في سياق ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا ( كوفيد 19 ) بالمغرب و انتشارها في مختلف جهات البلاد باستثناء جهتي العيون الساقية الحمرة و الداخلة وادي الذهب، تزايدت مخاوف كل المتابعين و العاملين في قطاع الصحة و عموم المواطنين حول قدرات المغرب في احتوائه للجائحة، خصوصا مع ضعف البنيات التحتية الاستشفائية و قلة الأطر الطبية و التخلف التكنولوجي الذي يشهده القطاع الصحي. في خضم هذا الجو المشحون و المضطرب و المليء بالمخاوف تذكرت القولة الشهيرة لعبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق سنة 2014 حينما صرح لأحد الجرائد الالكترونية الوطنية ” حان الوقت لأن ترفع الدولة يدها عن التعليم و الصحة فلا يجب أن تشرف على كل شيء ” هذه القولة أكدها مرة أخرى و بنبرة من الفخر و الاعتزاز في أحد جلسات المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين مواجها حينها المعارضة . عندها أحسست بالغبن و القهر الشديدين من ضحالة الموقف، و نحن ألان نواجه فيروس يعبث بالأرواح في كل مكان، ففي الوقت الذي يعرف فيه المغرب تدني شديد في الخدمات الاجتماعية على رأسها التعليم و الصحة و توسع نسبي في رقعة الفقر و البطالة يخرج بنكيران عن السياق بوصفة لا علاقة لها بتحسين أوضاع الشعب المغربي. فحسب تقرير المفتشية العامة لوزارة الصحة في يوليوز 2019 الذي رصد من خلاله وضعية قطاع الصحة بالمغرب، فقد خلص إلى ضعف في الخدمات العلاجية و نقص في الموارد البشرية و التجهيزات. فيما أشار تقرير مؤسسة ” فيتش للحلول ” في نفس السنة أن قطاع الصحة بالمغرب يعاني من العديد من المشاكل أهمها تدني أجور العاملين، حيث أكد التقرير أن بسبب تدني الأجور و ظروف العمل السيئة أدى إلى ارتفاع حدة الاحتجاجات و الإضرابات بالقطاع العام، بالإضافة إلى وجود عددا من المصحات الخاصة تفرض رسوما أعلى على المرضى مستفيدة من عدم وجود رقابة كافية عليها. هذا الوضع المأزوم يتطلب معه تعبئة شاملة للموارد المالية من أجل تلبية حاجة المواطنين و المواطنات الصحية، فدور الدولة الحديثة الأساسي هو إسعاد الناس وليس إضعاف مكانتهم الاجتماعية كما عبر عنه بنكيران ولو بشكل ضمني !. فأزمة جائحة كورونا أجبرت الغني أن يعالج بجانب الفقير في ظروف صحية واحدة، حيث قلة الأطر الطبية و التجهيزات الضرورية . هذه الأزمة كشفت للجميع أن ليس للدولة سياسة وطنية صحية، واضحة وصالحة في وقت الأزمة قبل الأوقات العادية، و كشفت كذلك للجميع صدق ما طالب به معتقلو الريف و جرادة و أوطاط الحاج، فالصندوق الوطني لتدبير أزمة كورونا ( كوفيد 19 ) على الرغم من رمزيته الوطنية بمساهمة العديد من المؤسسات الاقتصادية و الشخصيات العامة و مختلف المواطنين والمواطنات فيه، إلا أنه يبقى ذا طابع إحساني لا علاقة له بالتخطيط. و بالموازاة مع موقف بنكيران، تذكرت موقف لولا داسيلفا زعيم نهضت البرازيل الذي صرح عقب وضعه لخطة إنقاذ وطنية سنة 2003 "التقشف ليس أن أفقر الجميع بل هو إن الدولة تستغني عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء ” موقفه أتى بعد معاناة كبيرة للشعب البرازيلي جراء إغراق البلاد في الديون و إتباع إملاءات الأبناك المالية العالمية ، فقد أعطت خطته لإنقاذ الوطن الأولوية الحقيقية للقطاعات الاجتماعية ( الصحة و التعليم ) و فرض ضرائب كبيرة على أغنياء البرازيل. على أي حال فبنكيران ليس مطالب بأكثر ما يعتقد، و بما يؤمن، فهو يقول فقط ما تملي عليه جماعته العابرة للحدود الوطنية و المعروفة بمحاباة الأبناك المالية العالمية.