"من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره صدق الله العظيم" العرائش أنفو الكاتب: سعيد ودغيري حسني في يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025 ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابا ساميا أمام البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية التشريعية الحادية عشرة في الرباط. هذا الخطاب لم يكن مجرد كلمة احتفالية تقليدية، بل يمثل وثيقة استراتيجية شاملة تحمل رسائل سياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية وروحية تعكس الرؤية الملكية العميقة للمغرب اليوم ومستقبله، وتوضح أطر المسؤولية الفردية والجماعية كأساس للتنمية والاستقرار. افتتح الخطاب بالتأكيد على تسريع برامج التنمية المحلية كخطوة أساسية لتفعيل سياسة الدولة في تحسين حياة المواطنين. هنا يمكن ملاحظة عدة نقاط: التركيز على التنفيذ العملي، حيث شدد الملك على ضرورة أن تتحول البرامج إلى أفعال ملموسة على الأرض، مما يعكس الرغبة في تحقيق أثر مباشر وفوري على حياة المواطنين؛ البعد الاجتماعي والخدمات الأساسية حيث ذكر التعليم والصحة تحديدا وهو مؤشر على عقلية شاملة للتنمية؛ والعدالة الاقتصادية والاستثمار العمومي، إذ يوضح حرص الملك على عدم تبديد الموارد العامة وأن كل مشروع أو برنامج يجب أن يكون له مردود ملموس وواضح على المواطنين. ركز الخطاب بشكل واضح على الشباب باعتبارهم ركائز أساسية لمستقبل المغرب، حيث دعا الملك إلى خلق بيئة مناسبة لهم لتطوير مشاريعهم الريادية، مشددا على أن الشباب ليسوا مجرد متلقين للسياسات بل شركاء فاعلين في صياغتها؛ كما أكد على الشغل كأولوية وطنية، مشيرا إلى أن البطالة بين الشباب ليست مجرد مشكلة اقتصادية بل تمثل تهديدا لاستقرار المجتمع، وهو مؤشر على وعي الملك بالبُعد الاجتماعي والسياسي للعمل؛ وشدد على روح المبادرة والابتكار، مع التأكيد على أهمية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة للشباب باعتبارها عنصرًا جوهريًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة. تطرق الخطاب إلى التنمية المتوازنة بين المناطق الحضرية والقروية، مؤكدا أن الاهتمام بالمناطق النائية ليس خياراً ثانوياً بل ضرورة وطنية لضمان التوازن الاجتماعي والتنمية المستدامة؛ كما أبرز العدالة المكانية من خلال تحسين البنية التحتية وتطوير التعليم والصحة في المناطق القروية، مما يعكس حرص الدولة على العدالة في توزيع الموارد والخدمات؛ وأكد الخطاب على المواطنة الشاملة، مشيرا إلى أن التنمية لا تكتمل إلا إذا شعر كل مواطن بالعدالة والمساواة، وهو ما يعكس اهتمام الملك بتقليص الفجوة بين مختلف مناطق المغرب. وجه الملك رسائل واضحة للبرلمان والمسؤولين، داعيا إلى الجدية والمهنية في إنجاز المخططات التشريعية والمشاريع المفتوحة دون تأخير، مؤكدا أن الدولة ملتزمة بالفعالية والنتائج؛ وشدد على المساءلة والشفافية، حيث ربط اليقظة والالتزام بالمصلحة العامة بالمسؤولية الأخلاقية والمحاسبة الفردية والجماعية؛ كما أكد على أهمية الحوار الاجتماعي، مشيرا إلى أن التواصل مع المواطنين والاستماع لمطالبهم الاجتماعية والاقتصادية ضروري لاستقرار البلاد، وأن الشعور بالعدالة والمشاركة يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار السياسي والاجتماعي. اختتم الخطاب بالآية القرآنية: "من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره صدق الله العظيم"، التي تحمل بعدا أخلاقيا وروحانيا، فهي تذكير بأن كل فعل مهما صغر شأنه له حساب، وتشجيع على الالتزام بالخير والابتعاد عن الضرر؛ كما تربط بين العمل العام والقيم الدينية لتعزيز النزاهة والمصداقية في الإدارة العامة؛ كما تعكس حرص الملك على أن تكون السياسات والمشاريع متماشية مع العدالة الاجتماعية، وأن أي تقصير أو تجاوز له أثر واضح على المجتمع؛ كما تخلق جسرًا بين السياسة والأخلاق لتذكير المسؤولين بأن قراراتهم تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على المجتمع والوطن. يحمل الخطاب رموزا ضمنية متعددة، منها تأكيد الملك على تمكين الشباب وربطهم بالعمل والمبادرة، مما يظهر أن الجيل الجديد هو أساس التنمية المستقبلية؛ واهتمامه بالمناطق النائية كرمز لتحقيق العدالة المكانية؛ والآية القرآنية كرمز للمساءلة والشفافية والأخلاق في العمل العام؛ والتركيز على الحوار الاجتماعي الذي يشير إلى أن الدولة تدرك أن الاستقرار السياسي يعتمد على شعور المواطنين بالعدالة والمشاركة. وهكذا ختم صاحب الجلالة الملك محمد السادس خطابه أمام نواب الأمة، مؤكدا أن المسؤولية ليست مجرد وظيفة أو دور إداري، بل واجب أخلاقي وروحي تجاه الوطن والمواطن. الخطاب يمثل رؤية متكاملة للمغرب الحديث، حيث تتقاطع السياسة والاقتصاد والأخلاق والدين لتحقيق التنمية المستدامة، وتمكين الشباب، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وضمان استقرار البلاد. كما يظهر حرص الملك على أن يكون كل مسؤول ملتزما بخدمة الوطن بروح المبادرة والنزاهة والصدق، وأن أي تقصير أو تجاوز سيكون له أثر واضح في تقييم الأداء والمساءلة، مؤكدا أن العمل الصالح هو الذي يبني المجتمع ويحقق الرفاهية والاستقرار للأجيال القادمة.