مسؤول بالوقاية المدنية: إحداث منصات المخزون والاحتياطات الأولية يهدف إلى تعزيز الأمن الاستراتيجي للمملكة    عبد اللطيف حموشي في زيارة عمل إلى فيينا ويلتقي مسؤولي أجهزة استخبارات من قطر وتركيا والسعودية والإمارات وباكستان    الرئيس الشرع يؤكد إجراء "مفاوضات غير مباشرة" بين سوريا وإسرائيل    غزة تُباد.. استشهاد 102 فلسطينيا في سلسلة مجازر إسرائيلية وإصابة 193 خلال 24 ساعة    التجسس على "واتساب": القضاء الأمريكي يغرم "إنزو" الإسرائيلية بمبلغ 168 مليون دولار لصالح "ميتا"    باريس تزيح أرسنال من دوري الأبطال    وهبي: "أشبال الأطلس" مستعدون لمواجهة أي منتخب في الدور القادم    بلقشور يكشف عن موعد إجراء مباراتي السد ويؤكد تواجد تقنية "الڤار"    حكيمي يتألق ويقود باريس سان جيرمان إلى نهائي دوري الأبطال بعد إسقاط أرسنال    متابعة ناشطين من حراك فجيج بينهما "موفو" في حالة اعتقال وأولى جلسات محاكمتهما يوم الخميس    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    رئيس جامعة عبد المالك السعدي يوقع اتفاقيتين مع جامعتين مجريتين لتعزيز الشراكات الدولية    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    تصعيد خطير في جنوب آسيا: سلاح الجو الهندي يتكبد خسائر بمئات الملايين بعد هجوم باكستاني دقيق    لمواجهة الكوارث.. الملك يعطي انطلاقة إحداث منصة للمخزون والاحتياطات الأولية    شراكة مبتكرة لدفع التحول الرقمي في الصناعة التقليدية المغربية    المصطفى الرميد: لا تعارض بين الانحياز لقضايا المغرب ونصرة غزة    مجلس أوربا: قانون العقوبات البديلة "منعطف تاريخي" في المنظومة القضائية المغربية    رئيس الحكومة الإسبانية يثني على مساهمة المغرب في تجاوز أزمة انقطاع التيار الكهربائي    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العصبة تكشف برنامج الجولة الأخيرة من البطولة الاحترافية    تُهرّب الحشيش من شمال المغرب.. إسبانيا تُطيح بشبكة إجرامية في الجنوب    الجزائر تواصل مطاردة المثقفين.. فرنسا تتلقى مذكرتي توقيف دوليتين ضد كمال داود    صحيفة أجنبية: المغرب يعد الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا    الأطرالصحية ونقابة الجامعة الوطنية للصحة بعمالة المضيق الفنيدق تضع يدها على ملف ساخن وتستنكر تعطيل خدمات تقويم البصر بمصحة النهاري بمرتيل    تعليمات جديدة من لفتيت للأمن والولاة: لا تساهل مع السياقة الاستعراضية والدراجات المعدلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ملاحظة نقدية من طرف ألفونس ويلهانز حول جان بول سارتر والعقل الجدلي    ذاكرة النص الأول بعيون متجددة    أبو الأسود الدؤلي    توقيف مواطنين فرنسيين من أصول مغربية يشتبه تورطهما في قضية تتعلق بالسكر العلني وارتكاب حادثة سير بدنية مع جنحة الفرار    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    الخطوط الملكية المغربية و"المبنى رقم 1 الجديد" في مطار JFK بنيويورك يبرمان شراكة استراتيجية لتعزيز تجربة المسافرين    ديزي دروس يكتسح "الطوندونس" المغربي بآخر أعماله الفنية    من إنتاج شركة "Monafrique": المخرجة فاطمة بوبكدي تحصد جائزة وطنية عن مسلسل "إيليس ن ووشن"    إسبانيا تمول محطة تحلية عملاقة بالمغرب ب340 مليون يورو    "قانون بنعيسى" يُقصي الصحافيين من تغطية دورة جماعة أصيلة ويثير الجدل    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    بركة: نعيش سنة الحسم النهائي للوحدة الترابية للمملكة    من هي النقابة التي اتهمها وزير العدل بالكذب وقرر عدم استقبالها؟    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على كافة المستويات.. وخطابها "مستفز" ومخالف للواقع    الزمالك المصري يقيل المدرب بيسيرو    اختتام الدورة الأولى للمنتدى الدولي للصناعة والخدمات بجهة أكادير    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    بركة: إحداث 52 ألف فرصة شغل بقطاع البناء والأشغال العمومية    "كوكا كولا" تغيّر ملصقات عبواتها بعد اتهامها بتضليل المستهلكين    فليك يتهم الحكم بإقصاء برشلونة ويُخاطب لاعبيه قبل الكلاسيكو    دافيد فراتيزي: اقتربت من فقدان الوعي بعد هدفي في شباك برشلونة    المغرب يستقبل 5.7 ملايين سائح خلال 4 أشهر    السياحة الريفية في الصين... هروب من صخب المدن نحو سحر القرى الهادئة    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رهبان وأحبار في خدمة دين الفساد والاستبداد
نشر في لكم يوم 20 - 07 - 2011


تمهيد
تحدث الجزء الأول من مقال " رهبان وأحبار في خدمة دين الفساد والاستبداد " عن علامات الزيغ العيسوي الذي حرك الآلاف من مريدي بعض الزوايا، للتسويق لقول “نعم" يوم الاستفتاء للدستور المفروض. وكان بعضهم قد استولى عليه حال الرهبانية المبتدعة، بتأثير ذلك السماع العجيب: “لا عشرين لا ياسين والدستور هو اليقين". وتوسع المقال في تحليل مكامن زيغهم. وعلمت لاحقا أن شيخ الطريقة النقشبندية، وهي الطريقة الأكثر انتشارا في العالمين القديم والجديد، قد تبرأ من موقف البوتشيشيين. واستشهادي بحكم الشيخ النقشبندي، لا أبتغي منه سوى أستخلاص نتيجة واحدة: الرجوع إلى رهبانية أمة المصطفى هي من آكد الواجبات في هذه الفترة من تعطيل الدين في المعاملات. ورهبانية المصطفى صلى الله عليه وسلم هي بالضبط مقاومة دين العلمانية المحنط لأحكام القرآن.
الجزء الثاني من المقال يحاول تحليل علامات الزيغ الموسوي المحتمل عند الفريق الثاني المنتسب للتيار السلفي، والذي ساهم بدوره في التسويق للدستور المفروض.
أعذار أكبر من زلات أم أصغر؟
الحكم على فريق بالحبرية المغضوب عليها، هو فعل خطير... فما ذم الله فرقة مثل ما ذم أحبار السوء. يسارعون في الفتوى المشبوهة، أحيانا بالتكفير دون الرجوع إلى حكومة شرعية أو استتابة. بل يفتون بقتل الرسل والأنبياء والمصلحين... ويوقظون النعرات الداعية لسفك الدماء وحروب الإبادة، “يكتمون الحق وهم يعلمون"، و"يُحَرِّفون الكَلِم عن موَاضِعه"، و"يلبسون الحق بالباطل"، و"يشترون بآيات الله ثمنا قليلا" من متاع الدنيا، “لا يتناهون عن منكر فعلوه"، “كثيرا منهم يتولون الذين كفروا"... وغيرها من الصفات الجالبة لغضب الله ولعنة الرسل والناس أجمعين.
من أجل ذلك ينبغي التريث طويلا قبل الخوض في موضوع " الزيغ الموسوي" المنتج لأحبار السوء. وقبل ذلك لابد من مراعاة واجب التماس الأعذار للفرقاء الذين لا يتورعون في سلوك دربهم، وفي دخول جحور التبعية لهم.
وهم في الحقيقة طوائف وشيع شتى، حشروا أنفسهم في خندق واحد، خندق شهادة مشبوهة في دستور مفروض على شعب مسلم مقهور، ومن أجل ذلك القهر، نال رضا أعداء الدين، فنوهت به الخارجية الأمريكية، وكذلك رئيس فرنسا وغيرهما من زعماء الغرب المتصهين.
ربما جمعهم الله من أجل الزيال، الذي يتميز عبره أنصار الزيف والكذب، من أنصار الحق والصدق. و القوم يبدون أو يخفون أعذارا لتبرير فعلهم... هل سيقبلها الشباب الثائر أم سيرفضها؟ وعلى أية حال، هناك من متطرفي القوم من أفتى بتحريم ما يقوم به الشباب من تظاهرات سلمية ضد الفساد والاستعباد، كأتباع فقيه الإسهال الفتوي المثير للغثيان، الزمزمي هداه الله. هؤلاء لا كلام معهم، ويبقى الآخرون على ذمة التحقيق من أعذار نلتمسها لهم: محن أو منح، أو إكراه أو تلبيس...
أعذار لفريق الفزازي والمغراوي، وهم حديثو عهد بالاكتواء بنار محن دين الفساد والاستعباد. ولايزال بعضهم يقبع ظلما وعدوانا في غيابات السجون. ولربما الشيخ البوتشيشي كان على علم بالمكيدة التي نصبت لهم يوم 16 ماي 2003 حسب رسالة كتبها أحد مريدي الزاوية نشرتها الصحافة أخيرا؛
أعذار لحزب بن كيران وعلمائه. ربما ظنوا أن منصبا متقدما في الحكومة المقبلة، هو من جملة المنح السلطانية التي سوف ينعم بها عليهم، فيمكنهم ذلك من إصلاح الفساد والاستبداد! حلم إصلاح الدولة من الداخل! وهل هضم الشباب بسهولة تغافل قادتهم عن طبيعة الدولة ومكائدها المكيافالية!
أعذار لعلماء الإدارة في وزارة الأوقاف وفي المجالس العلمية : كمثل عذر إغوائهم لطرق باب الحيل في صياغة الفتاوى حسب الطلب. وعذر إكراههم على التسويق للدستور الجديد. ولقد كانت قمة الإكراه والاستخفاف بحملة كتاب الله ما شهدناه من إهانة لهم لما جيء بهم لقراءة القرآن في ضريح الحسن الثاني يوم الأحد 17 يونيو، فإذا بهم يحشرون أمام البرلمان لمواجهة المسيرة التي دعت لها حركة 20 فبراير !!
يكتمون الحق وهم يعلمون
والزلة الظاهرة الكبرى التي هم فيها مشتركون هي زلة كتم الحقيقة على الشعب، فهم متفقون مع النظام على احتقار ذكاء الشباب القائم ضد الفساد والاستبداد.
ربما تفاوض أصحاب الفزازي والمغراوي على شيء ما مع الحكام... فرجع بعضهم من المنافي وخرج بعضهم من السجون. ولسنا بلائميهم على السعي في رفع الظلم عنهم، ولكن اللوم يرجع إلى كتمهم لتفاصيل الصفقة التي أبرموها. ربما كانت على حساب دين ومصلحة المغاربة أجمعين...هل كانت عن موعدة وُعِدوا بها؟... فلولا بينوا الصفقة بكل شفافية. فإن قبلها الشباب الثائر، فبها ونعمت، وإن رفضها فلزوم الشيوخ بيوتهم بعيدا عن الساحة السياسية هو أولى لهم من المساهمة في مساندة دين الفساد والاستبداد.
وإن كان ولابد من تدخلهم في الشأن العام بهدف بسط العدالة القرآنية، فأحرى بهم أن يتساءلوا بينهم: ما نصيب الأيتام في مأدبة اللئام؟ هل يمكن أن يكون لهم نصيب في الحكم يستطيعون عبره النفوذ إلى مواقع القرار، كمثل المناصب التي أسندت لحفنة أنصار اليسار اللاييكي المفروضة من الغرب على المغاربة؟ هل يدركون أن ذلك مستحيل في دولة دبر توزيع الأدوار فيها بليل؟
ربما نفس التفاوض السري حصل مع أصحاب بن كيران. ولقد فهم شباب الثورة ملامح الصفقة انطلاقا من حراك بن كيران وتأطيره لمهرجانات تسويق الدستور... حتى إذا مر الدستور بأمن وسلام بالطرق العتيقة، استدرك هو وأصحابه الأمر، وعضوا على أناملهم، وتخافتوا بينهم واستنكروا دوام تقاليد تزوير صناديق الانتخاب. وفقد بعضهم الأمل في منصب في مراكز القرار نظرا لاستمرار أساليب التزوير. فقام بن كيران يهدد ببلادة واضحة النظام بحركة الشباب الثائر. وقد كان من السياسة الحكيمة، مصارحة المغاربة بالصفقة المبرمة مع مفاوضي القصر، ليكونوا عليها من الشاهدين... وقبلها كان من الأسلم لبن كيران أن يبقى بعيدا عن طلب الإمارة التي لن ينالها في ظل حكم العلمانية، إلا إذا تنازل عن المبادئ التي تعاقد مع أنصاره عليها. وهي الصيغة التي يطبقها الحكام من أجل تجريد الخصم من كل مصداقية شعبية. فيهرب عنه المنتخِبون. فيقبل ما تجود به الصناديق الانتخابية المحبوكة نتائجها سلفا، كما قبلتها الأحزاب الخربة. فيصبح من المدافعين عن الزور. فيخسر الدنيا والآخرة. ولقد صرح بن كيران بنفسه في مهرجان التسويق للدستور المزور، إنه يغامر بمستقبله في السياسة، وبمصيره في الآخرة. وتلك هي خطوات شيطان السياسة الفاسدة التي أمرنا ربنا أن نحطات منها .
أما علماء الرسوم والطقوس داخل الحقل الديني “المهيكل" ليصبح أداة تنفيذية في الإدارة اللاييكية، وظيفتها إصدار الفتاوى تحت الطلب، فلا يستحق منا عناء بحث عن دلائل ركونه إلى دين الفساد والاستعباد. حسبنا ما ذكره في حقهم أولئك الفقهاء الذين جاءوا من الجبال المحرومة من التنمية، عقابا لهم على مقاومة آبائهم للاحتلال الفرنسي والإسباني، جاءوا للتظاهر أمام البرلمان ضد قهر وتسلط الجهاز التيوقراطي...
يلبسون الحق بالباطل
تراهم على اختلاف مشاربهم ينصبون أنفسهم حماة للناس من الفتن المهددة عوارضها المظلمة في الأفق. نعم ما صرحوا به. لكن إذا قيل لهم ما تعريفكم للفتنة؟ وما رأيكم في قوله تعالى : {{... حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله...}} ؟ أليست الفتنة هي كون الدين لغير الله؟ أو شطره لله وشطره لقيصر؟ وهو بالذات دين العلمانية الذي يحكمهم؟ ربما رد بعضهم بملء شدقيه:"الخضوع إلى دين العلمانية واجب لأنه يجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن. فما لا يدرك الواجب إلا به فهو واجب"!! فتكون دعوة صريحة إلى البرغواطية الجديدة التي لا تخفي خطتها في تعطيل أحكام القرآن!! لكن ألم ينتفض المغاربة ضد البرغواطية القديمة رغم أنف أحبار السوء الحابكين لشرعتها، والرعاع المنافحين عن سلطانها؟
ومنهم من نكس على رأسه وركبه الغرور فأتى بمنكر الرأي: إن لم يطع العلماء الرسميون دين الفساد والاستبداد، فسوف يحل مكانهم من هم أسوأ منهم. فهم في منصبهم تحت وازع ترجيح مصلحة بقائهم! هم من يرجح، وهم من يتشبت بالمناصب، فهم الخصم والحكم!
ومنهم من نصب نفسه خبيرا في فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد. لا يخشون من تلبيس إبليس عليهم فيه. فإذا قيل لهم: " وأي مصلحة ترجى من استمرار تعطيل أحكام القرآن في المعاملات؟ وأي مفسدة تترتب عن التظاهرات السلمية لدفع الفساد والاستعباد وهضم الحقوق؟ فإن كان درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالشباب الثائر ضد الفساد هو صاحب الحق؟ وبلطجية “حزب الإدارة الأوفقيرية" المهددة بالحرب الأهلية، هي التي تستحق فتوى تجريم فعلها السيء... أليس كذلك؟ الحق واضح وضوح الشمس في النهار... لكن لا حياة لمن تنادي!
ولأن “الضرر يزال، والضرر لا يزال بالضرر" حسب القاعدة الأصولية المعروفة في علوم الشريعة، فالضرر الصادر عن قمع التظاهرات السلمية وسفك الدماء فيها، لا يصلح لهضم حق التظاهر السلمي، بل الأولى أن يفتي علماؤنا بوجوب إزالة ضرر الفساد والاستبداد، من أصله ومنبعه. والأصل والمنبع هو الوثيقة الدستورية التي لم تُصَغ لكي تلزم الحكام بإصدار قوانين تطبيقية لأحكام القرآن فقط، لا السماح لهم بالتشريع العلماني، متعللين بالخزعبلات من كل نوع، كالخوف من اليهود والنصارى ومعاهداتهم وقوانينهم الدولية المستمدة من التلمود.
كثيرا منهم يتولون الذين كفروا
وفي الحقيقة لا خوف هناك من أعداء الأمة كما يدعون. مشايخنا هداهم الله، هم أقرأ الناس لكتاب الله الذي يطمئن أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم من تسلط أعدائهم، قوله جل وعلا: {{ لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون}} “سورة آل عمران : 111 “.
وحتى الإذاية نكون نحن السبب فيها. وقراءة مقتضبة في طبيعة الدولة العربية الحديثة توضح لنا الأمور، كي لا يتزايد علينا أحد أنه أشد الناس حرصا في طلب الأمن والعافية لهذا البلد، ولهذه الأمة.
فلقد كان السبب في الإذاية زلة الاستغاثة بأعداء الأمة لتطويع الشعوب المسلمة، التي كانت في بداية القرن الماضي، لا تعرف من الحكم المركزي إلا الجباية والتطويع والترحيل من ناحية إلى أخرى، عوض سلك نهج التحديث والتصنيع والنهضة العلمية التي شهدها الغرب آنذاك... لقد عجز القصر في حل تلك المشاكل الداخلية، فاستعان بالجيش الفرنسي والإسباني لقتال المسلمين. وتوسل فتاوى أحبار الوهابية الذين يبيحون الاستعانة بالكافر على المسلم، أفتوا بها للعرب المنتفضين ضد الخلافة العثمانية بزعامة “لاورانس العرب" الأنجليزي، فيسروا لهم تمزيق بلاد المسلمين، وساهموا في ضياع فلسطين.
وأثناء مفاوضات الاستقلال الصوري في إيكس ليبان، تحددت طبيعة الدولة التي ستسلم لها مهام الإدارة الترابية بعد الاستقلال. تم فيها تقسيم النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري، بين سلطات الاستعمار، والمخزن، والنخب المتغربة، التي تبنت النهج العلماني المعطل للدين في المعاملات وصرحت بذلك علانية في الصحف آنذاك، ووقعت عليه في المعاهدات، غير عابئة بتحريم الشرع لذلك. ولازالت تلك القسمة الضيزى سارية المفعول إلى يومنا هذا.
تلك هي طبيعة الدولة المغربية. وذلك هو السبب المانع لها من المضي في أي إصلاح للفساد الهيكلي الذي يفرضه الغرب على الشعوب المسلمة. فلا أمل من نهجها لسياسات اقتصادية أو اجتماعية أو قضائية أو أمنية تصب في صالح الشعب. موازين القوى أو ما يسمونه “التوازنات الكبرى" هو الفيصل في تسيير البلد. الشعب المسلم لا يعتد به في ميزان القوة. لذا فلا نصيب له في ثروات البلد، ولا في التحديث التكنولوجي، ولا في أي وسيلة من وسائل الكرامة إلا بالقدر الذي يبقي رأسه فوق الماء، أو القدر الذي يزيت عضلاته للعمل المضني. وحتى العمل تهضم حقوق الشباب فيه، لكي ينشغل الشعب بفتنة الفقر، فلا يبقى له قدرة على المطالبة بحقوق العدل والكرامة، فضلا عن انتزاعهما المشروع من المحتكرين لها. وقد أحسن عبد الأحد السبتي في تحليله لطبيعة الدولة المغربية حين قال : " السيادة الشكلية للدولة المخزنية ... ظلت في واقع الأمر جهازا ينقص من تكاليف السيطرة الاستعمارية. فقد تم الاحتلال العسكري باسم المخزن، وكانت القرارات الكبرى تتخذ بواسطة ظهائر السلطان... وعملت الحماية على ترميم الدولة المخزنية فأحدثت مؤسسات جديدة مثل وزارتي العدل والأوقاف، واستقطبت من خلالها عناصر مؤثرة من النخبة العالمة." هذا في فترة الاستعمار أما بعده فيقول: " ورثت دولة الاستقلال جهازي المخزن وسلطات المراقبة معا : المديريات التي تحولت إلى وزارات “تقنية"، وأجهزة الأمن والمراقبة، وجيش نظامي خلف الجهاز العسكري الفرنسي . وإلى جانب هذه المؤسسات، استمرت البنية المخزنية العتيقة التي رممتها سلطات الحماية."
واليوم، ما من سلطة من السلطات الثلاث: تشريعية أو تنفيذية أو قضائية وزد عليها حتى السلطة الرابعة سلطة الإعلام، إلا وتجد فيها ممثلين عن المخزن، وممثلين عن سلطات الاستعمار، وممثلين عن الأعيان التقليديين والنخب العلمانية المغربة. ولما طالت مدة احتكارهم للثروة والسلطة، ظهرت علامات التدمير الذاتي فيهم، من ترف واستبداد وفسق واحتقار للمستضعفين. فحق على الكون كله دفع فسادهم واستبدادهم:
امتثالا لكلمات الله الشرعية والكونية: {{ فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض ... }} هود ؛ 116.
وخضوعا لإرادة الله القدرية الاستخلافية، منة على المستضعفين، {{ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 ) }} “القصص؛5 “؛
وتطهيرا للكون من فساد المستكبرين: {{ ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}} " القصص؛ 6 “.
لكي يعتبر الناس في بدائع سريان كلمات الله الشرعية والكونية والقدرية على مر الدهور والعصور...ولكن ... {{ ... وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }}"يونس؛ 92 “
فمن كان على بينة من تلك الكلمات الربانية، وصدق بها، رغم كيد الجاحدين لها، وامتثل لأوامرها الشرعية، واتبع أسبابها الكونية، وخضع لإرادة الله القدرية فيها، فهو من الأحبار المحمديين المحمودين، الذين هم في مرتبة أنبياء بني إسرائيل، كما جاء في الحديث الشريف. ومن تحققت فيه صفات أحبار السوء السالف ذكرها فلينتظر حكم الشعب المستضعف عليه بعد حين، {{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}} " الفرقان: 70 “. وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
حرر بإنديانا الولايات المتحدة، بتاريخ 18 يوليوز 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.