العرائش أنفو أين هو ذاك العالم الذي كان يشرق من صفحات "إقرأ" كأنّ الشمس تُطِلُّ علينا من عيون الحروف ذاك العالم الذي صنعه محمد بوكماخ بأنامل الحلم وحنان الوطن حين كانت الحروف واحات وكانت الكُتب نوافذ على الجنّة وكان المعلم رسولًا يمشي على مهل ويحمل بيده دفترًا لا يعلِّمنا فيه القراءة فقط بل يعلمنا كيف نُحبّ الحياة دون أن نؤذيها كنا نفتح كتاب "إقرأ" فنجد "أحمد" و"سعاد" يركضان في بستان والسماء زرقاء لا تعرف الغبار والدرب نظيف والجار لا يُغلق بابه كنا نقرأ ونحلم ونصدّق أن الخير قانون وأن الشر غيمة عابرة كأن بوكماخ لا يكتب بل يزرع وردًا في عقولنا ويسقيه بالحكمة واللطف ويجعل من كل قصة دعوة إلى النقاء كنا ننتظر برامج الأطفال ليس لنُسلي الوقت بل لنُسافر لنحطّ على جناح أرنب ناطق ونُصافح شمسًا تضحك من خلف النافذة كان التلفاز علبة سحر يبثّ من قلبه عالمًا لا يكذب عالمًا يَعدُنا بأننا إن كنا طيبين فسنصير أبطالًا وإن ساعدنا العصافير فسيغنّين لنا في الطريق أين ذهبت تلك الأغاني "اشميشه لالا باك مشا للسباته" كانت تغنّى في كل الأزقة كأن الوطن نفسه يهمسها في مسامع الأطفال أغانٍ من ذهب تصنع من الجملة القصيرة موسيقى للفرح ومن الإيقاع البريء طمأنينة لعالمٍ لا نعرفه بعد أين دور الشباب حيث تعلّمنا الرقص على نغمة القيم وتعلّمنا أن المسرح مرآة وأن اللوحة صلاة وأن الرياضة ليست منافسة بل أخوة أين الجار الذي لا يهنأ حتى يسمع طنجرة جاره تغلي وأين الجارة التي كانت تُلبّس أولاد الحي أجمل ثياب العيد وتدّعي أنها خالتهم كي لا يشعروا باليُتم أو الفقر أين الجنائز التي كانت عزاءً جماعيًا نحمل النعش ونحمل معه بعضًا من قلوبنا وأين الأعراس التي كانت تبدأ بزغاريد وتنتهي بدعاء كأن الفرح فرض والبركة ميراث ماذا حلَّ بك يا عالم هل نحن الذين كبرنا أم أنت الذي صغُرت هل كان الماضي حلمًا أم أن الحاضر كابوس لم يستأذن في الدخول هل كنّا طيبين أكثر من اللازم أم أن الطيبة كانت شرطًا لتشرق الشمس زبدة القول أن ما علّمنا إياه بوكماخ لم يكن نصوصًا للقراءة بل طقوسًا للحياة أن الكلمة الطيبة عمرٌ آخر وأن الخير يُعلَّم كما تُعلَّم الحروف وأنّ الوطن يبدأ من قلب طفل صدّق أن العالم يمكن أن يكون جميلاً أنّ الدفتر ليس فقط لكتابة الجمل بل لزراعة الإنسان فيا من عشتم زمن الحكاية لا تتركوا الذاكرة تذبل اقرؤوا لأولادكم ما كنا نقرؤه غنّوا لهم ما كنا نغنيه "اشميشه لالا" ليست مجرد لعبة إنها وطن من طفولة وإن سألوكم يومًا هل كان العالم أجمل قولوا: نعم لأننا كنا نقرأه في كتب بوكماخ ونصدّقه بقلوب لا تعرف الكذب.