الرقمنة تجلب %91 من ضرائب مغاربة الخارج وتمنحهم أكثر من 4 مليون شهادة إلكترونية    بوروسيا دورتموند يكرر فوزه على "سان جيرمان" وييلغ نهائي عصبة الأبطال للمرة الثالثة    الملف المطلبي يدفع التنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى تفعيل إضراب وطني    سفينة جانحة تغادر "مضيق البوسفور"    طقس الأربعاء.. موجة حر تصل 44 درجة تضرب عدة مناطق مغربية    النهضة البركانية تهزم المغرب التطواني    جماعة الحسيمة تصادق على 20 نقطة في دورة ماي 2024    "نتنياهو يعرف أن بقاء حماس يعني هزيمته"    "الكاف" يعين صافرة سنغالية لقيادة مباراة نهضة بركان والزمالك المصري    وزير الثقافة المالي يشيد بجهود جلالة الملك الداعمة لإشعاع الثقافة الإفريقية    توقيف شخصين بأكادير للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات الصلبة    الرباط.. تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام التنموي في دورتها الثانية    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    انطلاق تكوين أساتذة مادة الأمازيغية في السلك الابتدائي بجهة الشمال    الملك محمد السادس يستقبل الأمير تركي حاملا رسالة من العاهل السعودي    باريس سان جيرمان يخطط للتعاقد مع نجم المنتخب المغربي    الداخلية تفتح باب الترشح لخلافة بودريقة في رئاسة مرس السلطان    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    بنموسى يكشف عن مصير الأساتذة الموقوفين    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    عبد النباوي ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الكويتي يتفقان على وضع إطار اتفاقي للتعاون    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    طلب "أخير" من الاتحاد الجزائري بخصوص أزمة قميص نهضة بركان    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    الشرطة الفرنسية تصادر مليون قرص مخدر    المغرب يقتحم الحدود الممنوعة في صناعة السلاح الفتاك    بوريطة يستقبل وزير خارجية مملكة البحرين    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    تداولات الافتتاح في بورصة الدار البيضاء    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    مناسبة لتأكيد تمسك الأمة بمبدأ الوفاء للعرش العلوي المجيد.. الذكرى الواحدة والعشرون لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    "حماس": 54 شهيدا خلال 24 ساعة في غزة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    الأمم المتحدة تحذر من أن مخزونها من الوقود يكفي ليوم واحد فقط في غزة    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    كبير إيطاليا يدخل بقوة على خط التعاقد مع زياش    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا تختلط الأوراق بين القضية الوطنية و القضية فلسطينية
نشر في العرائش أنفو يوم 25 - 12 - 2020


تمهيد
لا يمكن أن نكون أحرارا بالمفهوم الأممي ، ما لم ندافع عن حريتنا كجزء لا يتجزأ من حرية باقي البشر أينما تواجدوا ، و ما لم نؤمن بقوميتنا كمرجعة للقالب المشترك لمن تجمعنا معهم روابط التاريخ و اللغة و الثقافية و المصير ، هذا في عالم تسوده الغلبة للأقوى اقتصاديا و عسكريا و حضاريا. و بالطبع لن نكون أمميّين و قوميّين اذا لم نتوفر على الحس الوطني. و ذلك عبر االتشبث بالموروث التاريخي و المصيري المبني عن روابط القرابة العضوية بين أبناء و بنات الشعب الذي يعمر الوطن المشترك.
منظورنا هذا لا ينطلق من فهم أيديولوجي محض أو مواقف سياسية ضيقة أو خطاب حقوقي ظرفي. بل ينطلق من فهم تطور الصراع الوطني و القومي و الكوني مع الربط بينهم بشكل جدلي. لكل مرحلة من التطور الوطني و القومي و اللدولي خصوصياتها ، لذا وجب التعامل معها حسب الثوابت الأساسية في الدفاع عن الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية وطنيا وقوميا و كونيا. انطلاقا من فهمنا أعلاه فان الانسان لن ينعم بالحرية في مجتمع غير متحرر و في اطار قومي شعوبه غير متحررة و موحدة و هذا كما تمت الاشارة اليه ، في عالم تسوده الغلبة و السيطرة والاستعمار و الاستغلال و العنصرية.
القضية الوطنية المتمثلة في استرجاع الصحراء
لما قام النضال التحرري ضد الاستعمار الاسباني في الصحراء الغربية أيدناه كخطوة نضالية عن طريق الثورة الوطنية الديمقراطية في الغرب العربي الممثل في موريتانيا و الصحراء – الشرقية و الغربية – و المغرب الأقصى. و أنه عبر الثورة الوطنية سيتم اعادة بناء الوحدة في اطار الدولة الديمقراطية التي تضم ، مناطق المغرب التاريخي . كان هذا هو الموقف الذي تبناه اليسار الجديد و الذي عبرت عنه المنظمتين الثوريتين " 23 مارس " و " الى الأمام " في بيان مشترك عام 1974. كان هذا الموقف ينطلق من كون عملية التحرير و الوحدة لكل أطراف المغرب التاريخي لم تكتمل و أن الحلقة الضعيفة في استكمال الصيرورة التحررية هي الصحراء الغربية التي كانت لا زالت تحت نير الاستعمار الاسباني الغاشم. و انطلاقا من الصحراء الغربية ستعمّ الثورة كل من موريتانيا و المغرب الأقصى ، الدولتين التابعتين للاستعمار الجديد كونهما لم يحصلا على استقلال فعلي و منه انعدام حكم ديمقراطي ، لا شعبي لا وطني. لقد تطور موقفنا هذا مع تطور المعطيات السياسية و الاجتماعية على أرض الواقع لما تبين انعدام المؤهلات الضرورية لانطلاق العملية الثورية التي تبنيناها ، و ذلك بعد تدخل نظام العسكر في الجزائر. هذا النظام الذي تخلى عن مكتسبات الثورة الجزائرية العظيمة و نهج سياسة نرجسية و عدوانية عقيمة ضد الشعب المغربي ، حيث دجّن مناضلي جبهة البوليساريو و استعملهم لمناوئة المغرب لخدمة أغراضه التوسعية. كما لم يتهاون في اجلاء 350000 مواطن ومواطنة من أصل مغربي من الجزائر. لما تبين لنا تخاذل جبهة البوليساريو و تنازلها عن المنظور الثوري المشترك في تحرير الغرب العربي بهدف اعادة وحدة أجزاء المغرب التاريخي حيث أصبحت دمية بين يد جنرالات الجزائر ، ثم نظرا لانعدام أية امكانية فعلية للقيا بثورة مسلحة تحريرية لمجوع أجزاء المغرب التاريخي – موريتانيا و الصحراء (الشرقية و الغربية ) و مغرب ايكس ليبان – ، الى جانب تطور الوضع السياسي في هذا الأخير ، تبنينا المنظور السلمي للتحرير عبر موقف اعادة الوحدة الترابية انطلاقا من بناء الدولة الديمقراطية . بمفهوم أنه لن تتم الوحدة الترابية الفعلية إلا بإرساء دولة ديمقراطية يرجع الحكم فيها للشعب .
1 – الأخطاء القاتلة للوحدة و الديمقراطية
عكس القضية الفلسطينية التي هي قضية شعب سلبت أرضه عبر استعمار استيطاني توسعي عنصري لا مثيل له في تاريخ الانسانية ، فان الوحدة الترابية للمغرب التاريخي هي أخطاء النخبة السياسية المتمثلة في الحركة الوطنية التي قدمت تنازلات تتناقض و طموحات الشعب المغربي في تحرير كل أجزائه من طنجة الى نهر السنغال مرورا بالصحراء بشرقها و غربها أي بلاد شنغيط . و ذلك لما فوضت القصر سواء في ما خص التحرير و معاهدة الاستقلال عبر محادثات ايكس ليبان و بناء المؤسسات الدستورية. خلاصة هذا التفويض ، استقلال نسبي في اطار التبعية للاستعمار الجديد ، لجزء فقط للمغرب التاريخي تبعه حل المقاومة المسلحة في المدن و جيش التحرير في الشمال ثم في الجنوب .
لا وجود هناك مجال للمقارنة بين استعمار استيطاني غاشم لفلسطين و تحرير أجزاء من المغرب بقيت خارج الوحدة نظرا للتفريط الذي قامت به الحركة الوطنية و الذي أدت ثمنه غاليا ، لما استحوذ القصر على زمام الحكم المطلق خلال سنوات الجمر و الرصاص . لكن رغم كل هذه الهفوات للحركة الوطنية و رغم كل العمليات التي استهدفت تفسخه العلاقات بين سكان مغرب ايكس ليبان و ساكنة الصحراء الغربية ، فان الطموح في الوحدة العضوية بين أبناء الشعب المغربي في شماله و جنوبه ظلت متينة . خير دليل على ذلك ، كون الصحراويين أنفسهم هم اكبر متشبث بالوحدة الترابية لوطنهم المغرب. و للتذكير ، لما تمت عملية الاستفتاء لتقرير مصير الشعب الجزائري عام 1962 ، فان سكان الصحراء الشرقية ، التي كانت تحت السيطرة الاستعمارية الفرنسية بعد صمها عام 1952 الى ادارتها بالجزائر التي كانت تعد جزء من ترابها آنذاك ، رفضوا المشاركة في الاستفتاء بدعوى أنهم مغاربة. وللتذكير أيضا فان الحدود الصحراوية بين الجزائر و المغرب لم تضبطها معاهدة الحماية لعام 1912 حيث تركت الحدود لما بعد مدينة فجيج غير مضبوطة ومفتوحة ، علما أن منطقة تندف و كلوم بشار و توات أي الصحراء الشرقية المغربية ، كانت تابعة اداريا للمغرب. وعلما كذلك أن منطقة جنوب الجزائر لم تطرح السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي إلا بعد تدخل شيخ الزاوية الوزانية عام 1895 ، نظرا للتأثير الكبير لهذه الأخيرة على ساكنة الصحراء الشرقية للمغرب.
و زيادة على هذا فان المغرب رفض مقترح فرنسا عام 1958 في ضبط الحدود الجزائرية المغربية. ذلك للوقوف اللاّ مشروط للشعب المغربي الى جانب الثورة الجزائرية و أن هناك اتفاق بين المغرب و الحكومة الجزائرية المؤقتة التي كان يقودها بن خدة . هذا الاتفاق المبدئي يقضي أن مسألة الحدود بين الجزائر و المغرب ستحل بين الاخوة الأشقاء بعد استقلال الجزائر. استقلت الجزائر في يوليوزعام 1962 و جاءت حرب الرمال في أكتوبر 1963 و تقوضت العلاقة بين النظام الجمهوري التقدمي ذا التطلوع الاشتراكي في الجزائر أنداك والنظام الملكي ذا التطلع الليبرالي في المغرب. تلخبطت الأمور منذ الفترة بين الأشقاء اللذين كل شيء يجمعهما . و من أزمة لأخرى حلت قضية الصحراء الغربية المغربية على طبق من ذهب للنظام العسكري في الجزائر ليجعل منها أم الأزمات مع المغرب . هكذا أصبح المغرب الذي آزر الثورة الجزائرية كما لم يؤازر أي شعب شعبا آخر ، بين عشية وضحاها ، عدو خارجي مستعمر لشعب ظهر للوجود بقدرة قادر ، كما يخرج الساحر من قبعته حمامة . كل هذا تحت شعار حق تقرير المصير. شعار مبدئي يستهوي الشعور و يرك الضمائر. لكن النظام العسكري بالجزائر استعمله كحق يراد به باطل ، متناقض مع موقف محكمة العدل الدولية بلاهاي .
2 – جبهة البوليساريو و الحكم الذاتي في الصحراء
– جبهة البوليساريو
لم تكن الجبهة عند تأسيسها فيشهر ماي 1973 تهدف الى استقلال الصحراء عن المغرب ، وطنها الأم ، بل كانت حركة مسلحة ضد المستعمر الاسباني . الخطأ الفادح هو خطأ الحركة الوطنية ، التي كانت لا زالت بكثير من الشعبية بداية سبعينيات القرن الفائت و كذا القصر الذي لم يكن همه سوى اثبات سلطته المطلقة . عند هذا الرفض في الدعم المادي و المعنوي لتحرير الصحراء من قبل الحركة الوطنية و القصر ، لجأ المناضلون الصحراويون الأوائل ، و هم طلبة في صفوف المنظمة الطلابية العتيدة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، الى ليبيا الناصرية التوجه القومي القاضي بمناهضة تجزئة الأقطار العربية و الداعي الى الوحدة العربية . لكن لما أقصي النظام العسكري في الجزائر للمشاركة في المحادثات الثلاثية بين اسبانها و المغرب و موريتانيا و التي تم بموجبها تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب و موريتانيا ، احتضن النظام الجزائري جبهة البوليساريو و أغدق عليها المال و السلاح لحد هدد وجود النظام الموريتاني. مما اضطر هذا الأخير التنازل للمغرب عن نصيبه .
يتضح من كلامنا هذا ، أن الجبهة لم تكن في الأصل تتجه نحو الانفصال و انما كان هدفها متابعة كفاح جيش التحرير المغربي الذي قضي عليه عبر التوجه المتخاذل للحركة الوطنية والقصر الذي لم يكن يرغب في تواجد جيش شعبي خارج ارادته. أما التعليل كون جيش التحرير قضي عليه خلال معرة "أكوفيون" فذلك تفسير واه ، لآن أي جيش تحرري ينهزم في عدة معارك ، إلا أنه ينتصر في نهاية الحرب . لسبب وحيد ، جربته الشعوب عند خوض حرب تحررية ، احتضان الشعب لفدائي جيش تحريره كالحوت في الماء. أما جيش التحرير المغربي فقد وجد مجاهديه أنفسهم كالحوت خارج الماء . لما تأسست جبهة البوليساريو كانت الوضعية الجيوسياسية ، سواء على المستوى المغاربي ، بظهور النزعة الهيمنة للنظام العسكري بالجزائر حيث كانت لا تزال تحظى الثورة الجزائرية ، سواء على المستوى العربي أو الافريقي و العالمي بعطف كبير. كما كان المعسكر الاشتراكي الذي غيّر موازن القوى العسكرية و السياسية على المستوى العالمي يدعم النظام العسكري بالجزائر. كل هذه العوامل الظرفية منها و الموضوعية دفعت مناضلي جبهة البوليساريو دخول مغامرة حق تقرير المصير لساكنة الصحراء الغربية . الشعار الذي كان مواتيا قبل سقوط المعسكر الاشتراكي و الذي أصبحت بسببه جبهة البوليساريو في نفق مسدود و معها النظام العسكري الجزائري ، المحرك و المستفيد من وضعية التوتر في الصحراء. و لقد زاد في تقهقر الوضع في الجزائر و عبره الجبهة، سقوط صور برلين في 9 ننبر 1989. حيث تغيرت موازين القوى و تغيرت معها الأوضاع السياسية في المنطقة و الشرق الأوسط و افريقيا والعالم و أصبح معها الوضع مواتيا للمغرب لاسترداد أراضيه.
– الحكم الذاتي في الصحراء
جاء مشروع الحكم الذاتي كحل وسط بين وضعية لا حرب و لا سلم في منطقة الصحراء الغربية. لكن الغلط الفظيع هو رفعه كمناورة تكتيكية و ليس كمبدأ استراتيجي . ان الحكم الذاتي يجب أن يكون قرار ناتج من الارادة الشعبية . و ليكون كذلك وجب الدخول في تطبيقه عاجلا و ليس استعماله فقط كورقة ضغط في المحافل الدولية التي لكل دولة فيها ، مصالحها الخاصة . ما حك جلدك مثل ظفرك يقول المثل و خير البر عاجله لقطع الطريق على المتربصين و قبل أن تحدث متغيرات سياسة في المنطقة و في العالم. و السياسة كما هو معلوم ، جوهرها التغيرات . تطبيق مبدأ الحكم الذاتي يعني التفتح على كل الصحراويين داخل المغرب و خارجه و التعهد بأن الحكم الذاتي هو استقلال الصحراء داخل المغرب والصحراويين داخل الأمة الغربية . بمعنى كون التّسيير الداخلي للصحراء الغربية من اختصاص ساكنة الصحراء وحدهم و العملة النقدية و الحدود و العلاقة الخارجية من اختصاص الدولة المغربية.
و حتى يكون للحكم الذاتي في الصحراء مدلول تحرري فعلي داخل بناء الدولة الديمقراطية بالمغرب ، وجب تعميمه على باقي المناطق الأساسية للبلاد ذات مميزات خاصة. و كما كنا سطرناه في تحليل سابق ، أن طبيعة الكيان القومي المغربي متعدد ثقافيا و جغرافيا ، ومنه وجب الدخول في للامركزية بمفهوم الحكم الذاتي ، كما هي مطبقة في العديد من البلدان. الى جانب هذا المبادرة للدولة المغربية وجب تحرك شعبي موازي لإعادة ربط الأواصر العميقة التي تجمع كل أبناء المغرب بإخوانهم و أخواتهم في جبهة البوليساريو و أن مكانهم بين أحضان دويهم في أرض الصحراء المحررة من الاستعمار الاسباني و التي تحظى بحكمها الذاتي داخل الوطن الجامع.
3 – دور اليسار بالمغرب راهنا
ان اليسار المغربي التقليدي لما طرحت قضية الصحراء ، ظلت مواقفه رغم جذرية مطالبه تتراوح ضمن سياج الحركة الوطنية ، التي لم تقطع حبل الوريد مع النظام المخزني بل ظلت تطالب بتحديثه الى أن دجّنها . لإي الوقت الذي طرحت فيه قضية الصحراء كقضية وطنية ، جاءت مواقف اليسار الجديد مبشرة بنقلة نوعيه عبر تبنيها القطيعة الجذرية مع النظام المخزي و تبنيها لإعادة الوحدة داخل الدولة الديمقراطية كما أشار لذلك الموقف المشترك لمنظمتي " 23 مارس " و "الى الأمام" عام 1974 . و رغم الصراعات الحادة بين فصائل اليسار الجديد و باقي مكونات اليسار المغربي تعمم الوعي لذى الجميع بضرورة التغيير الديمقراطي لنظام الحكم الفردي القائم . فالوحدة الوطنية سواء في مستواها الترابي أو الاجتماعي الثقافي لن تكتمل و تشيد في غياب الدولة الديمقراطية.
ان ما يحدث راهنا على أرض الواقع ، من تطبيع مع الكيان الصهيوني ، دلالة قاطعة على ضعف اليسار المغربي بكل مكوناته الذي لم تعد له قدرة تحريك الشارع المغربي. و علامة في نفس الوقت ، لما وصلت اليه الهيمنة الكاملة للنظام الفردي ، ليس فقط على دواليب الحكم السلطوي ، بل أيضا و هذا هو الخطير على الوعي الشعبي عبر أخطبوطيه الاعلامي الثقافي الاقتصادي الأمني. لدا وجب وقفة استدراكية في مستوى الطموحات الشعبية ممثلة في اعادة الارتباط الروحي و العقائدي و التحرري مع الجماهير الشعبية ، عبر بناء الجبهة الديمقراطية الواسعة المفتوحة لكل القوى الديمقراطية و اليسارية كتجاوز للتقوقع النمطي التنظيمي المتجاوز.
القضية الفلسطينية
عكس القضية الوطنية المحصورة في استكمال أرض كانت تحت سيطرة الاستعمار الخارجي الذي له كيانه و دولته ، فان القضية الفلسطينية ذات أبعاد متشابكة تختلف تماما عن قضية الصحراء حتى يمكن الربط بينهما . فهي استعمار استيطاني من لعصابة عنصرية فاشية لا كيان لنا من قبل استحواذها على أرض فلسطين . و التي عمدت الى اجلاء الفلسطينين من أرضهم و اضطهاد من تبقي منهم . فنحن لسنا أمام استعمار اكلاسيكي بل عبر مؤامرة تاريخية على شعب و على وطن.
1 – الاستعمار الاستيطاني العنصري لأرض فلسطين
ليس المجال هنا للدخول في تفاصيل لا تحصى و لنخلص القول ، أن البحث العلمي على مستوى مختلف الواجهات أفضى الى وهمية أرض الميعاد و أن عملية احتلال أرض فلسطين هي لعبة جهنمية لعصابة عنصرية ارهابية وظفت اللاهوت و المال و التآمر و التواطؤ مع الرأسمالية و الاستعمار العالمي لاحتلال أرض فلسطين و جلاء و اضطهاد عنصري لما بقي من شعبها متشبثا بأرضه .
2 – فلسطين قضية قومية
أننا في عهد التجمعات القومية القوية حيث أصبح العالم تحكمه المصالح المادية بمختلف الأنماط و الأنواع ، و أن الغلبة للأقوى و منه أصبحت وحدة الشعوب المتقاربة المصالح لا مناص عنها حتى لا تصبح هذه الشعوب مسلوبة الهوية و القرار و تابعة . أمام الوضع العالمي القائم وحدة الشعوب العربية ضرورة وجودية . و طبعا هذه الوحدة لن تكون ذات منظور قومجي عرقي مصلحي ، بل وحدة داخل كيانات قطرية متعددة الثقافات محترمة لحقوق الانسان ، بمعني أن الوحدة لن تكون في غياب الديمقراطية . ان الوحدة ليست حلم بل ارادة يلزمها عزم و ووعي . هذه الارادة للشعوب العربية الوثاقة للوحدة و هذا الوعي الضروري الذي يحتضنها تبقى دعامته هي القضية الفلسطينية لأن المؤامرة و العراقيل الرئيسية للوحدة مدخلها كبوابة فلسطين . بمعني ، أن مركز الوحدة العربية الديمقراطية هي القضية الفلسطينية. فهي كالقلب بالنسبة للجسد العربي . المشروع الصهيوني هو أداة الاستعمارية عالمية لمناهضة قيام أي كيان عربي موحد قادر على التحرر و النمو واستقلالية القرار . لقد أراد الاستعمار العالمي للشعوب العربية التفرقة و التمزق والصراعات في ما بينها ، لتظل المنطقة العربية بشرقها و غربها سوق يستهلك و لا ينتج ، يعرف انعدام العدالة الاجتماعية لتسود الحروب و يعم الاستبداد. الى جانب المشروع الصهيوني هناك الرجعية العربية ، الخائفة على مصالحها الآنية ، تلعب دورا مدمرا لأي مشروع عربي وحدوي.
للتذكير فان الامكانيات المادية و القدرات البشرية للشعوب العربية خلال خمسينيات وستينيات القرن الفائت كانت تفوق بكثير طاقات الصين الشعبية التي أصبحت اليوم مصنع العالم و القوة العظمى التي تضاهي أمريكا . ان للشعوب العربية ان تركت صراعاتها و بنت دولها الديمقراطية و توحدت بشكل جدي و لو اقتصاديا في المرحلة الأولى ، تمكنت فرض ميزان قوى لصالح الشعوب العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني و صانعيه . عند الطفرة الوحدوية سيضمحل دور الكيان الصهيوني و يتلاشى ليصبح ما تمثله هونكونغ بالنسبة للصين . على كل حال عند وحدة الشعوب العربية عبر دمقرطة نظمها يذوب المشروع الصهيوني الاستيطاني . و طبعا لتقويض الشروع العربي الوحدوي يتم محاصرة القضية الفلسطينية التي تمثل مركز الوحدة العربية. فشعار القضية الفلسطينية هي قضية وطنية وقومية يتم استيعابه لما نطر اليه في بعده الاستراتيجي المصيري لكافة الشعوب العربية .
3 – فلسطين كقضية أممية
خلافا لقضية الصحراء التي هي أساسا استرجاع جزء من الوطن المغربي ، فان فلسطين تتجاوز حوزة الوطن الفلسطيني و الأمة العربية لتشمل حقوق الانسان و الشعوب في العالم ، حيث ما يعيشه الشعب الفلسطيني من استهان و استعمار و عنصرية و اضطهاد هو أبشع ما يمكن أن يعرفه أي شعب في العالم . انها وضعية تتجاوز ما عرفه النظام العنصري بجنوب افريقيا في عهد الأبرتايد . و هي بذا ، أي القضية الفلسطينية ، قضية انسانية كبرى لا يمكن السكوت عنها ، بل يلوم مساندتها و دعمها من كل أحرار العالم.
خلاصة
لتكون مواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني مواجهة فعلية وجب أولا و قبل كل شيء وحدة الصف اليساري بكل مكوناته و فصائلة و كل من يحمل مبادئ ديمقراطية تقدمية . وحدة الصف الديمقراطي التقدمي واجب و ضرورة لفرض ديمقراطية ثابتة بالمغرب حيث السلطة تكون من الشعب و الى الشعب و منه تتم الوحدة الوطنية المغربية الطوعية في شماله وصحرائه. مما يفتح المجال لبناء وحدة عضوية بين شعوب المغرب العربي و الشعوب العربية. قيام ديمقراطية فعلية بالمغرب ، نظرا لحجم ساكنته و أمكانية تطوره على كافة المجالات الاقتصادية و الثقافية ن يكون حافزا قويا في اتجاه وحدة الشعوب المغاربية و العربية.
محمد المباركي
في 15 ديسمبر 2020


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.