الباحث محمد عزلي - العرائش من المعلوم، أن المغاربة عرفوا المسرح الإسباني منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، فبعد هزيمة المغرب بتطوان سنة 1859م، واحتلالها من قبل إسبانيا سنة 1860م شيد الإسبان مجموعة من المسارح بداية من تطوان ثم أعقبتها في مرحلة لاحقة طنجة، وأصيلة، والقصر الكبير، والعرائش.. بينما بالمقابل لم تشيد فرنسا في منطقة احتلالها بالمغرب سوى ثلاثة مسارح و هي :1 الملهى الفرنساوي بمدينة فاس سنة 1917م, لكن المسرح لم يعمر طويلا, كما لم يترك أثرا يذكر على الساحة المسرحية المغربية. 2 المسرح البلدي بمدينة الدارالبيضاء الذي أسسه المارشال ليوطي سنة 1922م. 3 مسرح الجديدة الذي شيد سنة 1937م. أما عن مسرح إسبانيا بالعرائش الذي أخدناه هنا كنمودج لهذا التراث الكولونيالي الإسباني بالمغرب, يحكي بحار كولومبي خدم ضمن البحرية الإسبانية في مطلع القرن الماضي أنه زار مدينة العرائش في بداية القرن ثم عاد ليزورها مرة أخرى سنة 1912, و قد تفاجأ كثيرا للتطور المعماري و الحضاري و البنيوي.. لكنه اندهش عندما رأى مسرحا موجودا بالفعل بل و يقدم عروضا مسرحية و أشرطة سينمائية.. في هذا الوقت المبكر من اختراع السينما !! و قد تطور شكل المسرح في مرحلتين أساسيتين بين سنتي 1912 و 1922 قبل أن يأخد شكله النهائي كما هو ظاهر في الصورة سنة 1927..
ترجع فكرة إنشاء هذا المسرح إلى القنصل الإسباني بالعرائش سنة 1911 " Emilio Zapico إيميليو سابيكو " الذي عمل جاهدا على تحقيق حلمه فأقنع المقاول الإسباني " Emilio Sanchez Pescador إيميليو سانتشيز بيسكادور " بالمشروع, فأخد الأخير في تشيد هذا الصرح الفني المعماري الرائع بل و احتفظ بملكيته رافضا بيعه.. و ضل المسرح قائما نشطا منيرا للفضاء الفني و الثقافي العرائشي بعد استقلال المغرب و مبعثا للفخر بين أبناء المدينة و زوارها خاصة و أنه بني على الطريقة الإيطالية, روعيت فيه كل المعايير و المكونات الأساسية و الجمالية و التقنية لقاعة أوبرا كلاسيكية و عصرية.. إلى أن جاء أجلها على يد إمبراطورية الإسمنت في نهايات القرن الماضي وسط صمت رهيب من كل مكونات المدينة, في حادثة أقل ما يمكن القول عنها أنها قريبة من نظرية المؤامرة.