المخزن، وكانت القرارات الكبرى تتخذ بواسطة ظهائر السلطان... وعملت الحماية على ترميم الدولة المخزنية فأحدثت مؤسسات جديدة مثل وزارتي العدل والأوقاف، واستقطبت من خلالها عناصر مؤثرة من النخبة العالمة." هذا في فترة الاستعمار أما بعده فيقول: " ورثت دولة الاستقلال جهازي المخزن وسلطات المراقبة معا : المديريات التي تحولت إلى وزارات “تقنية"، وأجهزة الأمن والمراقبة، وجيش نظامي خلف الجهاز العسكري الفرنسي . وإلى جانب هذه المؤسسات، استمرت البنية المخزنية العتيقة التي رممتها سلطات الحماية."
واليوم، ما من سلطة من السلطات الثلاث: تشريعية أو تنفيذية أو قضائية وزد عليها حتى السلطة الرابعة سلطة الإعلام، إلا وتجد فيها ممثلين عن المخزن، وممثلين عن سلطات الاستعمار، وممثلين عن الأعيان التقليديين والنخب العلمانية المغربة. ولما طالت مدة احتكارهم للثروة والسلطة، ظهرت علامات التدمير الذاتي فيهم، من ترف واستبداد وفسق واحتقار للمستضعفين. فحق على الكون كله دفع فسادهم واستبدادهم:
امتثالا لكلمات الله الشرعية والكونية: {{ فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ... }} هود ؛ 116.
وخضوعا لإرادة الله القدرية الاستخلافية، منة على المستضعفين، {{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 ) }} “القصص؛5 “؛
وتطهيرا للكون من فساد المستكبرين: {{ ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}} " القصص؛ 6 “.
لكي يعتبر الناس في بدائع سريان كلمات الله الشرعية والكونية والقدرية على مر الدهور والعصور...ولكن ... {{ ... وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }}"يونس؛ 92 “
فمن كان على بينة من تلك الكلمات الربانية، وصدق بها، رغم كيد الجاحدين لها، وامتثل لأوامرها الشرعية، واتبع أسبابها الكونية، وخضع لإرادة الله القدرية فيها، فهو من الأحبار المحمديين المحمودين، الذين هم في مرتبة أنبياء بني إسرائيل، كما جاء في الحديث الشريف. ومن تحققت فيه صفات أحبار السوء السالف ذكرها فلينتظر حكم الشعب المستضعف عليه بعد حين، {{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}} " الفرقان: 70 “. وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
حرر بإنديانا الولايات المتحدة، بتاريخ 18 يوليوز 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.